بين التحذير العسكري والتعبئة النفسية… هل تُقاد أوروبا إلى الحرب؟

بين التحذير العسكري والتعبئة النفسية… هل تُقاد أوروبا إلى الحرب؟
بين التحذير العسكري والتعبئة النفسية… هل تُقاد أوروبا إلى الحرب؟

مع نهاية عام 2025، دخلت أوروبا مرحلة جديدة من التوتر الأمني، لم تعد فيها التحذيرات من توسّع الحرب في أوكرانيا مجرّد توقعات نظرية، بل تحوّلت إلى واقع ملموس في التصريحات الرسمية، والتحليلات الإعلامية، والاستعدادات المجتمعية. أصوات القلق ارتفعت من داخل الناتو، ومعها تغيّر الخطاب السياسي الغربي نحو لهجة أكثر حدّة، تشير بوضوح إلى احتمال أن تشهد القارة العجوز صدامًا مباشرًا مع روسيا في المستقبل القريب، في ظل تآكل "الخطوط الحمراء" التي طالما ضمنت بقاء النزاعات خارج أراضي الحلف.

وكالة رويترز نشرت في 14 ديسمبر 2025 تصريحات حاسمة لأمين عام الناتو، "مارك روته" قال فيها إن "الحلف يجب أن يأخذ احتمال استهدافه من قبل روسيا بجدية"، معتبرًا أن موسكو قد لا تكتفي بأوكرانيا. وقد وصفت موسكو هذه التصريحات بأنها "غير مسؤولة"، لكنها لم تُخفِ انزعاجها من تصعيد النبرة الغربية. صحيفة راديو أوروبا الحرة أشارت إلى أن الناتو رفع مستوى الجاهزية العسكرية في أوروبا الشرقية، وبدأ فعليًا في تجهيز قوات التدخل السريع التي باتت تضم أكثر من 300 ألف جندي. هذه التحركات لا تترك مجالًا للشك بأن هناك إعادة ترتيب دفاعية تجري بصمت، لكنها فعالة وجذرية.

لكن الملفت أكثر هو ما يحدث داخل المجتمعات الأوروبية، حيث دخلت الشعوب في حالة "تعبئة نفسية" غير مسبوقة منذ عقود. مقالة رأي نشرتها منصة United24Media بعنوان "أوروبا بالفعل في حالة حرب… وعقلية السلم تتركها عرضة للهجمات الهجينة الروسية"، أوضحت أن الاستعدادات لم تعد مقتصرة على وزارات الدفاع، بل شملت توزيع منشورات على السكان في فنلندا وألمانيا والسويد تتضمن إرشادات للتصرف في حالات الطوارئ، من قطع الكهرباء إلى احتمالات النزوح. هذا النوع من التعبئة يشير إلى أن الحكومات الغربية لا ترى الحرب فقط كاحتمال بعيد، بل كخطر قد يقع في أي لحظة.

في هذا السياق، يبرز السيناريو الأول، وهو استمرار الصراع في أوكرانيا كحرب استنزاف طويلة الأمد. في هذا السيناريو، تستمر موسكو في هجماتها، ويواصل الغرب دعم "كييف" دون الدخول المباشر في المعركة. رويترز أشارت إلى أن هذا السيناريو هو الأكثر واقعية على المدى القصير، لكنه يحمل كلفة عالية من الإنهاك الاقتصادي والسياسي، ويحوّل أوكرانيا إلى ساحة دائمة لاختبار الإرادات الدولية، بينما تتسلح أوروبا وتتحفز دون أن تطلق النار.

السيناريو الثاني أكثر خطورة، ويتعلق باندلاع مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا، سواء عبر هجوم روسي على دولة عضو في الحلف، أو نتيجة حادث عسكري مفاجئ في منطقة تماس. وفقًا لراديو أوروبا الحرة، فإن الحلف يعتبر هذا السيناريو "قائمًا لكنه غير مرغوب"، ومع ذلك، فإن الجاهزية العسكرية تُبنى اليوم على أساس احتمال اندلاع صراع بهذا الحجم. النتائج ستكون كارثية، ليس فقط على مستوى الجغرافيا، بل على الأمن الغذائي والطاقة والتوازن الديمغرافي في القارة كلها.

في المقابل، يبقى السيناريو الثالث هو الأكثر تفضيلًا دبلوماسيًا، لكنه لا يزال بعيدًا سياسيًا. يتمثل في تسوية شاملة تقوم على حياد أوكرانيا، وضمانات أمنية لها، مقابل انسحاب روسي جزئي وتخفيف تدريجي للعقوبات الغربية. هذا المسار، بحسب تحليل United24Media، يتطلب توافقًا نادرًا بين واشنطن وبروكسل وموسكو، وربما بوساطة دول مثل الصين أو تركيا. هو سيناريو الانفراج، لكنه يواجه تعقيدات أكبر من القدرة العسكرية: تعقيدات النيات، والثقة، وسرديات النصر والخسارة.

في ظل هذه الاحتمالات المتباينة، تبدو أوروبا وكأنها واقفة على الحافة: تعبئة سياسية، تحشيد إعلامي، واستعداد عسكري، دون أن تُطلق الرصاصة الأولى. لم يعد السؤال "هل ستندلع الحرب؟"بل "متى؟" ومن سيشعل الشرارة الأولى؟ الإعلام الغربي لم يعد مجرد ناقل للحدث، بل أصبح طرفًا فاعلًا في صياغة مزاج الشعوب وصناعة التصعيد. التحذيرات المتكررة في الصحف الكبرى لم تعد أدوات ضغط نفسي، بل تعكس تحولًا عميقًا في الرؤية الاستراتيجية الأوروبية، حيث لم تعد الحرب في أوكرانيا نزاعًا إقليميًا، بل خط التماس بين عالم قديم متعدد الأقطاب، وعالم جديد يتشكل تحت تهديد الانفجار. وبين سيناريو الاستنزاف، والانفجار، والتسوية، يبقى العامل الحاسم هو إرادة القوى الكبرى في وقف الانحدار قبل فوات الأوان. أوروبا تستعد للأسوأ…لكن لا أحد يعرف كيف ستنتهي الحرب إن بدأت.
بين الإعلام والميدان… من يملك زمام المستقبل؟