الجزء السادس عشر.. بارزان في المصادر البريطانية

الجزء السادس عشر.. بارزان في المصادر البريطانية
الجزء السادس عشر.. بارزان في المصادر البريطانية

1- في 19 مارس/آذار [1932م]، بعد هجوم آذار - مارس على معسكر (ميرگه سور) بدأ تلقي طلبات من (ديكول) لقصف بعض القرى التي أفاد السكان المحليون بأنها ستسخدم كقواعد ومستودعات من قبل الثوار، حيث تم الضغط على هذه المطالب، ولأنني كنت متردداً [ المندوب السامي البريطاني أو من ينوب عنه] في البدء بقصف القرى دون سبب كاف، توجهت إلى (ديانا) جواً في ٢٢ مارس / آذار[1932م] لمناقشة الأمر مع العميد (إتش RC   C.M.G D S O.B  الضابط المستشار في البعثة البريطانية في مقر الجيش العراقي، وقائد السربB FREW D SOM CA FCM )  ) قائد القوات الجوية الملكية المتعاونة مع الجيش العراقي، اصبح لدي القناعة والتأكيد من وجود سبب كافٍ لقصف (ريزان) ، كانت هذه القرية هي المقر الرئيسي (للمتمردين) في منطقة (شيروان)، وكانت تستخدم كقاعدة للإمدادات.علاوة على ذلك، كان الشيخ أحمد البارزاني في هذا الوقت يتلاعب كثيرا بالبيان القائل إن البريطانيين في الحقيقة لا يدعمون الجيش العراقي، ولا داعي للقلق من قصف القرى بالطائرات البريطانية، والمفاوضات مع الشيخ أحمد لا تزال جارية، وكان من الواضح أن يكون لإظهار النوايا البريطانية لدعم الحكومة العراقية تأثير إيجابي على مسار المفاوضات.

لبعض الوقت، كانت هناك شكوك حول ولاء قبائل السورجي والزيباري، كان من المعروف أن الزيباري معادٍ للشيخ أحمد ولكن على الرغم من التأكيدات المقدمة للحكومة العراقية، كان هناك خوف من أن الرد على القوات الحكومية قد يشجعهم على الاستمرار في حكمهم مع الشيخ أحمد أو على الأقل المشاركة ضد الحكومة، وكان من المأمول أن يقنع قصف (ريزان) الجالسين على السياج بأنه من الأفضل الوقوف إلى جانب الحكومة. وقد تم اختيار قرية (ريزان) بشكل جيد لهذا الغرض لأنها تقع في وادي الزاب بحيث يمكن رؤية وسماع عقابها من قرية (بارزان) ومن التلال فوق قرية فارس آغا (الزيباري) (بيرا كابرا) عاصمة منطقة الزيبار. وعليه وبموافقة المندوب السامي وافقت بعد معاينة القرية من الجو على اتخاذ الإجراءات ضد (ريزان) وبعد التحذير الواجب، بدأ القصف في الثاني من ابريل نيسان، واستمر بشكل متقطع حتى الثامن منه. كان الهدف صغيراً، ولكن تم تنفيذ بعض القصف الدقيق من الجو، وبدا الضرر الناجم مخيبة للآمال، ولكن بعد فحص القرية على الأرض تبين أن النتيجة كانت مرضية، وأن القنابل التي يبلغ وزنها ١١٢ رطلاً و ٢٥٠ رطلاً وكذلك القنابل التي تزن 250 رطلاً كانت فعالة ضد الجدران الحجرية السميكة والأسطح الطينية الثقيلة للمنازل.

 

