
د. ريبوار هادي
نائب عراقي
وزيرة المالية… تجاهل للدستور واستخفاف بقرارات القضاء

نصّ الدستور العراقي في المادة (62) على أن مجلس الوزراء مُلزم بتقديم الحساب الختامي إلى مجلس النواب لإقراره.
كما ألزمت المادة (21/ ثانياً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018، مجلس الوزراء بعرض الحساب الختامي خلال مدة لا تتجاوز تسعة أشهر من انتهاء السنة المالية.
فيما حدّد قانون الإدارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019 (المعدل) مهام وزارة المالية بهذا الخصوص، مؤكّداً أن المسؤولية المباشرة تقع على عاتق وزير المالية.
وبناء على كل ما تقدم، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها رقم (190/ اتحادية/ 2023) الذي ألزم رئيس مجلس الوزراء ووزيرة المالية بتقديم الحسابات الختامية إلى مجلس النواب ضمن المدد القانونية.
وأكدت المحكمة أن مجلس الوزراء ووزارة المالية لم يلتزمان بإنجاز الحسابات الختامية في التوقيتات التي نصّ عليها الدستور والقانون، وأن التبريرات الحكومية حول إرسال بعض الحسابات لا تُعفيها من المسؤولية القانونية والدستورية.
رغم ذلك، فإن وزيرة المالية تُصرّ على التعامل الانتقائي مع القانون وقرارات القضاء، وتُنفذ ما يخدمها، وتتجاهل ما يُلزمها، وكأن القانون اختياري.
فعلى سبيل المثال، نجد أنها بادرت إلى إصدار كتاب رسمي أشارت فيه إلى تعذر تمويل إقليم كوردستان بتخصيصاته بداعي أنه تجاوز حدودها المنصوص عليها في قانون الموازنة الاتحادية للسنوات المالية (2023، 2024، 2025)، واستدلت في ذلك بقرار للمحكمة الاتحادية العليا قالت إنه يحمل الرقم (4/ اتحادية/ 2025/ 303) رغم أننا لم نطلع على ما جاء في هذا القرار وهو غير منشور على الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا.
فالوزيرة أصدرت هذا الاعمام، لكنها تناست قرار المحكمة الاتحادية العليا بالرقم (224 وموحدتها 269/ اتحادية/ 2023) المنشور على موقعها الالكتروني بأن الخلاف حول تنفيذ مواد قانون الموازنة يجب أن لا يكون هو السبب الرئيس في عدم استلام الموظفين والمتقاعدين ومستفيدي الحماية الاجتماعية في الإقليم لرواتبهم الشهرية في موعدها المحدد.
بأي حال من الاحوال، فإن التأخير في الحسابات الختامية ليس له مبرر، رغم أن ارسالها الى مجلس النواب واجب دستوري وقانوني وشرط أساسي للمساءلة المالية.
إذ ان التأخير ليس مجرد تقصير إداري، بل خرق دستوري فاضح يستوجب المحاسبة، ومن لا يحترم الدستور ولا القضاء، لا يستحق البقاء في منصب المسؤولية.
ورغم أن وزيرة المالية تتحمل المسؤولية المباشرة، فإن مجلس الوزراء بكامل أعضائه مسؤول أيضاً، لأن الحساب الختامي للدولة يتكوّن من الحسابات الختامية لكل وزارة، فكل وزير مسؤول عن حساب وزارته، ومجلس الوزراء مجتمعاً ملزماً بتقديم الحساب النهائي للدولة في موعده.
وإذا لم تُقدَّم الحسابات الختامية
فكيف نُقيّم أداء مجلس الوزراء؟
كيف نعرف مدى التزامه بقانون الموازنة؟
كيف نحاسب على التجاوزات؟
كيف نكشف الفائض والعجز؟
بل كيف نرصد الهدر ونحارب الفساد دون أرقام واضحة؟
غياب الحسابات الختامية يعني تعطيل كامل للرقابة البرلمانية وانعدام الشفافية.
والأعجب من ذلك هو صمت مجلس النواب، وخصوصاً اللجنة المالية، عن هذا الخلل الجسيم.
لماذا لم تُمارس دورها الرقابي؟ لماذا لم تتحرك رغم صدور قرارات من المحكمة الاتحادية العليا؟
هذا الصمت لم يعد مبرراً، على مجلس النواب أن يتحرك فوراً.
السكوت عن هذه الخروقات هو تخلي صريح عن الدور الرقابي، وخيانة لثقة الشعب.
وفي الختام، يجب أن نُذكّر بما لا خلاف عليه:
ان أهم واجبات مجلس الوزراء ووزير المالية هي تقديم قانون الموازنة والحسابات الختامية في مواعيدها الدستورية.
فإذا فشلوا في تنفيذ هذين الواجبين الأساسيين، فكيف يمكن تقييم أدائهم؟
وعلى أي أساس تتم المحاسبة أو تصويب المسار؟
من لا يقدم موازنة ولا حساباً ختامياً، يُقصي نفسه من الرقابة والمحاسبة، ويُفرغ الديمقراطية من مضمونها الرقابي الحقيقي .
إن تجاهل هذا الخرق الدستوري يُعد تهاوناً في أداء الواجب الرقابي، ولذلك فإن التحرك الجاد والمباشر لم يعد أمراً اختيارياً، بل فرض دستوري يوجب على مجلس النواب تصحيح هذا الخلل.