الرئيس في بغداد ومباحثات الفرصة الاخيرة

الرئيس في بغداد ومباحثات الفرصة الاخيرة
الرئيس في بغداد ومباحثات الفرصة الاخيرة

في ظرف حساس يمر به العراق حيث تاتيه التهديدات من الداخل والخارج (اقليميا ودوليا) جاءت الزيارة التاريخية المهمة للرئيس مسعود بارزاني الى بغداد في الثالث من تموز في مبادرة لبداية مسار سياسي جديد لن يكون مثاليا بالتاكيد، لكنه كفيل بان ينقذ العراق من الشتات والرهانات (المافيوية) لاطراف سياسية مازالت تقامر على حاضر ومستقبل البلاد وهي مستعدة لبيع كل شبر من الارض بثمن سيبقى بخسا مهما كانت الارقام عالية وكبيرة.

وما لوحظ من خلال هذه الزيارة، ان الطرف الخاسر دوما والذي صدم من هذا الموضوع اراد ان يقلل من اهمية مبادرة الرئيس واصبحوا يلعبون على اوتار مهترئة تكاد ان تلتف حول رقابهم من كثر هول الصدمة التي اصابتهم، لكنهم اقتنعوا اخيرا بان المتابعين الحقيقيين للواقع العراقي (من هم من خارج جيوشهم الاليكترونية الزائفة) يعون جيدا مدى الخطر المحدق بالعراق والذي تطلب وجود مبادرة بهذه القوة ومن الرئيس بارزاني، السياسي الوحيد والذي يتعامل باخلاق الفرسان في العراق.

ومن المفارقات ان هذه الزيارة جاءت متزامنة مع الذكرى العاشرة للجلسة التاريخية لبرلمان كوردستان والتي القى فيها الرئيس كلمة مهمة بعد اقل من شهر على احتلال مدينة الموصل من قبل ارهابيي داعش حيث بين من خلالها وفي اجتماع مغلق للبرلمان مدى خطورة الوضع الذي يعيشه العراق بعد هذا التطور الخطير واكد على ان الاقليم يمد يد التعاون مع الحكومة الاتحادية للخروج من هذه المشكلة، وفي هذه الايام ايضا وقبل عامين كنا نعاني من انسداد سياسي حيث لا اتفاق على رئيس للجمهورية ولا حكومة والكثير من الامور السياسية كانت معطلة بسبب استمرار عمل حكومة تصريف الاعمال التي كان يتراسها الكاظمي وبعد ثلاثة اشهر اي في اكتوبر من عام 2022 اتفقت الاطراف السياسية العراقية على انتخاب لطيف رشيد رئيسا للجمهورية ومحمد شياع السوداني رئيسا للحكومة، والاتفاق كان في مقر الرئيس بارزاني، اي ان الحل كان دوما يخرج من لدن البارزاني.

ان السنوات الست التي مرت والتي وصفتها بعض الاطراف السياسية بالقطيعة بين الرئيس وبغداد لم تكن خالية من مبادرات التقارب والاتفاقيات والتفاهمات (والتي لم تنفذ واهمها اتفاقية سنجار)، ولذلك من غير المنطقي ان نسميها بالقطيعة، فالقطيعة الحقيقية كانت في اذار 1960 حين خرج البارزاني الخالد من بغداد عائدا الى كوردستان عندما تاكد بان بغداد لاتريد حلولا للمشاكل مع القيادة السياسية في كوردستان بتاثير من الضباط القوميين الذين اثروا على عبدالكريم قاسم وكانت النتيجة قيام ثورة ايلول في الحادي عشرمن سبتمبر لعام 1961 ، والجميع يعرف ما الذي حصل بعد ذلك حيث انقض العسكر اصحاب الحكم والهيمنة السياسية والعسكرية على بعضهم البعض واصبح كل ينهي حياة الاخر بانقلاب عسكري واضاعت الحكومات العراقية اكثر من فرصة لتصفير وانهاء المشاكل والوصول الى بر الامان والاستقرار.

الرئيس توجه الى بغداد باجندة مفتوحة وموسعة شملت اغلب النقاط العالقة ان كانت موروثة او مفتعلة او ازمات اختلقت بحجة حل ازمات اخرى، لكن النقطة الاهم كانت تكمن في الجانب الامني والذي يعتبر اساسا مهما لكل المواضيع الاخرى ومرتكزا من الممكن ان يتسبب ارتخاؤه او تزحزحه انهيارا كاملا لمنظومة الدولة بالكامل، فالميليشات تتحكم بالمنظومتين السياسية والدفاعية وبسببها يكاد العراق ان يتورط في مشاكل اقليمية ودولية هو في غنى عنها في حين ان العراق يستطيع ان يستغل العامل الجيوسياسي ليكون طرفا مؤثرا في حل المشاكل في المنطقة وتحديدا المشكلتين الفلسطينية واللبنانية لا ان يكون جزءا من حرب لن تقل اضرارها عما عاناه العراق في حربي الخليج الاولى والثانية.

