
د. ابراهيم احمد سمو
كاتب كوردي
الصراع في الشرق الأوسط يشتد.. وكوردستان في ميزان النار والمصالح

في خضم التهديدات المتبادلة بين القوى الكبرى والإقليمية، يبدو أن المنطقة بأسرها تقف على حافة الهاوية.
الولايات المتحدة تهدد، وإسرائيل تصعّد، وإيران ترد، وكل طرف يشهر سلاحه السياسي والإعلامي وربما العسكري.
لكن وسط هذا المشهد المأزوم، أين نقف نحن؟ وأين يتجه إقليم كوردستان وسط هذه الزوابع المشتعلة؟ وهل نحن أمام احتمال ضربة مفاجئة، خاطفة؟
منذ أيام، تصاعد الخطاب الإعلامي بشكل واضح. لا نقول إن الحرب بدأت، لكننا نؤكد أن كل ما يُقال ويُفعل يدفع نحو إشعال فتيل مواجهة قد تكون قادمة لا محالة.
هناك من يقرأ هذا التصعيد بوصفه ضغطًا أمريكيًا على إيران، لإجبارها على توقيع اتفاق نووي جديد بشروط أكثر صرامة.
وفي المقابل، ترد إيران بتشديد لهجتها، وتكشف عن صناعاتها الحربية المتطورة، وتُعلن عن صواريخ جديدة، في محاولة لرفع سقف التحدي وردع أي تهديد.
لكنّ المقلق في كل هذا أن العراق، وضمنًا إقليم كوردستان، يُزجّان في قلب هذه اللعبة الخطرة.
طهران، عندما تهدد “المصالح الأمريكية في المنطقة”، فإن عينها ليست فقط على القواعد في الخليج، بل أيضًا على مواقع القوات الأمريكية في العراق،
وتحديدًا في إقليم كوردستان والأنبار.
والأدهى من ذلك، أن الحكومة العراقية ذاتها بدأت تنتهج نهجًا أكثر تشددًا تجاه الإقليم، وكأنها تتجاوز كل ما لم تفعله الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية.
إنها تمارس اليوم سياسة ممنهجة لتقويض كيان الإقليم، سياسيًا واقتصاديًا ودستوريًا، وبصورة توحي بأن هناك من يسعى فعليًا لجعل كوردستان “كبش الفداء” في معادلة الصراع الكبرى.
ولذلك، لا ينبغي لأحد أن يستغرب، إذا وقع ما كان في الحسبان: ضربة مفاجئة، ربما سريعة كلمح البصر، تستهدف إيران أو تستهدف أحد أذرعها.
الان أمام إيران أحد خيارين: إما الصمت المدروس، وإما الرد المباشر، وغالبًا سيكون هذا الرد على نقطة تراها ضعيفة أو أقل تكلفة.
ولا ننسى أن إيران، في كثير من مواقفها السابقة، لجأت إلى هذا الأسلوب: تصبّ غضبها في اتجاهات لا تجرّ عليها حربًا شاملة،
لكنها ترسل رسائل لخصومها، من خلال استهداف مناطق رمزية أو حليفة. وفي هذا السياق، لا يُستبعد أبدًا أن تُستهدف القواعد الأمريكية في المنطقة.
وفي رأيي، فإن أي حرب قادمة ستكون دمارًا أكيدًا، لكنها في الوقت ذاته قد تفتح الباب أمام الخروج من هذا القلق المستمر، وهذا التردد السياسي، وهذا الخوف الذي يُخيّم على شعوب المنطقة من الدول المتصارعة.
فحالة اللااستقرار التي نعيشها منذ أكثر من عقدين، منذ سقوط النظام في بغداد، لم تؤدِّ إلا إلى تعقيد الأمور، ولم تُنتج حكومة عراقية تستطيع أن تحتضن الكورد أو السنة أو الشيعة في إطار من التوافق الحقيقي.
بل إن العراق ـ بنظامه الحالي ـ بات ظلًا تابعًا لإيران، يأتمر بأوامرها، وينفذ سياستها، وكل حكومة تتولى الحكم في العراق إنما هي، في العمق، مجرد نسخة مُعدلة من أجندة إيرانية متجددة. وهذه ليست تهمة أو مزاعم، بل حقيقة لم تعد تخفى على أحد، في الداخل أو الخارج، في العراق أو في المحيط الإقليمي والدولي.
وإذا كانت إيران، قبل سنوات، على مشارف إسرائيل، وكانت تهيمن على سوريا ولبنان والعراق عبر وكلائها، فإن اليوم ليس كما الأمس: و سوريا تحاول ان تتاقلم مع الوضع الدولي، لبنان في حال افضل دون حزب الله، وحزب الله لم يعد كما كان، حتى الجنوب العراقي ـ رغم سيطرة الأحزاب الموالية لإيران ـ بات ساحة صراع داخلية، وملاذًا للمليشيات أكثر من كونه دولة.
وما زالت كوردستان، رغم كل هذا، تتعرض لضغط مركّب: من بغداد من جهة، ومن إيران من جهة، ومن حسابات أمريكا والغرب من جهة أخرى.
وفي كل مرة تُركن إلى زاوية الاتهام أو التهديد، وكأنها الحلقة الأضعف، أو الهدف الأسهل.
لكنّ الحقيقة التي يجب أن يُدركها الجميع، أن الإقليم لم يعد ذلك الكيان الهش الذي يمكن زعزعته ببيان أو تهديد، بل هو اليوم رقم صعب في المعادلة، رغم الحصار والتجويع والتشويه الإعلامي، ورغم الخلافات الداخلية التي يجب أن تُعالج بحكمة ومسؤولية.
لذا، علينا نحن الكورد أن نكون أكثر وعيًا في هذه المرحلة، وأن نستعدّ لكل السيناريوهات، لا بتهويل ولا بخوف، بل بحكمة وقراءة دقيقة للواقع. فالخطر قادم، هذا شبه مؤكد، لكن الخوف لا يصنع الأمان، والتردد لا يمنع الضربة.
إن واجبنا اليوم أن نُعبّر بوضوح عن موقفنا، وأن نُحذّر من جعل كوردستان ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، وأن نُطالب كل الأطراف ـ المحلية والدولية ـ بتحمّل مسؤولياتها، لا سيما أولئك الذين ما زالوا يُصرّون على التعامل مع كوردستان كأنها تابعة لا شريك.
وختامًا، فالحروب ليست حلاً، لكنها أحيانًا تضع حدًا لعبثية الاستقرار المزيّف. وقد تكون الحرب القادمة، إن وقعت،لحظة فارقة تفرز فيها المواقف، وتنكشف فيها الأقنعة، ويتبين فيها الصديق من العدو، والحليف من المتربص.