الجزء الثالث عشر.. بارزان في المصادر البريطانية والكوردية

الجزء الثالث عشر.. بارزان في المصادر البريطانية والكوردية
الجزء الثالث عشر.. بارزان في المصادر البريطانية والكوردية

1- في صيف عام ١٩٢٦م أصدر مدير المسح في الحكومة العراقية جزء من خريطة (بارزان) بنصف بوصة كجزء من المسوحات التي قامت بها؛ حيث أثبتت دقتها بشكل ملحوظ ليس فقط فيما يتعلق بخطوط ومواقع الجبال والوديان، ولكن أيضًا في مواقع وأسماء القرى، إن دقة الخرائط التي تبلغ حجمها نصف بوصة بالإضافة إلى وفرة من الصور الجوية العمودية والمائلة التي تم التقاطها قبل وأثناء العمليات ساعدت إلى حد ما في التعويض عن نقص المعلومات الطبوغرافية والجغرافية المتاحة في مجموعتنا من مصادر أخرى. على أية حال لم يكن هناك أي تعويض عن النقص في المعلومات المتعلقة بسكان هذه المناطق، كان من المستحيل في البداية الحصول على عملاء مستعدين لدخول أراضي الشيخ أحمد، وخلال المراحل الأولى من العمليات لم يكن لدى المقر الرئيسي للطيران سوى معرفة قليلة جدا بالسكان تجاه الشيخ أحمد أو تجاه الحكومة العراقية، في المراحل اللاحقة تحسنت الاستخبارات الجوية بسرعة بسبب التطور السريع في عدم الولاء للشيخ أحمد. ومع ذلك، فقد واجهت أكبر صعوبة في الحصول على أي معلومات موثوقة أو مفصلة عن موقف القرويين الذين يعيشون في أودية منطقة (مزوري بالا). الضفة اليسرى [لنهر] (شه مدينان).

2- في صيف عام ۱۹۲۷م، أنشأت مجموعة من القوات العراقية بحجم كتيبة (= فوج) معسكرا دائما على الضفة اليسرى لنهر الزاب الأعلى في (بلي)، حيث تم تجهيز أرض الهبوط، وظلت قيد الاستخدام المستمر، لكن هذه القوات كانت محصورة في المنطقة المجاورة مباشرة لمعسكرهم ولم يكن من المناسبات السماح لهم بإجراء استطلاعات خارج منطقة جبل (شيرين)، ومع ذلك فقد استكشفوا ممر جيلي (سولي) حتى قرية (بيديال)، كانت الصعوبة الأولى التي تمت مواجهتها في التخطيط للعمليات ضد (بارزان) هي النقص التام إلى المعلومات المباشرة الموثوقة حول البلدة لقد توغل عدد قليل من ضباط الإدارة البريطانيين في المنطقة الواقعة شمال شرق جبل (شیرین).

