الكراهية كأداة سياسية: درس من البرلمان العراقي
ما جرى في البرلمان العراقي لم يكن مجرد جلسة عابرة أو سجال سياسي عادي، بل كان درسًا مكثفًا في كيفية توظيف الكراهية بوصفها أداة سياسية فعّالة.
لقد كشف ذلك المشهد، بوضوح وبدون مواربة، كيف يمكن لخطاب الكراهية أن يوحّد مواقف ورؤى ومصالح متناقضة، لا على أساس برنامج سياسي مشترك أو مشروع وطني جامع، بل على أساس وجود “عدو مشترك”.
الهجوم الذي استهدف شعب كردستان، وخصوصًا الحزب الديمقراطي الكردستاني، لم ينطلق من رؤية سياسية بديلة، ولا من مشروع إصلاحي أو دستوري واضح، بل تأسس على منطق العداء ذاته.
هذا العداء لم يكن موجّهًا ضد سياسات محددة قابلة للنقاش أو النقد، بل ضد الحقوق القومية والوطنية لشعب كردستان نفسها، وهي الحقوق التي يمثّلها الحزب الديمقراطي الكردستاني في المشهد السياسي العراقي.
في هذا السياق، لم يكن استهداف بارزاني بوصفه شخصًا، بل بوصفه رمزًا سياسيًا. رمزًا لخطّ قيادي يعبّر عن إرادة الصمود ورفض الخضوع، وعن مشروع سياسي يرى في كردستان كيانًا دستوريًا وشريكًا لا تابعًا.
من هنا، تحوّل الرمز إلى هدف، لا بسبب أخطائه أو سياساته فحسب، بل بسبب ما يمثّله من معنى ودلالة في الوعي السياسي الكردي والعراقي على حد سواء.
إن أخطر ما كشفته هذه الواقعة هو أن الكراهية، حين تُدار بذكاء سياسي، تستطيع أن تحلّ محل البرامج، وأن تجمع خصوم الأمس في جبهة واحدة، ما دام العداء هو القاسم المشترك.
وهذا ما يجعل من خطاب الكراهية سلاحًا مريحًا لمن يعجز عن إنتاج رؤية سياسية، أو يخشى الاعتراف بالحقوق القومية والدستورية للآخر.
ما حدث في البرلمان ليس حادثة معزولة، بل هو مؤشر على مسار سياسي أعمق، يُعاد فيه إنتاج الصراع عبر شيطنة الرموز، وتجريم الحقوق، وتوحيد الخصوم على قاعدة “الضد”.
ومن هنا، فإن قراءة هذا الحدث لا ينبغي أن تقتصر على ردّ فعل آني، بل يجب أن تُفهم كتحذير سياسي من مستقبل تُدار فيه الدولة لا بالبرامج، بل بالأحقاد، ولا بالشراكة، بل بالإقصاء.