
سارة طالب السهيل
كاتبة عراقية
اليوم الوطني للزي القومي في كوردستان يحفظ الهوية ويصون تراث الأجداد للكورد

منذ تسارع وتيرة العولمة التي جعلت من دول العالم قرية كونية صغيرة، وما تسببت فيه من ذوبان هويات وخصوصيات الكثير من ثقافات الشعوب، والتي اندثر معها الكثير من الهويات. بينما يجاهد العديد من الشعوب والأمم للحفاظ على هويتها القومية والثقافية حتى لا تصبح في خبر كان وتصون تاريخها وعاداتها وتقاليدها للأجيال .
الاحتفال بالزي القومي الكردي يعكس الهوية الكردية من خلال الحفاظ على التراث الثقافي، والتأكيد على الوحدة والانتماء، والتواصل بين الأجيال، والتعبير عن الهوية والانتماء، وحب الوطن والاحتفال بالجمال والإبداع.
وأمة الكورد من الأمم التي رغم ما عانته عبر الحقب الزمنية التاريخية المتوالية وما شهدته من اجحاف بحقوقها وتوزعها بين اربعة دول، لأنها صمدت في مواجهة شتى أنواع التمزق والتشظي وحافظت على بقاءها بفضل تمسكها بثقافتها وهويتها القومية وعاداتها وتقاليدها .
وتعد محافظة أمة الكورد على زيها القومي رمزا للمحافظة على رموز هويتها الثقافية والحضارية، ولذلك وعت القيادة الكوردية الى تخصيص يوم العاشر من مارس للاحتفال بالزي القومي للكورد في مواجهة التغريب عن الهوية والتمسك بالثوابت والأصول المتجذرة في شجرة الأمة الكوردية، حيث يرتدي الموظفون والمدرسون و العامة من الناس زيهم الخاص ويتجولون في أماكن العمل والأسواق احتفالا بهذا اليوم.
في يوم الزي القومي، يتجلى الابداع في الالوان والتصميم والخصوصية والتفرد المغلف بمعاني الجمال إلى ما يشبه الكرنفال، فالمواطنين الكورد يرتدون زيهم القومي ويتجولون بها في الأماكن العامة والأسواق والمنتزهات بألوانها الفاتحة المبهجة والمستوحاة من جمال الجبال والطبيعة الخيرة .
فجميع الكورد يرتدون اللباس الفلكلوري الكوردي، وللرجال عدة أنواع من اللباس التراثي المعروف منها الشال والشاب، ولباس النساء يسمى كراس وخفتان وله أيضا أنواع كثيرة، وهذا اللباس القومي انما يؤكد وحدة المجتمع الكوردي ووحدة هويته الثقافية التي لا تزعزعها عواصف الأقدار من الحروب والنزاعات وغيرها .
فالزي القومي يعد علما على هوية الشعوب، والزي الكردي علما يرفرف بالسلام علي أبناء الشعب الكوردي المناضل .
بينما كانت الجدات والأمهات يرتدين الزي تفضل الفتيات الثياب المدنية والحديثة لكنهن يرتدين الزي القومي في المناسبات القومية والاعياد المختلفة، خاصة وان كل شاب وفتاة يمتلكون زيا قوميا واحدا علي الاقل لإرتباطه بالقومية الكوردية والأعياد والمناسبات الخاصة ومنها عيد نيروز 21 آذار بداية السنة الكوردية.
وتعكس الأزياء الكوردية تاريخًا طويلًا من التقاليد والعادات، وتبرز فيها الألوان والتصاميم الفريدة، كما تُعبر هذه الأزياء عن القيم الثقافية والاجتماعية، وتُظهر الفخر بالتراث والانتماء. والاحتفاء بالزي القوي الكوردي يعزز الروابط الاجتماعية ويعكس وحدة نسيج المجتمع الكوردي.
ولذلك تحرص الأسر الكوردية الي تنشئة صغارها على حب الزي القومي ليكون جزءا من تكوين شخصيتهم وهويتهم، ولاكتساب ثقافة الاجداد وتراثهم، والذي يرتبط زيهم القومي بعوامل التضاريس الجبلية والمناخ وطبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده التي تفرض ثقافة الاحتشام في الزي القومي والألوان الزاهية للأقمشة المستخدمة .
وتزخر الثقافة الكوردية بتراث ثري من الملابس القومية التي قد تعود الي زمن الإمبراطوريات القديمة والحضارات القائمة في المنطقة، حيث هو ما يعني ان الزي القومي شهد العديد من التطورات عقب الحقب التاريخية، وايضا يعني تنوع تصاميم الزي الكورديباختلاف المناطق والمجتمعات الكردية.