3- في التاسع من ديسمبر/ كانون الاول عام1931م كان من المقرر أن تحاصر سرية قرية (بارزان) قبل طلوع النهار، وكان من المقرر أيضا أن تدخل سرية ثانية بعد ذلك القرية وتلقي القبض على الشيخ وحرق منزله، كانت العملية على شكل مداهمة وكان من المقرر أن تعود القوة بأكملها إلى (بلي) قبل حلول الظلام في اليوم الذي تم فيه مع التزام السرية التامة والمفاجأة الكاملة. الاستطلاع الجوي خلال العملية تم بواسطة طيران القوة الجوية العراقية العاملة في الموصل. غادرت السريتان مع فصيلة مدفع رشاش وفريق طبي ووحدة جهاز لاسلكي (بلي) في الساعة ۲۰۰. بالتوقيت المحلي في 9 ديسمبر - كانون الأول، وفي الساعة ٦٠٠. قامت السرية رقم ١ بإنشاء مواقع فصيلة (مفرزة) على ثلاثة جوانب من قرية (بارزان)، ولكن قائد الرتل ارتكب خطأ فادحا بإرسال شرطي واحد إلى (بارزان) مع مذكرة تأمر الشيخ أحمد بالاستسلام الفوري، وجد المبعوث الشيخ في منزله غير مستعد تماما، فرفض الشيخ بشكل طبيعي الموافقة على طلب استسلامه وسرعان ما نظم دفاعه، وأمر جميع السكان الرجال المسلحين في (بارزان) بمقاومة أي تقدم للقوات العراقية. وفي أثناء انتظار قائد الفصيل العراقي عودة مبعوثه لم يقم بأي نشاط خارج القرية حتى حوالي الساعة ۰۸۰۰ بالتوقيت المحلي، وبحلول ذلك الوقت كان البارزانيون على استعداد للمقاومة، وكان كل أمل في المفاجأة، ولكن انتهى الآن. وقد ضاعت فرصة ثمينة، إلا أن قائد الرتل أمر السرية رقم ٢ بالتحرك شمال القرية ودخولها بالقوة بهدف القبض على الشيخ وحرق منزله. تمت حركة السرية رقم ۲ دون صعوبة، ولكن بمجرد أن حاولت القوات دخول القرية قوبلت بنيران كثيفة من الأسلحة، مما أدى بالضابط قائد الوحدة الأمر بسحب قوته بالكامل تقريبًا، لكن هذه الأوامر للأسف لم تصل إلى الوحدة رقم ۲ في الوقت المناسب، ونتيجة لذلك ظلت السرية معزولة حتى الظهر، وتعرضت لهجوم بشكل مكثف ومستمر أثناء انسحابها إلى (بلي)، وفشلت أيضا إحدى فصائل المعتصمين التابعة للوحدة رقم 1 مع مركز شرطة (بارزان) في تلقي أمر الانسحاب، وظلوا يقاتلون بشجاعة طوال اليوم حتى قتلوا أو أسروا. خسائر الجيش العراقي خلال هذه العملية قتل ضابط و ۲۲ رجلاً، وجرح ۱۰ رجال وتم الاستلاء على بندقيتي لويس و ۳۳ بندقية وعدة آلاف من طلقات SAA بالإضافة إلى ذلك فقدت الشرطة رجلين قتلا وظلا يقاتلان بشجاعة حتى النهاية دفاعا عن مركز الشرطة الخاص بهم. كان هناك بعض القلق في بغداد بشأن التأثير الذي قد يحدثه هذا التراجع على معنويات الكتيبة [= الفوج العراقي المرابط في بلى] في (بلي)، وكذلك فيما يتعلق بما سيحدث إذا تمكن الشيخ أحمد [البارزاني] من تفوقه من خلال الهجوم على معسكر (بلي). ينظر: شيركو حبيب، الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني، ج5، الحملة العسكرية العراقية – البريطانية على منطقة بارزان (1931 – 1932). ص37 – 39).

4- في 10 ديسمبر/ كانون الاول عام1931 نشأ وضع حساس، وكان من الضروري اتخاذ إجراء جوي فوري لاستعادة هيبة الحكومة العراقية ومعاقبة الشيخ أحمد لمعارضته الجيش العراقي، العميد الجوي (سي إل كورتني)، الحاصل على وسام الخدمة المتميزة قائد الإمبراطورية البريطانية الذي كان ينوب عني أثناء غيابي [ المندوب السامي البريطاني على العراق] في الخليج الفارسي، وافق على طلب الحكومة العراقية وبموافقة المندوب السامي بأن القوات الجوية الملكية يجب أن تتولى المهمة، ولكن القوات الجوية العراقية في هذا الوقت غير مؤهلة لهذه المهمة، وبناءً على ذلك، وبعد التحذير الواجب تم قصف قرية (بارزان) من قبل طائرات السرب رقم ۳۰ قاذفات، حدثت حادثة غير عادية أثناء قصف أحد طياري السرب رقم ۳۰ (القاذفات) أثناء عودته إلى الموصل، حيث أفاد بأنه فقد مشغل اللاسلكى الخاص به والمدفع الجوى رقم ACCPJE٦٦٤١٠، واتضح لاحقا أنه أثناء الاستلقاء على وضعية الانبطاح من أجل استخدام منظار القنبلة، سقط على أرضية جسم الطائرة، وبعد ذلك أفاد طيار آخر أنه رأى مظلة تهبط وهبط مرتديها بأمان على بعد ميل أو ميلين جنوب شرق (بارزان)، عندما شوهد الرجل آخر مرة كان يركض نحو (بلى). ونتيجة لتلك العمليات الجوية في ١٠ ديسمبر - كانون الاول، ومع أنه لم يتم الإبلاغ عن أي حرائق ماعدا أضرار مادية قليلة نتيجة القصف الذي وقع في ۱۹ ديسمبر / كانون الأول، يبدو أن التأثير المادي كان كبيرا، وكان الانطباع العام من الجو أن قرية (بارزان) قد تم إخلاؤها وأن المنطقة بأكملها مهجورة وهذا ما أكده لاحقا أحد السجناء الذي أفاد أنه نتيجة للتحذير فر السكان إلى الكهوف والقرى الصغيرة الواقعة على المنحدرات الجنوبية الغربية لجبل (شيرين). ينظر: (الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني، المرجع السابق، ص39 – 40).