وفي ذات الجانب الامني، تشكل موضوعة التوغل التركي تهديدا صريحا ومباشرا على سيادة العراق، ومع ان لهذا الامر خلفية تاريخية تعود لاكثر من اربعة عقود وباتفاق رسمي بين الجانبين، الا ان الحجة الاساسية والتي تبين تركيا بانها تهدد امنها القومي هي وجود مسلحي الـPKK ، فلم لاتتخذ الحكومة العراقية قرارا جريئا شجاعا باخراجهم من العراق وابطال الحجة التركية، وحينذاك هل ستبقى لتركيا اية حجة لمزيد من التوغل؟

وهنا لابد من التذكير بسيناريو اتفاقية ادنة والتقارب بين الحكومتين السورية والتركية في زمن حافظ الاسد وسليمان ديميريل، هذا المشهد الذي يتكرر حاليا بالتقارب المنتظر بين دمشق وانقرة والذي سيؤدي بالوضع الى نفس النتيجة السابقة، وللتذكير..فقد حذر الرئيس بارزاني ومنذ اكثر من عقدين مسلحي الـPKK من هذه النتيجة وطالبهم بالتوجه لساحتهم الحقيقية والبدء بنضال سياسي برلماني دون استغلال اراضي اقليم كوردستان للهجوم على تركيا مبديا الاستعداد الكامل للاقليم للمساعدة في هذا الملف، ولا اعتقد بان الابواب ستوصد من قبل الاقليم لاي حل سلمي سياسي من الممكن ان يحفظ سيادة العراق وعلاقات حسن الجوار وضمان عدم التدخل من شؤونه الداخلية.

اما في الجانب الاقتصادي، فلايمكن التغاضي عن مدى الفساد الذي وصلت اليه الدولة بادلة واثباتات تملأ وسائل التواصل الاجتماعي هذا بالاضافة الى الخلاف النفطي بين بغداد واربيل والذي اثر على سوق النفط العالمية ووسع الفجوة بين الجانبين مع استمرار العقاب الجماعي المفروض على شعب كوردستان منذ اكثر من عشرة اعوام بحرمانه من حقه الشرعي والقانوني من الموازنة العامة الاتحادية، وكل هذه الخلافات والازمات الاقتصادية مضافا اليها الازمات السياسية (واغلبها مفتعل) لايمكن ان تؤدي الى الاستقرار الذي تسعى اليه شركات الاستثمار العالمية، مما سيؤدي الى استمرار الازمات الاقتصادية التي يعيشها هذا البلد الغني بثرواته الطبيعية والبشرية، فهل تعي الاطراف السياسية حجم الكارثة التي يعيشها العراق في ظل هذه المشاكل؟

لقد اثبت الرئيس بارزاني بانه اكثر السياسيين حرصا على وحدة وثبات العراق داخليا واستقراره على المستوى الاقليمي والدولي، وبين بان تحركاته السياسية هي الانشط والاكثر نتاجا بدليل اللقاءات والاجتماعات التي عقدها خلال الفترة التي قضاها في بغداد وهذا مايذكرنا ايضا بفترة الخمسة وخمسين يوما التي بقي فيها هناك لاكمال صياغة الدستور، لذلك من الضروري ومن خلال قراءة المغزى الحقيقي لجميع هذه اللقاءات المكثفة مع اطراف عراقية واقليمية ودولية ان نعي باننا نعيش حقا في فترة الفرصة الاخيرة لبقاء العراق ثابتا وموحدا بضمان وحدة جبهته الداخلية وحماية استقراره الاقليمي ومكانته الدولية، وان اي تنصل من الممكن ان نتوقعه (وهو متوقع) من اي طرف يريد ان يكسب بعض النقاط السياسية بمعاداته لاقليم كوردستان، سيتسبب بمشاكل عميقة لن يكون حلها سهلا هذا ان وجدت لها الحلول، ولن تستطيع اية مبادرة سياسية اخراج العراق من مستنقع الازمات التي سيقع بها جراء عدم تقديره لهذه المبادرة المهمة من الرئيس، وهنا اذكر ايضا بان زيارة نوفمبر 2018 للرئيس الى بغداد اكدت ايضا على ذات النقاط وحذرت من ذات المشاكل وفعلا حصل ماكان متوقعا من ازمات ومشاكل كانت تهدد احيانا بالخروج من العملية السياسية ومقاطعتها من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني.

سيادة الرئيس .. قواكم الله، فعلتهم الصح واديتم ماعليكم من واجب وتقدمتهم بمبادرة لاشك بانها ستساهم في خروج العراق من المآزق التي يعاني منها، والاهم في ذلك ان تكون هناك اذان صاغية بعيدة عن المهاترات، تتفهم حجم الكارثة التي تنتظر البلد ان لم توحد الجهود لتدارك الازمات.