2- في ٣٠ مارس/ اذار1932م، استأنف ديكول تقدمه ووصل إلى (ژاژوك) على أرض مرتفعة بين وديان (باليكيان) و (بيريساو) [ بيرسياف] في نفس اليوم. وهنا تأخرت بسبب الظروف الجوية المروعة والأمطار الغزيرة المستمرة قامت مجموعة كبيرة من رجال القبائل بقنص المعسكر خلال ليلة الثاني والثالث من أبريل نيسان، في ابريل نيسان تمكنت من استئناف تقدمها نحو (بيريساو)، ولكن سرعان ما تم اكتشاف أن الحركة ستكون صعبة للغاية. كان المدخل إلى رأس وادي (بيريساو) عبر بوابة ضيقة في منحدر صخري يسمح لصف واحد بالمرور فقط ، كان لا بد من التوقف لتحسين هذه البوابة وتبين أن الوحدة بعد المرور من خلالها قد امتد إلى حد كبير، كان جانب الوادي شديد الانحدار ويوفر غطاءًا كبيرًا لحجب تحركات العدو، كما يحدث غالبا أثناء حركة رتل كبير عبر منطقة وعرة أو صعبة، تقدم الحرس المتقدم بسرعة كبيرة، وإدراكا للخطر حاول الضابط البريطاني الوصول إلى رأس الطابور وإيقافه لكن المسار المضيق كان مسدودًا بوسائل النقل واستمرت الفجوة في الاتساع. 

فى تلك اللحظة (حوالى الساعة ١٤٣٠ بالتوقيت المحلى) نزلت قوة كبير من الثوار فجأة على الجزء الخلفى للكتيبة، وتم التراشق بين الحرس الخلفي للوحدة الرئيسة، توجهوا مباشرة كما يفعلون عادةً إلى وسيلة النقل بحثًا عن الغنائم، وركبوا بغالهم وهربوا فى كل الاتجاهات، مما أدى إلى إرباك الكتيبة أثناء سيرهم، وانكسرت إحدى المعتصمات وسقطت مرة أخرى فى حالة من الوضع حرجا للغاية، تم إنقاذ البعض من خلال مهارة وشجاعة ضابط الكتيبة البريطاني والبعض الآخر من خلال تدخل الطائرات من (ديانا). قامت طائرت الدورية، ملازم الطيران (برادبــري) والسارجنت (إتش في هدسون)، بتحديد مكان الثوار على الفور على المنحدرات قرب الكتيبة، ومن خلال الضغط على المنزل، أجبرتهم سلسلة متوالية سريعة من الهجمات من ارتفاع منخفض جدا على الانسحاب والاحتماء أعلى التل، وتعرضت كلتا الطائرتين لنيران كثيفة ودقيقة. أجبر أحدهما على العودة إلى (ديانا) مع إطلاق النار على خزاني البنزين بينما أصيب مراقب الآخر في قدمه.

في هذه الأثناء، كان ضباط البعثة البريطانية يبذلون قصارى جهدهم لاستعادة النظام في الجزء الأساسي من الكتيبة وإعادة إنشاء خط الاعتصام، لقد نجحوا في النهاية في إقناع قائد الحرس المتقدم بالعودة بقوته ليكون على مقدمة الكتيبة وبمساعدة عدد قليل من الضباط العراقيين الصغار وبعض من محيط الدفاع الوطني تم تنظيمه أخيراً. طوال هذا الوقت ظلت الطائرات تشتبك مع العدو، وتم إجبار الملازم طيار (برادبري) والرقيب (هدسون) كلاهما للأسباب المذكورة أعلاه على العودة إلى (ديانا)، ولكن تم استبدالهما على الفور بالطائرات المتبقية من ديانا بقيادة قائد السرب (فرو)، ولم يمض وقت طويل قبل أن يعود ملازم الطيران (برادبري) في طائرة الرقيب (هدسون) مع الأخير كمراقب.

للتذكير بعد الظهر نجحت هذه الطائرات معززة بطائرتين أخريين من (الموصل) في مواصلة الهجمات المستمرة على الثوار، ومما لا شك فيه أن الأخيرين مشغولين بما يكفي لمنعهم من الاستفادة الكاملة من حالة الرتل المرتبكة وغير المنظمة، أثناء هذه الهجمات أصيب الرقيب (هدسون) بجروح قاتلة وتوفي بعد عودة الطائرة إلى (ديانا)، في هذا العمل كانت خسائر سلاح الجو الملكى مرتفعة نسبيًا وتعرضت معظم الطائرات لأضرار بالغة بسبب النيران المنطلقة من الأرض ويرجع ذلك إلى الارتفاع المنخفض الذي نفذت منه والهجمات، كان على الطائرة على أي حال ان تهبط على ارتفاع منخفض جدا قبل أن يتم تحديد موقع الثوار في الغطاء السميك على المنحدرات فوق المسار من خلال ما يمكنهم رؤيته من الكتيبة، قام الطيارون بقياس الوضع على أنه حرج وخطير للغاية، وبالتالي تحملوا مخاطر أكبر في الضغط على هجماتهم أكثر مما كان من الممكن أن يكون ضرورياً.

