قاسم أمين المفكر التنويري الكوردي المثير للجدل صديق الكبار ومحارب الجهل

يظل إسم المفكر التنويرى قاسم أمين مثيرا للجدل، وبخاصة فى الفكر التنويري، ومحاربة الجهل،وبرغم ما تردد عنه حول تحرير المرأة من العادات المتوارثة ،إلا أنه فى سنواته الأخيرة أكد حرصه على قيم المجتمعات والتقاليد الأصيلة.
يُعد قاسم أمين “1863–1908” أحد أبرز رموز النهضة الفكرية في مصر والعالم العربي في مطلع القرن العشرين، وقد اشتهر بمواقفه الجريئة في الدفاع عن المرأة والدعوة إلى إصلاح المجتمع من خلال التعليم والانفتاح على الحداثة. وبينما يُركز كثير من الباحثين على أفكاره الاجتماعية والتحررية، يغيب عن معظمهم جانب مهم من سيرته الذاتية، وهو أصله الكردي، الذي لعب دورًا خفيًا ومؤثرًا في تشكيل شخصيته وفكره.
ولد قاسم أمين في الإسكندرية عام 1863 لأب كوردي وأم مصرية. والده، "أمين أفندي"، كان ضابطًا في الجيش العثماني ينحدر من مدينة ديار بكر الواقعة في جنوب شرق الأناضول، وهي منطقة ذات أغلبية كوردية تاريخيًا. وعاش فترة من حياته فى السليمانية ، ثم جاء والده إلى مصر في إطار خدمته العسكرية، واستقر بها ضمن موجة من الضباط والمسؤولين العثمانيين الذين توافدوا على مصر خلال القرن التاسع عشر.
ومما ذكر فى كتب قاسم امين أن والده كان واليا لفترة على إقليم كوردستان قبل أن يحل بمصر في عهد الخديوي إسماعيل، حيث تزوج مصرية، أنجب منها ابنهما البكر قاسم أمين في قرية تدعى طَرّة، عام 1863، جنوب القاهرة.
ولكنه أنتقل الى مدينة الإسكندرية، حيث درس تعليمه الابتدائي بمدرسة “رأس التين”، إلى أن انتقلت الأسرة إلى أحد أحياء القاهرة الأرستقراطية، حي الحلمية، الذي استكمل تعليمه في إحدى مدارسه، إلى حين نيله لإجازة مدرسة الحقوق والإدارة عام 1881.
أثر الأصل الكوردي في تكوين الشخصية
من المهم أن نلاحظ أن الأصول الكوردية لم تكن مجرد خلفية عرقية بالنسبة لقاسم أمين، بل كانت جزءًا من هوية ثقافية وحضارية مميزة. فالكورد في الدولة العثمانية عُرفوا بولائهم للمؤسسة العسكرية، وبنَزعَتهم المحافظة في بعض المناطق مقابل انفتاح في مناطق أخرى ذات طابع حضري مثل ديار بكر.
على الرغم من أصوله غير المصرية، تلقى قاسم أمين تعليمًا راقيًا، التحق بالمدارس الحديثة في مصر، ثم أُرسل في بعثة إلى فرنسا حيث درس القانون في جامعة مونبلييه. هذا المسار التعليمي لم يكن متاحًا لعموم المصريين، بل كان مقصورًا على أبناء الطبقات العليا أو المتنفذين في السلطة، وهو ما يشير إلى أن موقع والده في الجيش العثماني قد فتح له أبوابًا لم تكن مفتوحة لغيره.
في فرنسا، تأثر أمين بتيارات التنوير الأوروبي، خصوصًا كتابات فولتير وروسو وكوندورسيه، لكنه لم يذُب فيها، بل حاول أن يُعيد توظيفها في خدمة مجتمعه. وهذه الموازنة بين الانفتاح على الغرب والولاء للشرق هي من سمات المثقف الحداثي "العابر للحدود"، وهو توصيف ينطبق عليه بامتياز، ومن المرجّح أن خلفيته الكردية، كأقلية عابرة للحدود القومية، قد عززت فيه هذا التوجه.
