
ب. د. فرست مرعي
كاتب وأستاذ جامعي
الجزء الثامن عشر.. بارزان في المصادر البريطانية والكوردية

1- في 22 نيسان [1932م] عقد مؤتمر في بغداد تقرر فيه بأن الجيش العراقي ليس باستطاعته خلال الموسم الحالي أن يفعل أكثر من تهدئة ناحية (شيروان)، وبالتالي يجب أن يتولى سلاح الجو الملكي[ البريطاني] السيطرة الجوية على منطقة (مزوري بالا)، وبناءً على ذلك تم تقديم طلب رسمي للقيام بعمليات جوية ضد الثوار في هذه المنطقة من خلال رسالة من رئيس الوزراء[ نوري السعيد] إلى المفوض السامي بتاريخ ٢٢أبريل / نيسان. وفي توصيتي ( نائب المارشال الجوي إدكار لودلو هيويت] للمفوض السامي[البريطاني على العراق: فرنسيس هنري همفري] بالموافقة على هذا الطلب، أكدت على أهمية ضمان عدم منح الثوار أي فرصة للحصول على الغنائم من أي من وحدات الجيش العراقي أثناء العمليات الجوية. كما أوصيت بأنه في حالة تحقيق هدف العمليات الجوية، فإن منطقة (شيروان مةزن) بأي حال من الأحوال يجب أن تحتلها الحكومة، وتدير منطقة أوسع إن أمكن.
2- في25 و26 نيسان [1932م] تم توضيح الاسباب التي من شأنها اتخاذ خطوات لإعلام رجال القبائل[ البارزانية] حول أسباب الهجمات الجوية والتي كانت واضحة وبسيطة للغاية، كان الهدف هو سلاح الجو التأكد أولاً من أنه كما يرغب المفوض السامي، لا يجوز استخدام السلاح الجوي الملكي لفرض شروط قاسية وغير عادلة، وثانياً أنه لا يمكن أن يكون هناك أي احتمال لسوء الفهم من جانب رجال القبائل فيما يتعلق الشروط التي يجب عليهم قبولها، وبموافقة المفوض السامي تم إعداد منشور مناسب على النحو الواجب وتم إسقاطه بواسطة السرب رقم ٣٠ (القاذفة) يومي ٢٥ و ٢٦ أبريل نيسان على جميع القرى المهمة في ناحية (مزوري بالا) و ناحية (بة روز)، التي تقع شمال شرق (جبل شيرين).
3- من الضروري أيضًا العمل على توطيد التعاون بين السلطتين السياسية والجوية، وإن حجر الأساس للتحكم الجوي الناجح هو الذكاء وتبادل الخبرات، تحتاج القوات الجوية الملكية معلومات ثابتة وموثوقة عن موقف وحركة القبائل[البارزانية] داخل المنطقة الخاضعة للسيطرة، ولا يمكن توجيه العمل الجوي وتنظيمه بكفاءة دون هذه المعلومات، وكنت آمل[ الكلام لقائد القوة الجوية البريطاني في العراق] أن يكون من الممكن تكليف مسؤول سياسي بريطاني لهذا الغرض، ولكن ثبت لي أن هذا غير عملي، ولذلك قمت بتعيين ملازم طيران قائد سرب فخري VD C Malley من موظفي المخابرات في مقري والذي كان بالفعل في (بلي) كضابط اتصال جوي وضابط استخبارات في تلك المنطقة لتولي مهمة هذه الأمور، ويرتبط بشكل وثيق بالحاجة إلى معلومات استخباراتية كافية وتنظيم فعال للترتيبات السياسية التي يتعين اتخاذها لاستقبال رجال القبائل المستسلمين أو الراغبين في الاستسلام للحكومة. في ناحية (شيروان) على وجه الخصوص، أصبحت الحاجة إلى تحسين السيطرة السياسية على الوضع واضحة للغاية بالفعل، وطلب المفوض السامي من الحكومة العراقية تعيين النقيب W A LYON BE المفتش الإداري في لواء أربيل لتولي المسؤولية السياسية في هذه الناحية. الكابتن (ليون) كان على اتصال وثيق بالقوات الجوية الملكية، وسهل وجوده في ناحية (شيروان) طوال الوقت أمورا كثيرة هو والملازم طيار (سي بي آر بيلي)، ضابط المخابرات الجوية في الجيش العراقي.
