هل سيضحي البارتي بمنصب رئيس الجمهورية؟
العراق الجديد افرز بعد انتخابات 2005 عرفا في الحياة السياسية صار يتَبع إلى يومنا هذا، وهو اتفاق القوى السياسية في العراق على أن تكون رئاسة الوزراء للشيعة باعتبارهم الأغلبية، ورئاسة البرلمان للسنة، ورئاسة الجمهورية للكرد. واتفق الكرد (الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني) وحسب الاتفاقية الاستراتيجية بين الحزبين على أن تكون رئاسة الإقليم للبارتي ورئاسة الجمهورية للاتحاد.
مضى الحزبان بهذا الاتجاه خلال ثلاث دورات متتالية وبسلاسة وبدون أي خلاف يذكر بينهما، ونشب الخلاف بين الحزبين على هذا المنصب في الدورة الرابعة حين ضرب الاتحاد الوطني الإجماع الكوردي بعرض الحائط وذهب لعمل لوبي خارج إطار القوى الكوردستانية لنيل المنصب، واعتبر البارتي هذه الخطوة بأنها بادرة خطيرة ولا يمكن السكوت عنها. وكان اعتراض البارتي حينها على الآلية التي تم فيها اختيار رئيس الجمهورية وليس على الشخص. لأن من بديهيات الديمقراطية أن الفائز الأول في الانتخابات هو من يمتلك ذلك الحق. لكن الاتحاد لم يستسلم لهذه الحقيقة وذهب يروّج بأن منذ 2005 اصبح العرف أن تكون رئاسة الجمهورية للكرد ومن بين الكرد للاتحاد الوطني، وهذا في الحقيقة ليس صحيحا بل كان هذا حسب الاتفاق الاستراتيجي بين البارتي والاتحاد وبعد أن تخلى الحزبان عن هذه الاتفاقية وأعلن كلا الحزبين عن انتهاء هذه الاتفاقية وأنها أصبحت شيئاً من الماضي، لذا وجب علينا الرجوع إلى الآليات الديمقراطية المتبعة في حسم المناصب وليس للعرف كما يدعي الإتحاد أي صلة بهذا الموضوع، وإنما يجب أن يحسم بحسب الآليات الديمقراطية وهو أن المنصب هو من استحقاق الفائز الأول من الكرد كما أن منصب رئاسة الوزراء هي للفائز الأول من الشيعة وكذلك الحال مع السنة على منصب رئاسة البرلمان. ولو كان الحال كما يدعي الاتحاد فإنه كان من الأجدر أن يذهب منصب رئيس الوزراء الى حزب الدعوة لأنه منذ تلك الفترة كان المنصب من نصيبهم، لماذا إذاً لم يطالب نوري المالكي _ ورغم ثقله ونفوذه السياسي _ بهذا الشيء؟ لأنه يعلم جيداً أن مثل هذه الدعوة تثير السذاجة والسخرية من منافسيه السياسيين وعدم الدراية بالممارسة الديمقراطية. ومن ناحية أخرى، لو كان كذلك فما الجدوى من الانتخابات إذاً.
الذي أريد أن أقوله هنا وأكد عليه هو أن منصب رئاسة الجمهورية وبحسب النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة هو من حق البارتي ويجب على الجميع أن يقرّ بذلك، وادعو قيادة البارتي ألّا يتنازل بأي حال من الأحوال عن هذا المنصب وبذات هذه المرة، لأنه لو تنازل عن المنصب هذه المرة فلن ولم ير البارتي هذا المنصب بعد الآن أبدا لأنه سيرسّخ مقولة الاتحاد بأن العرف هو أن منصب رئيس الجمهورية للكرد، ومن بين الكرد للاتحاد. وسيكون من الصعب بالنسبة للبارتي أن يطالب بهذا المنصب بعد ذلك. ولا يفوتني هنا أن أقول إن منصب رئيس الجمهورية لا يتطابق مع سياسة البارتي وتطلعاته القومية في نيل الحرية والاستقلال لكوردستان العراق ولكن للضرورة أحكام، والاستفتاء الذي قادة الرئيس مسعود البارزاني في 2017 خير دليل على ذلك. ومن جانب آخر الظروف الدولية والإقليمية تحتم علينا اليوم أن نكون جزأ من العراق، لذا على الكورد أن يكون له حضور قوي في بغداد. وعلى قادة العراق أن يثبتوا للشعب الكوردستاني بأنهم فعلاً يعتبرونهم جزء من العراق ولا يعاملونهم كمواطنين من الدرجة الثانية أن يحسوا فعلا أنهم مرحب بنهم كعراقيين.
وأخيراً، أرجو ألّا يتنازل البارتي عن هذا المنصب، ولو أني أعلم يقينا أن الاتحاد لو أصرّ عليه فإن البارتي سيضحي بالمنصب من أجل وحدة الصف البيت الكوردستاني كما فعل ذلك في مرات عديدة، لان البارتي لم يكن يوما ليضحي بمصلح الكورد وكوردستان من أجل منصب، ويضع دائما نصب عينيه وحدة الصف الكورد من أجل الوصول إلى الحقوق العادلة للشعب الكوردستاني. فإن كان ولابد ولو لا أحبذّ هذا فليكن بهذه الصورة: وهو أن يصرح المكتب السياسي في الاتحاد الوطني الكوردستاني في بيان واضح وصريح ويذكر فيه (إن منصب رئيس الجمهورية كان من حصة الإخوة في الحزب الديمقراطي الكوردستاني بحسب النتائج التي أفرزتها انتخابات 2021 ولكن بعد المفاوضات واتفق الحزبان أن يعطى المنصب للاتحاد الوطني الكوردستاني خدمة للمصلحة القومية وحفاظا على مصالح كوردستان في بغداد). بدون هذه الصيغة لا يمكن التضحية بالمنصب وبالاستحقاق الانتخابي للبارتي. لذا أرجو أن يأخذ القادة في البارتي بنظر الاعتبار ما ذكره الكاتب لأنه بخلافه سيخسر البارتي الكثير.