
ب. د. فرست مرعي
كاتب وأستاذ جامعي
الجزء الخامس عشر.. بارزان في المصادر البريطانية والكوردية

1- كان دور القوات الجوية الملكية أن تقوم بشكل أساسي دور التعاون الجوي المشترك، كما هو مذكور، كانت خطة وسياسة العمليات إلى أقصى حد ممكن متروكة للجيش العراقي، ومن أجل تحقيق أقصى استفادة، يجب أن تتاح له الفرصة الكاملة لإظهار هيبته الخاصة بين الكورد. مع الاخذ بهذه السياسة في الاعتبار شعرت أنه لا شيء يمكن أن يحدث إلا الأصرار نتيجة الاعتماد الزائد على الطائرات لتطوير الجيش العراقي، بمجرد أن يتم مساعدة القوات على التغلب على الصعوبات بالطائرات، عادة ما يكون هناك رغبة جاهزة للغاية لطلب المساعدة من الطائرات كلما ظهرت صعوبات ويؤدي هذا الاتجاه إذا سمح له بالاستمرار إلى عجز الرجال عن التقدم ضد موقع العدو دون دعم قوي من الطائرات، لقد ظهرت بالفعل علامات على توسيع هذا الطلب في الجيش العراقي خلال العملية ضد الشيخ محمود، وكان من المرغوب فيه التحقق المزيد من التطوير قدر الإمكان. وبموافقة المفوض السامي، وضعت الطائرات العاملة تحت قيادة قائد السرب (M.B Frew) للتعاون العسكري فقط، وأنه لا يجب اتخاذ إجراءات مباشر بالقنابل ونيران المدافع الرشاشة ضد العدو حتى يتم استخدام الموارد الموجودة تحت تصرف الجيش العراقي (مثل نيران المدفعية أو حركات الالتفاف بالكامل وفشلها في هزيمة العدو، لقد كنت مترددا في السماح باستخدام الطائرات لقصف العدو الموجود في مدى مدافع الجيش العراقي، وبالتالي وضعت هذا المبدأ للامتثال الصارم. ولكن إذا كان الجيش العراقي قد فشل في طرد العدو بنيران المدفعية من خلال حركات الالتفاف، أو عن طريق الهجوم المباشر، فأنه تم منح الصلاحية لقائد السرب Frew على مسؤوليته الخاصة للقيام بعمل جوي ضد قرية العدو . أو موقعه الذي يعيق التقدم، كما صدرت أوامر بعدم مهاجمة القرى غير تلك التي تسبب بالفعل في اعاقة تقدم الجيش العراقي، من الجو أو قصفها دون الحصول على إذن من مقر القيادة الجوية.
2- في 12 مارس / آذار 1932م بمجرد وصول القوات إلى مواقعها، تم بذل جهد لحث الشيخ أحمد على قبول إنشاء إدارة مستقرة داخل منطقته. [لذا] أرسل قائمقام (زيبار) قضاء (بلي) رسالة إلى الشيخ أحمد من وزير الداخلية يبلغه فيها بأنه يجب أن يحضر إلى (بلي) خلال ٤٨ ساعة لمناقشة مقترحات الحكومة، وكان هذا الطلب مصحوبا برسالة من المفوض السامي[ البريطاني] تحذر الشيخ أحمد من أنه في حالة تحديه لسلطة الحكومة العراقية، فإن القوات البريطانية ستتعاون مع القوات العراقية في قمع التمرد.
3- رداً على هذه الرسائل، اقترح الشيخ أحمد عقد اجتماع بين (بارزان وبلي) لمناقشة الشروط، وأضاف أنه إذا وجد نفسه غير قادر على قبول الشروط المعروضة فإنه سيطلب من الحكومة الإذن بالاستقرار في بلدة أخرى، ردت الحكومة على ذلك في ١٥ مارس - آذار بأنها لا تستطيع الموافقة على عقد الاجتماع بين (بارزان) و (بلي)، لكنهم كانوا على استعداد للسماح للشيخ أحمد بالإقامة في الموصل أو أي لواء عراقي باستثناء بعض المناطق الكوردية المحددة خلال الفترة التي تم فيها إنشاء الإدارة في منطقة (بارزان). وتم تقديم ضمان مع اقتراح بأن يهاجر إلى دولة أخرى بشرط ألا يقل مكان إقامته عن ١٠٠ كيلومتر من الحدود العراقية.