4- بحلول 25 ابريل/ نيسان ولغرض تنفيذ هذه العمليات، قوة جوية ضاربة لأمر سرب قاذفات القنابل القتالية (اثنا عشر وابيتي) ، من هنيدي (مطار) تحت قيادة قائد السرب GC Gardiner D.S.O D.F.C ورحلة واحدة رقم ۷۰ (نقل القاذفات) تم تشكيل السرب (خمسة فيكتوريا) من هنيدي تحت قيادة قائد السرب (رايدر يونغ) في أربيل، وتم تجهيز الترتيبات اللازمة إجراؤها لتنظيم الإمدادات وإدارة المخيم في أربيل في الملحق هـ، وصلت المجموعة الأولى المكونة من أربعة ضباط وخمسة طيارين إلى (أربيل) في ۲۹ أبريل - نيسان، ووصلت فصيلتان من القوات العراقية من الكتيبة الآشورية الثانية في (السليمانية) للقيام بمهام الحراسة بعد ظهر نفس اليوم، المعسكر كان جاهزا بحلول ٢٥ أبريل - نيسان عندما طارت رحلتان من السرب رقم ٥٥ (ب) ورحلة السرب رقم ۷۰ (ب.ت) إلى (أربيل) من الهنيدي وانضمت إليهما الرحلة الثالثة للسرب رقم ٥٥ (ب) من (الموصل) في ٢٥ أبريل نيسان، ووصل كابتن المجموعة سي دي بريز إيه إف سي إلى (أربيل) في ٢٥نيسان/ أبريل لتولي قيادة القوة الضاربة للقوات الجوية الملكية هناك، لم يتم وضع السرب رقم ۳۰ (ب) تحت قيادته ولكن تم توجيه تعليمات لقائد السرب بإبلاغ قائد المجموعة بريز كل مساء بعدد الطائرات التي يمكنه توفيرها للعمليات الجوية في اليوم التالي.
5- في 26 نيسان[1932م] وفور وصولها إلى أربيل، أعلنت الوحدات الجديدة أنها تعلم المنطقة التي ستتم فيه العمليات الجوية قريبا، لسوء الحظ وأثناء إحدى هذه الرحلات الجوية في ٢٦ أبريل/ نيسان، اضطر طيار وابيتي رقم ٥٥ ب، طيار السرب وضابط الطيران (جيه إم ويلز)، المدفعي الجوي ٣٦٥٤٠١ (إل إيه سي إيفائز)، (إيه جي)، إلى الهبوط بالقرب من (شيروان مةزن) بسبب عطل في المحرك، وتحطمت الطائرة بالكامل وسقط طاقمها في أيدي الثوار، في اليوم التالي[27 نيسان] جاءت رسالة من الشيخ أحمد مع رسالة من (إل إيه سي إيفانز) تفيد أنهم سجناء لدى الشيخ أحمد، وأن كتف ويلز) أصيب وأن الشيخ أحمد هدد حياتهم إذا لم يتم إلغاء عمليات القصف، طلب المندوب السامي إرسال رد إلى الشيخ أحمد مفاده أنه يجب أن يعامل سجناءه البريطانيين بشكل جيد وأن أي معاملة سيئة سيعاقب عليها بشدة، علاوة على ذلك إذا أصيب أي منهما واحتاج المصابان إلى رعاية طبية فسيتم إرسالهما إلى (بلي) على الفور، وإلا فسيتحمل الشيخ مسؤولية العواقب، وتم تذكيره بأن شروط الاستسلام المعلنة في المنشورات التي أسقطت في ٢٥ و ٢٦ أبريل / نيسان لا تزال سارية، ولكن عمليات القصف ستنفذ وفقا للخطة بعد إتاحة الوقت الكافي لرسوله للعودة إليه.