5- في ۱۱ ديسمبر/ كانون الأول[1931] على [إثر] الاستطلاع، في هذه الأثناء أرسل الشيخ أحمد برقية إلى الحكومة العراقية يعرب فيها عن صداقته، ويطلب فيها وقف العمليات ضده، ردت الحكومة على هذه البرقية بالمطالبة بإعادة جميع السجناء والمواد التي تم الاستيلاء عليها. 

6- كان من المفترض إجلاء رجال الجيش العراقي المصابين بجروح خطيرة من (بلي) في ١٠ ديسمبر / كانون الأول، غادرت طائرتان من طراز فيكتوريا يقودهما الملازم طيران (إس إن ويبستر إيه إف سي) وضابط الطيران (بي إم تبري) [ من مطار] الهنيدي، بعد وقت قصير من ظهر ذلك اليوم بهدف الهبوط في (بلي) في حالة أرض الهبوط المسموح به، عند وصوله إلى (بلي) أجرى الملازم (وبستر) استطلاعا منخفضا ولاحظ وجود علامات عميقة من الوحل على العجلة في نهاية الرحلة، لقد قرر بشكل صحيح تغيير المسار بسبب الأحوال الجوية حيث ثبت لاحقًا أنه لم يهبط وبالتالي انتقل إلى (الموصل) خلال الليل. وصلت مخابرات الجيش في هذه الأثناء إلى (بلي)، وأبلغت في صباح يوم ١١ديسمبر (كانون الأول) أن أرض الهبوط كانت صالحة للخدمة على الرغم من أنها ناعمة، لا يزال هناك بعض الشك حول استلام هذا التقرير حول ما إذا كان من الحكمة أن تهبط  فيكتوريا، وبناء على ذلك قرر قائد السرب رقم ٣٠ (قاذفات قنابل) اختبار حالة أرض الهبوط عن طريق إنزال طائرة (وابيتي) مزودة بالضغط المنخفض الخاص إطارات (الدونات أو السوربو)، هبطت الوابيتي بسلام، ثم هبطت الطائرتان فيكتوريا ثم عادتا بعد ذلك إلى (الموصل) مع خمسة رجال مصابين، على الرغم من التحميل الخفيف، إلا أنهم لم يتمكنوا من الإقلاع إلا باستخدام الممر الطويل بالكامل للمسار المناسب لجميع الأحوال الجوية. هبطت الطائرتان فيكتوريا وتم تزويدهما بالوقود في (الموصل) وغادرتا الى هناك مرة أخرى في الساعة ۱۹۰۰ بالتوقيت المحلي، وحلقتا ليلا لتصلا في الساعة ۲۲۰۰ بالتوقيت المحلي، وتم نقل الرجال المصابين الى المستشفى الملكي في بغداد.

7-  في 19 ديسمبر/ كانون الاول عام1931م في فترة ما بعد الظهر عادت قافلة السجناء أو الاسرى بما فيهم قائممقام (زيبار) إلى (بلي) من (بارزان)، ولا شك أن هذه الاستجابة السريعة للأوامر الصادرة للشيخ في اليوم السابق تُعزى إلى القصف الذي وقع يوم ١٩ديسمبر/ كانون الأول، تمت إعادة جميع السجناء بعد ذلك من قبل الشيخ أحمد الذي وعد أيضًا بتسليم البنادق والذخائر بمجرد جمعها. (الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني، المرجع السابق، ص41 – 42).