في إقليم كوردستان العراق، يرتدي الرجال السروال الواسع المعروف باسم "شالوار"، والجاكيت التقليدي، بينما ترتدي النساء فساتين طويلة مزينة بزخارفملونة. وعموما، فان الزي الكوردي يمتاز بالزخارف والتطريزات التي تحمل دلالات ثقافية ودينية، أو تعبر عن قصص قديمة من التاريخ الكردي.
الملابس التقليدية للكورد في أربيل والسليمانية تعكس التراث الثقافي الكوردي الغني، وتتميز بألوانها الزاهية وتطريزاتها الدقيقة. في أربيل، يرتدي الرجال الجلباب الطويل (الجزمة) والشروال الواسع، بينما ترتدي النساء الفساتين الطويلة المزينة بالتطريزات (الجافى) والشروال الفضفاض، مع حزام عريض (الشتوك) وغطاء للرأس (الكلاش). في السليمانية، قد تختلف التصاميم قليلاً، حيث تكون التطريزات أكثر تفصيلاً وتعكس الذوق المحلي، مع الحفاظ على العناصر الأساسية مثل الجلباب والشروال والفساتين المطرزة. تُلبس هذه الملابس عادة في المناسبات الخاصة كالأعراس والأعياد، وتظل رمزًا مهمًا للهوية الكوردية في كلا المنطقتين.
وفي الأعراس الكوردية كانت العروس تضع قطعة قماش خضراء كناية عن الخصب لدى المرأة الكوردية، في حين توضع على كتف الشاب الأيمن بعض الإشارات والألوان للإشارة إلى أنه العريس.
تتعدد انواع الأزياء الكوردية وتتنوع لتصل الي نحو320 نوعا تتوزع بين المدن والأقاليم، ولكل مدينة أو إقليم نوع الزي الخاص بهما وكان قديما للغناء والدبكة والموسيقى الزي الخاص بها.
كما يختلف الزي حسب فصول السنة والاحتفالات الموسمية والفعاليات الاجتماعية، فالكورد ساكني الجبال والتلال لبلاد الرافدين ملابسهم مستوحاة من الطبيعة، ويتكون الزي الرجالي الكوردي من الشال والشبك، وهو زي يتكون من قميص وسروال فضفاضين، وغالبًا ما يكون مصنوعًا من القطن أو الصوف. يُضاف إلى هذا الزي حزام عريض يُلف حول الخصر، ويُستخدم لحمل الأدوات الشخصية. ويحمل هذا الزي رموز ودلالات كثيرة منها انه رمزًا للرجولة والقوة، ويُرتدى في المناسبات الخاصة والاحتفالات. بالإضافة إلى ذلك، يرتدي الرجال الكورد قبعة تقليدية تُعرف باسم "الكولوان" ، والتي تختلف في تصميمها وألوانها حسب المنطقة.
وفي المجمل، فان الزي القومي للرجل الكوردي ينقسم إلى نوعين، الأول يطلق ويعرف باسم "بشم وبركيز" وهو منتشر بشكل واسع بين الكرد في كل من تركيا وسورية وأجزاء من كوردستان العراق، ويتألف من قطعتين من اللون ذاته، الجاكيت والسروال، ويستعمل معه قماش يلف على الوسط ويطلق عليه "شوتك" وغطاء للرأس يسمى "جمداني" ويستعمل في صنع هذه الأزياء صوف الخراف والماعز، ويأخذ هذا الزي ألوان محددة وهي الأسود، الأبيض، الأزرق، البني، والرمادي.
أما النوع الثاني والمنتشر بين الكورد في إيران والعراق فيطلق عليه "كورتك وشروال". وهو أيضاً من قطعتين جاكيت وسروال وحزام للوسط مع غطاء للرأس، وهو يستعمل مختلف أنواع الأقمشة المستعملة في صناعة الملابس الغربية. ألوانه متعددة، ويتنوع في تصاميمه و تصاميم الجاكيت.
ورغم التمايز بين التصاميم من منطقة إلى أخرى، إلا أنه من ناحية المعمار يعتمد على نفس القطع، فالقطع الأساسية تتكون من الشروال ( سروال ).
و يتألف زي المرأة من قطع عدة، بداية ممّا يلبس على الرأس يسمى "الهريتين" ويتكون من قطعتين ملونتين واحدة تغطي الرأس والأخرى تتدلى فوقه. ناعمة الملمس الناعم الخفيف، وتعقد من الأمام أسفل الرقبة.
كما يشتهر زي "الفقيانة"، للمرأة الريفية وهو ثوب طويل يغطي غالبا حتى أخمص القدمين، و يخاط هذا الثوب من قماش شفاف جدا ذي خيوط حريرية ناعمة، ويكون تحته قميص داخلي رقيق وحريري، أما الجزء العلوي فيشتمل علي سترة قصيرة جدا بلا أكمام وذات لون داكن، ويضاف لها تطريزات ومنمنمات للزينة وفي الشتاء يستعاض عن هذه السترة بواحدة طويلة إلى أسفل الكعبين وذات أكمام أطول، مع تنسيق الألوان بحسب الذوق العام .