6- بناء على طلب المفوض السامي[ فرنسيس هنري همفريز F. H. Humphrys] أكدت له أن المراقبة الجوية ستتم بطريقة إنسانية قدر الإمكان، لقد أوضحت له أنه على الرغم من أنه سيكون من المستحيل تجنب وقوع إصابات، فإن الهدف من العمليات سيكون استسلام الثوار بأقل قدر من الأضرار في الأرواح والممتلكات. لقد كنت على قناعة بأن النتائج الضرورية يمكن تحقيقها دون التسبب في خسائر فادحة وخسائر في صفوف رجال القبائل، ولكي تكون تعليماتكم في هذه النقطة واضحة تماما، سافرت إلى (أربيل) في الصباح الباكر من يوم ۲۸ [نيسان] وشرحت شخصيا للقادة والضباط والطيارين المبادئ التي يجب الالتزام بها في العمليات الجوية القادمة. لقد أوضحت أنه من السهل جدًا خلق حالة رهيبة في منطقة قبلية عن طريق الاستخدام العنيف للقصف الجوي، ويمكن تدمير القرى بالكامل وإبادة جميع المواشي بشكل كبير من الوجود في غضون فترة زمنية قصيرة، إن نتيجة هذا الإجراء الجذري من هذا النوع ستظهر المصاعب اللاحقة التي يعاني منها رجال القبائل على مدى سنوات عديدة، إذا حدث الفقر بهذه الطريقة فستظل المنطقة مضطربة وساخطة لفترة طويلة قادمة، ومع ذلك يمكن تحقيق استسلام الثوار دون مثل هذا الإجراء الجذري ودون التسبب في أكثر من خسائرضئيلة نسبياً، ولم تكن الخسائر في صفوف رجال القبائل أنفسهم أو في حيواناتهم غاية في حد ذاتها، كما لم يكن التدمير الشامل للممتلكات هدف ستتبع النتائج الفعالة بنفس القدر على الأقل استخدام تكتيكات أكثر دقة. كان الهدف الأول هو خلق شعور في المنطقة بعدم الأمان والانزعاج الشديد، سيتم ذلك أولاً عن طريق التدريب خارج قراهم عن طريق إبقائهم وإجبارهم على البقاء تحت الغطاء خلال ساعات النهار، إن إطلاق بضع طلقات وإلقاء قنبلة عرضية يوميًا بالقرب من القطعان التي ترعى في العراء سيكون كافيا لإقناع رجال القبائل بخطر رعي قطعانهم وسيخدعهم لإبقائهم تحت الغطاء، مما يشكل إزعاجًا وصعوبة كبيرة لأنفسهم، أو ربما يؤدي ذلك إلى رفض الرعاة رعاية القطعان والتي سوف تتوزع بالتالي على التلال، من ناحية أخرى كان من المقرر مهاجمة الرجال المسلحين وحيوانات القطيع فور رؤيتهم. ينظر: (الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني– الحملة العسكرية العراقية – البريطانية على منطقة بارزان (1931 – 1932)-، اعداد وترجمة : شيركو حبيب، ج5، ص70 – 74).
7- ومن جانب آخر فبخصوص المصادر الكردية يذكر السيد مسعود البارزاني في كتابه (البارزاني والحركة التحررية الكردية) ما يلي:
أما المحورين الآخرين كان الموقف كما يلي :
- في محور بارزان - عقرة : فشلت قوات رتل عقرة باحتلال جبل بيرس عندما حاول ذلك في نهاية آذار[1932م] وكرر المحاولة في نيسان أيضاً. وبقي فوج بله في موقعه محاصراً لا يحرك ساكنا.
8- وفي 18 نيسان أصيبت احدى الطائرات المغيرة على بارزان وسقطت في قرية (هسنكا) شرق بارزان ب 5 كيلومترات وقتل سائقها. وفشلت كل المحاولات لايصال التعزيزات الى حامية بله. رغم تعاون بعض المرتزقة مع الحكومة أمثال أحمد الزيباري وبعض شيوخ السورجيين. واستشهد في هذا المحور كل من محمود فق سمايل هسني ويونس عبدالرحمن بارزاني.
- في محور بالنده – عمادية: كان هذا النجاح للمنطقة مهدداً بسبب تعاون كلحي الريكاني رئيس عشيرة الريكانيين اللامحدود مع رتل بول ولكن فشلت محاولاتهم هي الاخرى في العبور من الزاب. وفي هذا المحور حدث شىء مؤسف حيث قام صديق آغا هورماري الذي كان قد التجأ الى بارزان وحماه الشيخ أحمد من اعتداءات الريكاليين إلا أن هذا الناكر للجميل قام في أواسط نيسان[1932م] بار بأسر ٢٥ مواطناً بارزانياً من منطقة (ولاتي ژيري) وأخذهم معه الحكومية وسلمهم للسلطات الحكومية في العمادية مقابل ثمن رخيص واصبح صديقا لعدو الامس كلحي الريكاني. وهذه الجريمة أثرت على نفسية أبناء المنطقة برمتها. ينظر: (مسعود البارزاني، البارزاني والحركة التحررية الكردية انتفاضة بارزان الاولى 1931 – 1932، ، كردستان، 1986م، ص38 – 39).