الكورد الفيليون… معاناة مستمرة وتهميش لا ينتهي

الكورد الفيليون… معاناة مستمرة وتهميش لا ينتهي
الكورد الفيليون… معاناة مستمرة وتهميش لا ينتهي

لطالما كان الكورد الفيليون جزءًا أصيلًا من النسيج الكوردي والعراقي كما كانوا وعلى مدار عقود في الصفوف الأولى للضحايا بينما بقوا في الصفوف الخلفية حينما حان وقت توزيع الحقوق. رغم تاريخهم الحافل بالتضحيات وانتمائهم القومي العميق لا تزال معاناتهم مستمرة سواء في العراق أو في إقليم كوردستان فلم يتوقف الظلم عند محطة واحدة من التهجير القسري وسحب الجنسية إلى التهميش السياسي والاقتصادي.
مع كل تغيير سياسي في العراق والإقليم كانت الآمال تتجدد بأن تنتهي معاناتهم لكن الواقع ظل يثبت العكس. كيف يمكن لشعب قدّم روحه ودمه لقضيته أن يجد نفسه اليوم خارج الحسابات السياسية والاجتماعية؟ هذا السؤال يفرض نفسه بقوة عندما نستعرض ما حلّ بهم عبر التاريخ ونقارن ذلك بما يواجهونه اليوم.
تاريخ الكورد الفيليين مليء بالمآسي وكان القرن العشرون أحد أكثر الفصول دموية بالنسبة لهم خاصة في ظل حكم حزب البعث، لم يكن إضطهادهم مجرد تمييز سياسي أو اجتماعي بل كان مخططًا ممنهجًا لإبادتهم وطمس هويتهم.
في خطوة تعسفية جرد  مئات مئات الآلاف من الفيليين من جنسيتهم العراقية بحجة أنهم إيرانيون مع  أنهم أحد أقدم المكونات في العراق، وعلى إثر ذلك تم تهجيرهم قسرًا إلى إيران في ظروف مأساوية تاركين خلفهم ممتلكاتهم وأعمالهم التي تمت مصادرتها وحتى أفراد عائلاتهم فلم يتوقف الاضطهاد عند التهجير بل شمل عمليات تصفية جماعية للشباب الفيليين حيث زج  بالآلاف منهم في السجون ولم يظهر لهم أثر حتى اليوم لم يكن لهم حتى شرف أن يُقتلوا علنًا بل اختفوا في دهاليز القمع دون أن يُعرف مصيرهم.
من أفلت من قبضة النظام ظل مطاردًا وغير آمن على حياته وحياة عائلته وجد الكثيرون أنفسهم تحت مطرقة الديكتاتورية وعيون أجهزة الأمن البعثية محرومين من أبسط حقوقهم كما إضطر بعضهم الى  تغيير ألقابهم العشائرية إلى أسماء عربية فقط كي يتمكنوا من البقاء في وطنهم. لم يكن أمامهم خيار سوى التخلي عن هويتهم أو مواجهة مصير مجهول .
بعد سقوط نظام في 2003 ظن الكورد الفيليون أن الوقت قد حان لاستعادة حقوقهم المسلوبة  لكن سرعان ما أدركوا أن الوعود لم تكن أكثر من شعارات جوفاء
مع وجود الاعتراف الدستوري  والقانوني بمظلوميتهم إلا أن ذلك لم يُترجم إلى خطوات فعلية تعيد لهم ممتلكاتهم المصادرة وظلت ملفات الجنسية والمواطنة تُدار بعقلية تحمل رواسب النظام البعثي رغم صدور قرارات قضائية تعترف بحقوقهم الا ان التنفيذ يظل بطيئا وغالبا مايكون مصحوبا بمماطلات إدارية لاتقل ظلما عن السياسات القديمة مما يؤدي إلى عرقلة  عودتهم إلى حياتهم الطبيعية وإنهاء معاناتهم.
الكورد الفيليين كانوا من أوائل من دعموا الحركة التحررية الكوردية وقدّموا التضحيات إلا أن تمثيلهم السياسي في الإقليم ظل ضعيفًا بل يكاد يكون معدومًا وفي كثير من الأحيان يتم التعامل معهم كمكون منفصل أو كجزء من ديكور سياسي يُستخدم فقط لإضفاء طابع التنوع.