كما تتحزم المرأة بحزام رفيع من الصوف، وأحيانا بحزام سميك من الذهب يكون سميكا بعض الشيء، بجانب قبعات مطوقة بقطع نقدية ذهبية، لإظهار الثراء والمكانة الاجتماعية، مع سلسلة من الذهب ترتديها النساء بطريقة الوشاح، الذي يرتديه القضاة في المحاكم وتحمل معها قطعا أسطوانية مجوفة من الذهب تفصلها قطع من الجنيهات الذهبية أما النساء الأقل ثراء فيستعضن عن الحلي الذهبية، بإكسسوارات تشبه الذهبية.
أما كورد سوريا خاصة في المنطقة الغربية (عامودا) فيتكون الزي القومي من الكوفية والهبري (وشاح الرأس) وبشمالك (مريول) والفستان والقفطان يختلف الزي بحسب العمر وبحسب فصول السنة، حيث في الصيف والربيع تلبس الألوان الزاهية والقطنية وفي الشتاء تلبس الأقمشة السميكة (قطيفة قماش مخمل مزركش بالنقوش). كبار السن يلبسون الزي الكوردي على مدار السنة أما الفئة الأصغر عمراً فيلبسون الزي الكوردي في المناسبات والأعياد القومية.
إن الزي الكوردي هو جزء من الثقافة التي تربي عليها الكورد، وهو يعبر عن الانتماء إلى الطبيعة وثراءها وجمالها، فهو يتألف من ألوان متعددة وزاهية تُعبر عن ألوان الطبيعة، خاصة الطبيعة الجبلية.
ويستطيع اي زائر للعراق ان يميز لباس اهل العراق العربي الذي يطغي عليه اللون الاسود، عن لباس الكورد الذي يمتاز بالألوان الزاهية والمطرزة خاصة الزي القومي الذي يحرص جميع الكورد علي ارتداءه في الاعياد والمناسبات المهمة . و انا شخصيا من عشاق الالوان المعبرة عن حب الحياة والطبيعة والتفاؤل و لا اشعر بالارتياح أبدا بالملابس القاتمة اللون التي تشعرني بالغم والحزن و كلما زرت كوردستان اشعر بان الالوان من حولي تشبهني وتشبه طبيعتي
فبداخلي فراشات ملونة تريد ان تخرج لتزهر حولي بالطبيعة الخلابة و تحتفي بالأزهار الجميلة خاصة في فصل الربيع..
و فعليا عندما زرت أربيل أهداني الصديق أمير داوود و زوجته ملابس رائعة الجمال باللون المفضل لدي (الوردي) وهي تعبر عن الملابس التقليدية الكوردية بشكل حديث و أهدتني صديقتي الغالية خانزاد سوراني ملابس جميلة جدا تشبهها كما أهدتني (كوز صنوبر) و هو رمز للمحبة الصادقة ومازلت احتفظ به وفاء واعتزازا..
وبالعودة للملابس الكوردية حيث تتنوع الالوان والطرازات في الأزياء الكوردية بحسب المناطق، فأزياء مناطق أبناء قبائل الكوجر شمال وشرق سوريا وباشور كردستان تمتاز بالفستان الهوليري وشدة الظهر الصفراء، وفي منطقة عفرين تكون الطاقية المرعشية، والباشناق الفضية، والفستان الكردي كوباني يغزل خيوطه بالنول أو الدولاب، ومزركش بالألوان مع الحلي من ذهب وفضة.
وتربط مناطق الكيكان الرأس بهبرية زرقاء (غطاء رأس محلي)، ومناطق عفرين يربطونه بكوفية فوق طاقية المرعشي، يتدلى فوقها باشناق فضية، وكوباني يربطونه بكوفية كبيرة وتاج فضي.
ويبقي الزي القومي للكورد باعثا للشعور القومي، وحافزا قويا علي التمسك بالهوية الثقافية والحفاظ موروثات أمة مناضلة من صون تراثها .
الزي الكوردي هو تراثٌ غني يعكس تاريخًا طويلًا من النضال والثقافة والانتماء إلى الأرض. باختلاف ألوانه وتصاميمه، يظل هذا الزي رمزًا للهوية الكوردية التي تتجدد مع كل جيل. إنه ليس مجرد لباس، بل هو قصة شعب، وحكاية أرض، وروح ثقافة تتحدى الزمن.
كل عام و اهلنا واصدقائنا في كوردستان العراق بألف خير و سعادة وسلام بمناسبة عيد الزي الوطني وايضاً بقرب حلول نوروز كل عام والشعب الكوردي في كل مكان بألف خير و سعادة