سياسة التجويع أم عبادة الطغيان

سياسة التجويع أم عبادة الطغيان
سياسة التجويع أم عبادة الطغيان

منذ سقوط نظام البعث عام 2003 لم تنته معاناة الكورد بل تحولت من القمع العسكري المباشر إلى سياسات ناعمة وخبيثة ظاهرها ديمقراطية وفيدرالية وجوهرها الإقصاء والتجويع والإذلال يتفنن صناع القرار في بغداد في ابتداع سيناريوهات جديدة كل مرة لكن الهدف لا يتغير إنهاء الفيدرالية وتحويل إقليم كوردستان إلى كيان هش تابع بلا إرادة ولا خصوصية رغم تعدد الأدوات من المحكمة الاتحادية إلى التلاعب بالميزانيات والرواتب تبقى الغاية واحدة وهي إخضاع كوردستان وكسر إرادتها وإدخالها في لعبة سياسية ساذجة لا مكان فيها للكورد إلا كضحية أو تابع إلا أن كل تلك المخططات سقطت أمام صخرة اسمها كوردستان هذه الأرض التي لم تعرف الخضوع وشعبها الذي لم يتعلم الانحناء وقيادتها التي قدمت كرامة شعبها على كل حسابات السياسة.

لقد واجهت كوردستان عبر التاريخ محاولات متكررة لكسر شوكتها لكنها لم تنحن لأن في هذا الإقليم قيادة حكيمة متجذرة في هموم الناس وآمالهم قيادة لم تصعد على أكتاف الجوع والفقر بل جاءت من ميدان التضحية والمعاناة ولذلك كان ولاء الناس لها طبيعيًا لا مصطنعًا وكان إيمانهم بها أعمق من أن تزعزعه أزمة مفتعلة أو مؤامرة مركزية وحين لم يفلحوا في ضرب العلاقة بين الشعب والقيادة لجأوا إلى أسلوب خسيس قطعوا الرواتب جوعوا الناس صنعوا فقرًا مقصودًا خنقوا الاقتصاد ليس لعجز في الدولة بل كأداة عقاب سياسي ظنًا منهم أن الشعب سينقلب على من يحميه.

لكنهم لم يدركوا من يحاربون إنهم يواجهون جياع الجبال لا جياع الخنوع يحاربون شعبًا سلبوا منه الكثير ولم يسلبوا منه الكرامة شعبًا قهره البرد والجوع والخذلان لكنه ما زال واقفًا رافع الرأس يحاربون من سال دمه في الأنفال وفي المقابر الجماعية وفي الانتفاضات ولم يستسلم يحاربون من جعل الصبر عقيدة والكرامة سلاحًا والوفاء نهجًا يحاربون من علمه التاريخ ألا يثق بمن يسرق قوته ويتحدث عن الوطن إنهم يخطئون حين يظنون أن كوردستان مجرد إقليم صغير أو أن شعبها يركع لراتب أو يسكت من أجل كيس طحين.

هنا في كوردستان الشعب ليس رهينة ولن يكون أداة لابتزاز قيادته وهنا القيادة لن تساوم على دستور كتبناه بدماء شهدائنا ولن تسكت على ظلم يلبس قناع الدستور ما لم يفهمه البعض هو أن هذه ليست معركة رواتب بل معركة وجود معركة كرامة معركة بقاء فلتقطعوا الرواتب ولتغلقوا الأبواب لكننا لن نفتح الباب للذل نحن لم نطلب أكثر من حقنا الدستوري ولم نقص أحدًا لكننا لن نقبل أن نختزل أو نهان كوردستان كانت وستبقى شريكًا في العراق لا تابعًا ولن تنكسر أمام سذاجة السلطة ولا أمام عبادة الطغيان.

نحن هنا أصحاب أرض أصحاب حق لم نفرط بوطن كما فعلتم لم نبع السيادة كما بعتم لم نصبح أدوات في يد أسياد الخارج كما أصبحتم أنتم لا تمثلون الوطن أنتم تمثلون القهر وتجسدون تجويع الناس كأداة حكم وتتقنون إذلال من يفترض بكم أن تخدموه نحن لن نركع ولن نتنازل ولن نغادر ميدان الكرامة وإن كانت الكلفة الجوع لأن كوردستان لم تبن على رغيف بل بنيت على تضحيات وعلى أجساد الشهداء وعلى دموع الأمهات وعلى صبر الفقراء وهذه الأسس لا تهز بقرار من بغداد ولا تكسر بخطة سياسية فاشلة إن معركتكم معنا خاسرة لأنكم تحاربون من لا يهزم كوردستان أكبر من مؤامراتكم وشعبها أسمى من سذاجتكم وكرامته ليست موضوعًا للنقاش.