حين تتكلم الكرامة: وحدة الأحزاب الكوردية ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل

حين تتكلم الكرامة: وحدة الأحزاب الكوردية ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل
حين تتكلم الكرامة: وحدة الأحزاب الكوردية ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل

الوضع لا يحتمل التأخير. الزمن ليس مجرد وقتٍ عابر، بل لحظة مفصلية تفرض على الكورد قرارًا شجاعًا لا يقبل التأجيل. فالوحدة اليوم لم تعد خيارًا بين خيارات، بل صارت واجبًا وطنيًا وإنسانيًا وأخلاقيًا، خصوصًا بعد كل ما مرّ به شعب كوردستان من مآسٍ ومعاناة، منذ ما بعد استفتاء الاستقلال في 25 أيلول 2017، وحتى تداعيات 17 أكتوبر، التي لا تزال ظلالها الثقيلة تُخيم على حاضرنا السياسي والاقتصادي.

في الوقت الذي كان الشعب ينتظر أن تجني كوردستان ثمار الديمقراطية والمشاركة الدستورية، جاءت الانتكاسات تباعًا. ولكنّ المفارقة أنّ شعب كوردستان – ورغم كل تلك الخيبات – لم يفقد بوصلته، بل صار أكثر وعيًا وإدراكًا لما يدور خلف الكواليس. إنه يعرف تمامًا أن السير البطيء كالسلاحف خلف وعود بغداد لن يجلب سوى مزيدٍ من الإذلال والتبعية.

وفي خضم هذا الترقب، خرج “خبر عاجل” يختزل عبثية المشهد: وزارة المالية العراقية لم توافق على إرسال المستحقات، رغم وجود الوفد الكوردي في بغداد، في الوقت ذاته الذي كان فيه وفد وزارة المالية الاتحادية في أربيل! مفارقة تكشف ازدواجية المواقف وغياب الحد الأدنى من الاحترام السياسي المتبادل. ويبدو واضحًا أن هناك من لا يزال يحاول استغلال ما بعد 17 أكتوبر، كأنّ التاريخ توقف عند تلك الليلة.

ولكنّ الأمور تغيرت، والواقع السياسي اليوم ليس كما كان. الظروف مواتية لإعادة ترتيب الصفوف، لا عبر الشعارات، بل بالتكامل السياسي بين القوى الكوردية، وبقرار موحد يعيد التوازن للعلاقة بين بغداد وأربيل. فالغبن الذي تعرض له الإقليم لن يُرفع بالمناشدات الفردية ولا بالمواقف المرتبكة، بل فقط عبر كتلة سياسية كوردية موحدة تتحدث بلغة المصالح العليا، لا الحسابات الحزبية الضيقة.

وهنا، لا بد من القول: إنّ أي مشروع للتقارب بين الحكومة الاتحادية والإقليم يجب أن يُبنى على أسس دستورية واضحة. لا يُمكن القبول بأن تكون حقوق الإقليم – سواء المالية أو السياسية – رهينة مزاجية الجهات النافذة في بغداد. والشعب الكوردي، رغم كل معاناته، لا يزال مستعدًا للصبر إن لمس بجدٍّ أن قياداته تتحرك من منطلق الوحدة الوطنية، لا المناكفة السياسية.

لقد عبّر المواطن الكوردي بالأمس عن فرحه بموقف موحد للكتل السياسية في برلمان كوردستان. فرحٌ يُشبه الاحتفال بيوم وطني، لأنه ببساطة أعاد له بعضًا من الثقة بأن صوته لا يزال له صدى. هذا الشعور يجب أن يتحول إلى طاقة متجددة، تنطلق منها الأحزاب كافة، في اتجاه اجتماع وطني عاجل، يُعقد (ونحن نكتب المقال، ما شاء الله، جاء نداء الاجتماع غدًا، وسيحضره الرئيس مسعود بارزاني ) – بحضور كل الأطراف دون استثناء، من أجل هدف واحد فقط: توحيد الصف الكوردي.

الوحدة المنشودة يجب أن تشمل كل الأصعدة، وأولها الملف العسكري والأمني، الذي بات في أمسّ الحاجة إلى التنسيق المشترك، خاصة في ظل التهديدات المتكررة من الداخل والخارج. أما على الصعيد السياسي، فإن الخطاب الكوردي الموحد بات ضرورة إقليمية، خصوصًا في ظل المتغيرات الدولية، وتزايد النفوذ الخارجي في العراق. الوحدة هنا ليست ترفًا، بل وسيلة دفاع استراتيجي عن الكيان الكوردي وحقوقه المشروعة.

إن من يراقب أداء بغداد في إدارة العلاقة مع الإقليم، سيلاحظ مدى الاستهانة بالحقوق الدستورية. ما نواجهه اليوم من مماطلة وتسويف ليس إلا انعكاسًا لموقف سياسي يعتبر كوردستان مجرد “إقليم تابع”، لا شريكًا دستوريًا. ولهذا، فإن إعادة التذكير بورقة الاستفتاء، ليس كتصعيد بل كورقة ضغط سياسية مشروعة، قد يكون ضروريًا في هذه المرحلة، ضمن إستراتيجية تفاوض جديدة تحترم كوردستان وتُعيد التوازن المفقود.

الواقع يقول إن الشعب الكوردي اليوم لا ينتظر الراتب فقط، وإن كان الراتب حقًّا من حقوقه، بل ينتظر الكرامة. ينتظر أن يرى قادته يتحدثون بصوت واحد، ويتحركون كجسد واحد. لقد سئم من الخطابات المتباينة، والاتهامات المتبادلة، والسياسات المرتبكة. الشعب يريد الاتحاد من الجميع أكثر مما ينتظر “الراتب الرزيل”، لأنه يدرك أن الراتب بلا كرامة ليس إلا منّة، وأن السيادة فوق كل اعتبار.

نحن في لحظة مفصلية من تاريخ كوردستان. إما أن نتوحد ونرسم مستقبلنا بأيدينا، أو نظل أسرى ماضٍ لن يُعيد لنا إلا المزيد من الإقصاء والتهميش.

ولغدٍ ناظره قريب…“غدًا لناظره قريب، لا بالمعنى المألوف في العبارة، بأصل المعنى الذي جاءت به العبارة ؛ لكننا نرمي إلى معنى آخر، فغدُنا اجتماعٌ منتظر، وغدُ الجميع قريب لا بعيد.