8- في فجر ليلة 9/12/1931م، قاد العقيد برقي قواته ووصل الى أطراف قرية بارزان مع أول خيوط الفجر ووزع قواته على الفور حتى تأكد من تطويق قرية بارزان وبينما كان أحد الرعاة يخرج من القرية ألقى القبض عليه واقتيد الي مقر العقيد برقي الذي حمله رسالة الى الشيخ أحمد يطلب اليه الاستسلام فوراً دون قيد أو شرط . وعندما عاد الراعي الى القرية نقل الرسالة إلى الشيخ أحمد وشرح له ما رآه بعينيه .وكان الملا مصطفى قد عاد الى بارزان مساء اليوم الماضي أي في 8/ 12/ 1931م ولم يكن خبر وصوله قد وصل الى برقي بعد. وفوراً خرج الشيخ أحمد من داره الى المسجد وأرسل في طلب أخيه الملا مصطفى وكل من كان في القرية من مسلحين في تلك اللحظة وأخبرهم بالموضوع واستشارهم على ما ينبغي القيام به. وتم الاتفاق على الدفاع ومقاومة المعتدين حتى أخر قطرة دم. ورد الشيخ أحمد على رسالة برقي بالرفض القاطع قائلا له أنك جئت بقواتك على بيوتنا، والدفاع حق مشروع وعليه فاننا سندافع عن أنفسنا ولن نستسلم وافعل ما تشاء. فأخذ الرجال مواقعهم واستعدوا للقتال وصعد الشيخ أحمد بن التلال المشرفة على بارزان وتسمى بـ (گه روا بنى) ومع شروق الشمس حلقت طائرة على القرية وأطلقت صلية رشاشة وبعدها مباشرة انصبت نيران الرشاشات والبنادق على قرية بارزان من كل جانب، ودارت معركة ضارية غير متكافئة استمرت حتى المساء. دافع فيها البارزانيون ببسالة عن أنفسهم وعن نسائهم وأطفالهم الذين كانوا محاصرين في بيوتهم داخل القرية وكان لا بد لهم من الدفاع المستميت. وفي المساء وبهجوم عزوم قام به البارزانيون من ثلاثة اتجاهات على القوات العسكرية ولم يكن عدد البارزانيين يتجاوز الثمانين شخصاً. وبعد قتال عنيف وصل أحياناً الى استخدام السلاح الأبيض. انهزم المعتدون شر هزيمة واستطاع العقيد برقي مع عدد قليل من قواته المشتركة في الهجوم بالافلات والوصول الى مقر الفوج سالمين. وتمت ملاحقتهم حتى مشارف مقر الفوج .ترك المعتدون جثث قتلاهم وجرحاهم وكميات كبيرة من الاسلحة في ساحات القتال. وبلغ عدد الجثث ١٢٦ جثة. كما تم أسر عدد آخر. وانتهت المعركة بانتصار البارزانيين بشكل لم يتوقعه المعتدون أبداً وغنموا كميات جيدة من الاسلحة والذخيرة . وخسر البارزانيون في هذه المعركة خمسة شهداء وهم :

۱ - محمود زبير بارزاني .

۲ - حجی بابکر هفتکی .

۳ - طيب شيرو هفنکی .

٤ - جيجوك هفنكي

ه - عزیز مصطفی بیانی .

وجرح خمسة آخرون فقط .

وعندما وصل خبر الهجوم على بارزان الى محمد صديق أمر باحتجاز قائممقام الزيبار وحمايته المؤلفة من (۸) شرطة. وعاد مسرعاً الى بارزان وترك قوة بقيادة حسو محمد أمين بيرسيافي في القرى المتاخمة لمنطقة البرادوستيين لحمايتها والدفاع عنها اذا تعرضت للهجوم والنهب مرة أخرى. وأخذ بقية القوات معه. وقرب قرية بيدارون حاول شرطي من حماية القائممقام الهرب فأطلق عليه النار وقتل، وكان ذلك الشرطي المسيحي الوحيد من بين الحماية. فاتهمت بريطانيا (خليل خوشفي) بقتله لكونه مسيحي وإلا لماذا لم يقتل شرطي مسلم . وظلت تطالب بتسليم خليل خوشفي دون قيد أو شرط في كل المفاوضات التي جرت بعد ذلك. ينظر: (مسعود البارزاني، البارزاني والحركة التحررية الكردية انتفاضة برزان الاولى 1931 – 1932، كردستان، 1986م، ص 28-30). ينظر: (مسعود البارزاني، المرجع السابق، ص30).

9- في  يوم11/ 12/1931وصل محمد صديق[ شقيق الشيخ أحمد البارزاني] مع القوات والـقـائـمـمـقـام [ الاسير] الى بارزان. 

10- وفي ١٢/١٢/ 1931م أمر الشيخ أحمد باطلاق سراح القائممقام وحمايته والاسرى الذين أسروا في معركة بارزان ونقلوا بحراسة أمينة حتى مشارف بله، وحمل الشيخ أحمد القائممقام رسالة الى المسؤولين معرباً عن أسفه للاحداث المؤلمة والضحايا وأبدى رغبته في اعادة الهدوء والامن الى المنطقة . ينظر: (مسعود البارزاني، البارزاني والحركة التحررية الكردية انتفاضة برزان الاولى 1931 – 1932، كردستان، 1986م، ص 30).