4- في 14 مارس/ آذار 1932م تم توزيع بلاغ منشورات اطمئنان موجه الى سكان ناحية (شيروان) من الجو على جميع القرى المهمة في تلك المنطقة، وكان الهدف من البيان إقناع السكان بالنوايا الودية للحكومة العراقية موجودة في الملحق ج.
5- في ١٦ مارس / آذار رد الشيخ أحمد بأنه لا يستطيع قبول هذه الشروط، ولكن الباب لازال مفتوحًا لمزيد من المفاوضات، وفي ٢٣ مارس - أذار أجرى وزير الداخلية لقاءا في الموصل مع (علي محو) مبعوث الشيخ أحمد، تم توجيه علي محو بابلاغ الشيخ بأنه مُنح أربعة أيام من تاريخ وصول علي محو إلى (بارزان) لإعلان استسلامه وأنه حر فى تسليم نفسه فى أى مكان يختاره، وأبلغ بأن هذا هو الإنذار الأخير من الحكومة.
6- في 16 مارس/ آذار 1932م بدأت الحملة مع تقدم وحدة سيارة متحركة من (بالبشتيان) إلى (مزنه) ويعرف باسم – ديكول dicol، وتتكون هذا الوحدة من:
۱ سرب وقوات مدفع رشاش
فوج الفرسان الثالث
1 قسم البطارية الجبلية الثانية
كتيبة المشاة الثانية
كتيبة المشاة الثالثة
۲۰۰ شرطي.
7- في 16 مارس / آذار 1932م وصلت الوحدة إلى ميركة سور)، ولم يواجه[تواجه] حتى الآن أي معارضة من العدو، وبسبب حالة المنطقة كانت المسيرة صعبة بدرجة كافية، وقد حول ذوبان الثلوج الوادي إلى مستنقع وفيضان جارف لنهر (باليكيان)،[بالكيان]، كثيرا ما تغرق البغال في الوحل حتى محيطها ويتم سحبها ليتم تفريغها، ويتم إعادة تحميلها فقط لتغرق مرة أخرى ربما على بعد أمتار قليلة، في حين تسببت المعابر المتكررة للنهر الذي غمرته الفيضانات في تأخيرات وصعوبات على ما يبدو.
8- عند وصول ديكول إلى (ميركه سور)، تم تشكيل معسكر محصن، وبدأ العمل على الفور في اختيار الموقع وبناء مركز مؤقت للشرطة، تقرر تحديد موقع مركز الشرطة في (ميركه سور) بدلاً من (كورته)[كوراتو] بسبب تحسن إمدادات المياه. في وقت مبكر من صباح يوم ١٩ مارس/ آذار، تم شن هجوم حازم على معسكرالجيش العراقي، حيث استخدم رجال القبائل الثوار بمهارة من ثلاث جهات معزولة من الأرض المهجورة تسلل في الظلام إلى مسافة قصيرة، ثم أطلقوا اضواء شديدة، ولكن على الرغم من أنهم تسببوا في وقوع إصابات، إلا أنهم لم ينجحوا بأي حال من الأحوال في الاستيلاء على الكتيبة، في وقت ما كان المهاجمون قد شقوا طريقهم بين فصيلين على مسافة قصيرة من محيط المعسكر، ولم يتم صدهم إلا عن طريق هجوم مضاد من فصيلتين بحد ذاتها، في هذه القضية برأ الجيش العراقي نفسه بشكل مشرف للغاية وخسر ستة قتلى وعشرة جرحى فقط، وألحق خسائر فادحة بالثوار. بعد هذا العمل الناجح استمر العمل في مركز الشرطة المؤقت في (ميركه سور).