مع حلول الظلام، كانت الدفاعات الخارجية للمحيط التي نزلت فيه الكتيبة لا تزال غير مكتملة على الرغم من كل الجهود التي بذلها الضباط البريطانيون، لو شن العدو هجوما حازمًا عند الغسق (في الظلمة في الغبشة) بعد أن غادرت الطائرة المكان لكان من الممكن أن يحققوا نصرا حاسما، لحسن الحظ أنهم لم يحاولوا أي هجوم من هذا القبيل لقد تعاملت معهم الطائرات بقسوة، وهي تجربة جديدة بالنسبة لهم، ومن المحتمل أيضًا أنهم كانوا منهمكين في تقسيم الغنيمة الكبيرة التي أخذوها، مهما كان السبب باستثناء القليل من القنص، فقد تركت الكتيبة دون إزعاج أثناء الليل، وفي صباح اليوم التالي تمكنت من قطع ما تبقى من المسافة إلى (بيريساو) حيث احتلت القرية وأنشأت معسكرا قويًا في محيطها.

 على أية حال لم تنته مشكلات الوحدة على الرغم من أن خسائرهم فى العمل  في اليوم السابق لم تكن فادحة ، وكانت الخسارة في أمتعة النقل والامدادات مهمة جدا، وقد اختفى ما يقرب من ٤٠٠ بغل ومعهم الجزء الأكبر من الخيام العراقية اهتزت بشكل خطير، لقد تصرف بعض ضباطهم بشكل سيئ أثناء العملية، ولم يكن تصرفهم خاليا من تأثيره على القوات بسبب عدم توفر الطعام وفقدان خيامهم وبطانياتهم، قضى الرجال ليلة باردة وقاسية جائعة الأمر الذي تركهم فى حالة جيدة فى صباح اليوم التالى لاستعادة معنوياتهم المحطمة. وقد وردت تقارير مقلقة حول حالة الطابور فى هذا الوقت من ضابط الاتصال البريطاني.

 

3- في 31 مارس/ آذار، فإن من أولى المهمات هي تزويد الرتل بالإمدادات المطلوبة على الفور وبشكل عاجل، في البداية لم يكن هناك أي قلق بشأن هذه الامدادات اللي كانت إمدادات الرتل قد غادرت بالفعل (ميرگه سور) في وقت مبكر من صباح اليوم الرابع، وكان من المتوقع أن يصل إلى (بيريساو) بعد ظهر ذلك اليوم، ومع هذا الرتل تقدم اللواء (روان روبنسون)  ( C M G D S O  (   المفتش العام للجيش العراقي، لسوء الحظ تمت مواجهة العدو مرة أخرى قبل وقت قصير من وصول الرتل إلى (ژاژوك)، حاول المفتش العام بجرأة اقتحام الممر، لكن مقاومة العدو كانت شرسة وأصيب هو نفسه واضطر الرتل إلى العودة إلى (میرگه سور). أدى هذا إلى حرمان رجال الطب في (بيريساو) من الذخيرة والإمدادات التي كانوا في أمس الحاجة إليها، وكان لا بد من اتخاذ إجراء فوري من قبل القوات الجوية الملكية للحفاظ على القوة حتى يتمكن الرتل من إيصال الإمدادات إليه. تم بالفعل إسقاط الثلاثة آلاف طلقة من 50 بواسطة طائرتين من نوع Wapitis في الصباح الباكر من يوم أبريل - نيسان. ونجحت فيكتوريا (اسم طائرة) التى كانت متاحة لحسن الحظ فى ( ديانا ) فى تفريغ إمدادات كافية من الطعام والذخيرة لإمداد القوة حتى صباح اليوم التالي. 