قاسم أمين عاش في زمن لم تكن فيه فكرة "القومية العربية" قد تبلورت بعد، بل كانت الهويات لا تزال تدور في فلك "العثمانية الجامعة". ولكن مع صعود الحركات الإصلاحية والتنويرية في مصر وبلاد الشام، بدأ يتبلور وعي ثقافي جديد يميز بين العربي والعثماني، وبين المصري والأعجمي.
ورغم أصوله الكوردية، لم يكن قاسم أمين موضع تمييز سلبي في الوسط الثقافي المصري، بل كان يُنظر إليه كمثقف منفتح ومتنور، وهذا يعكس مدى تسامح النخبة المصرية آنذاك مع التعدد العرقي والثقافي، خاصة إذا ما اقترن بالكفاءة الفكرية والاستعداد للإسهام في المشروع النهضوي.
لكن هذا لا يعني أن خلفيته لم تكن موضع نظر أو تهميش ضمنيًا، خصوصًا من بعض التيارات التقليدية التي كانت ترى في أفكاره تغريبًا أو خضوعًا لتأثيرات أجنبية. وربما كان ذلك من الأسباب التي جعلته يُتهم "بتقليد الغرب"، لا سيما في كتابه الشهير "تحرير المرأة" “1899”، و"المرأة الجديدة" “1900”.
أثر الهوية المركّبة على أطروحاته
اللافت في فكر قاسم أمين أنه لم يكن يطرح نفسه كمصلح ديني أو قومي، بل كمثقف عقلاني يؤمن بضرورة الإصلاح الاجتماعي والتربوي. لم ينطلق من مرجعية دينية ضيقة، بل من قيم إنسانية وأخلاقية تتجاوز العِرق والجنس والدين.
ويجدر التأمل هنا: هل كان بمقدوره تبني هذا الخطاب، لو لم يكن يحمل هوية مزدوجة تجعله أقرب إلى "الوسيط الحضاري" لا "الناطق باسم الأغلبية"؟ إن أصله الكوردي، وربما شعوره الداخلي بالمسافة النسبية عن المجتمع، ساعداه في طرح أسئلة حساسة، من مثل: لماذا تعاني المرأة المسلمة من القيود، رغم أن الإسلام لم يفرضها؟ لماذا يتقدم الغرب ويتخلف الشرق؟ ولماذا نُقدّس التقاليد بدلاً من مراجعتها؟
دخل قاسم امين معارك فكرية وشخصية عديدة ، وكان منها أنه استنكر في كتابه – المصريون – خطة بعض السيدات المصريات اللائى يتشبهن بالأوربيات فتم الوشاية به لدى الأميرة نازلي وأنه يقصدها هي بشخصها، وأنه يذم النساء وبخاصة من تقلدن الإفرنجيات ويسرن سيرتهن لأنه لم يكن في نساء مصر آنذاك من يتشبه بالنساء الأوربيات غيرها ،هي الوحيدة التي تختلط بالرجال وتجالسهم في صالونها الذي افتتحته آنذاك ليكون مركزاً تبث منه الدعوة إلى التغريب عامة وإلى "تحرير المرأة" خاصة
غضبت الأميرة مما فعله قاسم أمين وقالت للشيخ “ محمد عبده “ قولاً شديداً بعد أن هددت وتوعدت وقد أشير إلى جريدة “ المقطم “ لسان حال الإنجليز في مصر في ذلك الوقت – أن تكتب ست مقالات تتعقب آراء قاسم أمين في كتابه “ المصريون “ وتفند أخطاءه في دفاعه عن الحجاب واستنكاره الاختلاط بين الجنسين ولكن لم تلبث هذه الحملة أن ألغيت بعد أن اقتنع قاسم أمين بضرورة تصحيح.
كان قاسم قاضيا وكاتبا وأديبا فذا ومصلحا اجتماعيا، اشتهر بأنه زعيم الحركة النسائية في مصر كما اشتهر بدفاعه عن الحرية الاجتماعية وبدعوته لتحقيق العدالة وإنشائه الجامعة المصرية وبدعايته للتربية في سبيل النهضة القومية، ودعا لتحرير اللغة العربية من التكلف والسجع فقد كان أديبا مغوارا ولكن أحدا لم يتفق معه على التحرر من حركات الإعراب فماتت دعوته في رحم الكلمة.
وفي 23 أبريل سنة 1908، رحل قاسم أمين ، بعد أن ساهم في إثراء الثقافة الأدبية والفكرية.