9- في ٢٣ مارس - أذار، قمت بنقل سرب الرحلة C رقم ٥٥ (قاذفة قنابل) من الهنيدي[ قاعدة الرشيد الجوية في بغداد فيما بعد] إلى (الموصل) لزيادة الاحتياطي المتوفر على الفور في المنطقة الشمالية نتيجة لهذه الخطوة كان هناك خمسة وابيتيس Wapitis في (ديانا) واثناعشر احتياط في الموصل. ينظر: الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني، الحملة العسكرية العراقية – البريطانية على منطقة بارزان 1931 – 1932، ج5، ص51 – 53.
10 – ومن جانبه يذكر السيد مسعود البارزاني في كتابه ( البارزاني والحركة التحررية الكردية ما يلي: ولتنفيذ القرار أعلاه وضعت رئاسة الاركان الخطة التالية للقيام بالحركات العسكرية ضد الشيخ أحمد البارزاني وتقرر بالاتفاق مع وزارة الداخلية الشروع بتنفيذها يوم ١٥ / مارت / ١٩٣٢ .وجرى التحشد كما يلي :
أ - في منطقة بالكيان – قوة داي بأمرة الزعيم خليل زكي .
مقر قوة داي .
كتيبة الخيالة الثالثة (ناقص سرية سيافه ورعيل رشاش) .
البطرية الجبلية الثانية .
أفواج المشاة الثاني والثالث والتاسع .
مستشفى ميدان .
فصيل رشاشات آلية .
سرية نقلية آلية .
ثلاث سرايا نقلية الحيوانات
سرب قاصف بريطاني
قوة شرطة مؤلفة من ۱۰۰ شرطي مشاة و ۲۰۰ شرطي خيال .
ب - في عقرة : رتل عقرة .
فوج المشاة الخامس .
فصيل مدفعية (من البطرية الجبلية الثالثة).
سرية سيافة ورعيل رشاش (من الكتيبة الثالثة(
ج- في كركوك:
فوج المشاة السابع كحماية لها .
ويجري العمل بثلاث صفحات .
الصفحة الأولى: احتلال منطقة شيروان وفتح طرق فيها وتأسيس مركز ناحية قرب كوراتو ومخفري شرطة في بيرسياف وريزان .
الصفحة الثانية: عبور نهر روكوجك بالقرب من جاما واحتلال منطقة روكوجك قرب جاما احتلال منطقة مزوری بالا وتأسيس مركز ناحية ومخفري شرطة فيها ونصب جسر على نهر روكوجك قرب جاما.
الصفحة الثالثة : احتلال منطقة بارزان وتأسيس مركز ناحية ومخفري شرطة فيها.
11- وكانت الخطة تستهدف تثبيت العصاة في اتجاهي بله والعمادية والتوغل في منطقة العصيان بصورة تدريجية، من ناحية بافستيان، بغية حصر الشيخ أحمد واتباعه واضطراره إما الى التسليم أو الفرار غرباً باتجاه العمادية أو شمالاً نحو الاراضي التركية. ولكي يسد بوجه هذان الاتجاهان تقرر سد الجبهة الكائنة ما بين مخفر سوري ونهاية حدود منطقة الريكان بقوات الشرطة الموجودة في تلك المنطقة والتي سميت باسم (رتل بول) واسندت قيادتها الى المعاون عزرا [ مسيحي نسطوري أصبح فيما بعد مديراً لناحية دهوك]. وكذلك طلبت الحكومة العراقية من الجمهورية التركية في 11/12/1932م عدم قبول التجاء الشيخ وأعوانه المتمردين الى أراضيها ومنع موظفي الحدود من مساعدته بأية طريقة كانت .
12- في يوم 13 /3/ 1932م تم تجمع القطعات المبينة في المادة (١٣) أعلاه في الاماكن المعينة لها وسميت القطعات التي تجمعت في بالكيان باسم (قوة داي) وأسندت قيادتها الى أمر المنطقة الشرقية الزعيم خليل زكي الذي تحرك من مقره في كركوك يوم ۳/۱۱ فوصل ديانة بالساعة ٨,٣٠. يوم ٣/١٢ حيث فتح مقره وشرع بالاستحضار لتنفيذ الخطة التي عهد بها اليه. وكان المقر العام قد طلب منه أن يضع خطة باسم بالحركات والذي سمي باسم (رتل داي) وقد تألف هذا الرتل من القطعات التالية التي أخذت من قوة داي واسندت قيادتها الى العقيد الحاج سري أحمد.