 

4- نظرا لحالة القوات وصعوبة الحفاظ على الرتل في (بيريساو)، تقرر التخلي عن بناء مركز الشرطة في الوقت الحاضر والعودة إلى (ژاژوك)، وبعد بعض المناقشات تقرر العودة إلى الطريق الذي أتوا  بشكل أساسي على أمل استعادة ثقة القوات من خلال منحهم فرصة لمحاربة الكورد في ظل ظروف أكثر ملاءمة، تم التخطيط لتخليص القوات من منحدرات الجانب الغربي من المسار نحو (ژاژوك)، بينما الكتيبة التاسعة عبرت التل في الاتجاه المعاكس من (ژاژوک) باتجاه (بيريساو)، وكان الهدف من هذه الطريقة أن يوقع الكورد بين نارين.

تم تنفيذ هذه الحركة المشتركة بشكل جيد وناجح، وتم تمهيد الطريق بقصف قريتي (ناميشك) و (واژي) بست طائرات من الموصل، وبعد ذلك في الساعة ۰۹۲۰ بالتوقيت المحلي، تم تحديد موقع مجموعة كبيرة من الثوار من الجو في محيط هذه القرى وتعرضت على الفور لهجوم شديد بقنابل زنة ۲۰ رطلاً ونيران مدافع الرشاشة، بعد طلب طائرات التعزيز تم دفع الثوار بالقنابل إلى الأراضي المكشوفة حيث أصبحوا هدفًا جيدا بشكل استثنائي لنيران المدافع الرشاشة للطائرات وتسببت في وقوع خسائر فادحة بينهم أثناء اندفاعهم عبر الأرض المفتوحة، كما التقت القوات بالكورد واشتبكت معهم بنجاح، كان الجمع بين العمل الجوي وحركة القوات من (بيريسياظ) والكتيبة التاسعة من (ژاژوك) أكثر من اللازم بالنسبة للمتمردين الذين انسحبوا على عجل إلى التلال الواقعة إلى الشمال الغربى، وكان لنجاح هذه العمليات بعض التأثير فى استعادة الثقة فى القوات الذين شعروا بالارتياح أكثر عندما اكتشفوا عند وصولهم إلى (ژاژوك) أن اثنتين من فيكتوريا . قد أسقطتا ٤٠٠٠ رطل من البطانيات والمعاطف التى تشتد الحاجة إليها لتحل محل تلك المفقودة في اليوم الثالث.

لسوء الحظ، أشارت التقارير اللاحقة إلى أن معنويات القوات في (ژاژوك) ظلت منخفضة للغاية، في ضوء الصعوبات الحقيقية التي عانت منها الكتيبتان الثانية والثالثة خلال هذه الأيام القليلة بسبب نقص الغذاء وفقدان بطانياتهما وخيامهما وفي بعض الحالات حتى ملابسهما، واعتبر أنه من الضروري استبدالهما بكتائب جديدة وإعادة التجهيز وسحبهما إلى القاعدة للراحة.

 

5- لم يكن التدخل الناجح للطائرات في هذين الاشتباكين دون تأثير على الثوار، وعلى وجه الخصوص اهتزت معنويات الثوار بشدة بسبب الخسائر التي تكبدوها من الهجمات الجوية في ٦ أبريل/نيسان، في الواقع لقد تأثروا بشدة بهذه التجربة المتمثلة في قدرة الطائرات على تغطية وحماية الجيش العراقي وعجزهم في مواجهة هذه الهجمات، لدرجة أنهم منذ ذلك التاريخ فصاعدا لم يخاطروا مرة أخرى بتعريض أنفسهم لهجوم جوي من خلال الاشتباك مع الجيش العراقي عندما كانت الطائرات على مقربة خلال الفترة المتبقية من العمليات، اقتصروا على القنص في الغالب أثناء الليل والقيام بعمليات قطع متفرقة تهدف إلى الاستيلاء على أمتعة البغال وغيرها من الغنائم، حتى نهاية أبريل نيسان كانوا منهمكين عن تكريس أنفسهم لإنقاذ ونقل الكميات الكبيرة الغنائم التي تم الاستيلاء عليها في العملية التي جرت في 3 أبريل نيسان إلى الجانب الآخر من (روكوجك). ينظر: الكورد في الارشيف الوطني البريطاني، الجزء الخامس، الحملة العسكرية العراقية – البريطانية على منطقة بارزان (1931 – 1932)، ص45 – 60.