لم يقتصر التهميش على الأفراد بل حتى المدن التي يقطنها الكورد الفيليون تعاني من الحرمان والإهمال لم تمد لها يد العون من قبل الحكومتين، لا في الإقليم ولا في بغداد، وظلّت تعاني من ضعف البنية التحتية وغياب الخدمات الأساسية وغياب الأمن وسلب الكرامة مع أن أبناءها قدّموا الغالي والنفيس في سبيل وطنهم.
هذا التهميش لم يؤد فقط إلى عزلهم بل جعلهم عرضة لاستغلال القوى السياسية التي حاولت جذبهم إلى معسكرات مذهبية مستغلة الفجوة التي تفصلهم عن القيادة الكوردية
مع محاولات إشراكهم سياسيًا إلا أن وجودهم في مراكز صنع القرار ظل محدودً وربما يعود ذلك إلى ضعف الثقة او تجاهل قدراتهم  القيادية أو إلى تصورات نمطية لا تعكس واقع إمكانياتهم الحقيقية وحتى في الحالات القليلة التي يتم فيها اختيار ممثلين عنهم يتم انتقاء شخصيات ضعيفة لاتمثل إلا نفسها لا ينعكس ذلك بشكل فعلي على مستوى التأثير السياسي حيث غالبًا ما يكون الحضور رمزيًا أكثر منه فاعلًا. هذا النهج بدلاً من أن يكون خطوة نحو تعزيز دور الفيليين يؤدي إلى ترسيخ واقع التهميش ويجعل حضورهم السياسي غير قادر على إحداث تغيير ملموس.
إن استمرار تهميش الكورد الفيليين سواء في العراق أو في إقليم كوردستان هو جرح مفتوح يجب أن يُعالج لا يكفي الاعتراف بمظلوميتهم بالكلام فقط أو ببعض التكوينات السياسية الخجولة التي لا تسمن ولا تغني من الجوع بل يجب اتخاذ خطوات عملية تعيد لهم حقوقهم وتضمن لهم دورًا حقيقيًا في الحياة السياسية والاجتماعية.
تجاهل هذه القضية والتعامل معها ببرود لن يؤدي إلا إلى تعميق الهوة بين الكورد الفيليين والقيادة الكوردية وسيجعلهم يشعرون بأنهم لا ينتمون إلى أي طرف وهذا أمر لا يخدم وحدة الصف الكوردي ولا مستقبل الإقليم بل يفتح المجال لاستغلالهم سياسيًا من قبل أطراف أخرى لا تسعى سوى لمصالحها.
العتب هنا ليس مجرد عتب سياسي بل هو عتاب قومي وإنساني.لماذا يتم التعامل مع الفيليين وكأنهم هامش في معادلة كبيرة بينما هم جزء أساسي من تاريخ كوردستان ونضاله؟ 
لماذا لا يتم تمثيلهم بشكل مناسب في المؤسسات الكوردية؟ لماذا لا يكون لهم دور قيادي في صناعة القرار؟ ولماذا لا تتم إعادة الاعتبار لهم بإنصاف عوائل شهدائهم واستعادة ممتلكاتهم المنهوبة
فالمشكلة لا تكمن في الاعتراف بهم، بل في ترجمته إلى أفعال. فرغم الاعتراف الرسمي بأن الكورد الفيليين جزء لا يتجزأ من الأمة الكوردية إلا أن هذا الاعتراف يظل ناقصًا ما لم تصاحبه خطوات عملية تضمن مشاركتهم الفعلية في مراكز صنع القرار والإدارة والمجتمع.
الكورد الفيليون ليسوا اقلية مهمشة بل هم جزء من نسيج كوردستان والعراق قدموا التضحيات في كل مراحل النضال إن استمرار تهميشهم هو ظلم آخر يُضاف إلى سجل طويل من المعاناة.
المطلوب اليوم ليس مجرد اعتراف رمزي بل خطوات جادة تُعيد إليهم حقوقهم كاملة وتمنحهم المكانة التي يستحقونها في السياسة والإدارة والاقتصاد. إنصافهم ليس مِنّة من أحد بل هو استحقاق تأخر كثيرًا وحان الوقت لرده .