مقر رتل داي
سرية خيالة ورعيل رشاش (من كتيبة الخيالة الثالثة) .
فصيل مدفعية (من البطرية الجبلية الثانية) .
فوجا المشاة الثاني والثالث .
قوة شرطة مؤلفة من ١٠٠ شرطي مشاة و ۱۰۰ شرطي خيال
13- وفي 10 / 3 / 1932م وجهت وزارة الداخلية إنذاراً الى الشيخ أحمد البارزاني بوجوب الحضور أمام قائممقام الزيبار في موعد أقصاه يوم 14 /3/ 1932م لاعلان الولاء والطاعة للحكومة. كما أن الحاكم السياسي البريطاني أرسل رسالة مشابهة إلى الشيخ .رفض الشيخ أحمد الانذار لأنه كان يدرك تماماً بأنه سيلقى القبض عليه. حيث كانت لديه معلومات كاملة عن نوايا الحكومة .وشرع البارزانيون من جانبهم باتخاذ الحيطة والحذر والاستعدادات اللازمة لصد العدوان. وقسموا قواتهم الى ثلاثة أقسام وكما يلي:
أ - القوة الرئيسية بقيادة الملا مصطفى البارزاني أنيطت بها مسؤولية الدفاع عن محور ميركه سور - شيروان مقابل (قوة داي).
ب - قوة أخرى بقيادة محمد صديق البارزاني يعاونه حجى طه العمادي لمحور بالنده – عمادية مقابل (رتل بول).
ج- احتفظ الشيخ أحمد بقوة تحت اشرافه أمام فوج بله شبه المحاصر. ولقطع طريق بيرس أمام التعزيزات القادمة من عقرة.
لم تكن قوة البارزانيين تتجاوز ۱۰۰۰ مسلحاً وسلاحهم كان عبارة عن بنادق مختلفة (ماوزر جامبيزار وانكليزية وبعض رشاشات لويس من التي غنموها في معركة 9/12/ 1931م، من القوات الحكومية، وكانوا يشكون من قلة العتاد والمصدر الوحيد كان ما يحصلون عليه في المعارك .
وشكلوا لجان ادارية لتموين الجبهات بالخبز من القرى الواقعة خلف الجبهة. أما القرى الواقعة على خط المواجهة فقد نزحوا الى القرى الخلفية
أما قوات الحكومة وتسليحها فقد وردت تفاصيلها آنفاً كما نقلها [عبدالعزيز]العقيلي .
14- في 15/ 3/ 1932م باشرت (قوة داي) بالتحرك من باليكان الى مه زنه في وفي اليوم التالي واصلت حركتها الى ميركه سور ووصلتها في مساء نفس اليوم، حيث تقدمت وحدات من قوة داي الى ذلك المحور وتصدت لها قوة من البارزانيين بقيادة أحمد نادر [ هو والد الدكتور سعيد عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني في المؤتمر التاسع. وكان أحمد نادر مثالاً للقائد الجرىء والمتواضع وتضرب الامثال بشجاعته ودقة تهديفه]، وبعد معركة عنيفة انسحبت قوة داي الى ميركه سور تاركة وراءها عدداً من الجثث والمعدات وانتقاماً لهذه الهزيمة ولرفع المعنويات دخل سلاح الجو الملكي البريطاني (R.A.F) في المعركة يوم 19/ 3 وقام بغارات عنيفة على معظم قرى منطقة بارزان وبالاخص على قرية بارزان نفسها .واستمر القصف الجوي ليلاً ونهاراً على المنطقة وبشكل عنيف وشرس للغاية. بينما انحصرت عمليات البر في مناوشات شبه يومية ولكن غير مهمة وحاسمة، واستمر الحال على هذا النحو حتى نهاية شهر مارت/ نيسان .مسعود البارزاني، البارزاني والحركة التحررية الكردية انتفاضة برزان الاولى 1931 – 1932، ص 35 – 36.