عائلات وأحياء كوردية ..تاريخ محفور فى شوارع وبيوت مصرية

عائلات وأحياء كوردية ..تاريخ محفور فى شوارع وبيوت مصرية
عائلات وأحياء كوردية ..تاريخ محفور فى شوارع وبيوت مصرية

وجود الكورد في مصر لم يكن حضورا عابراً أو هامشيًا؛ فالحقيقة أن لهم جذورًا ضاربة في أعماق التاريخ المصري، تمتد من العصور الوسطى وحتى اليوم، ولا تتجلى فقط في الأسماء البارزة ذات الأصول الكوردية، بل في النسيج الاجتماعي والعمراني ذاته، من خلال الأحياء والعائلات التي حملت الطابع الكردي في شتى أنحاء البلاد.

جاء الحضور الكوردي الأكبر والأكثر تنظيمًا إلى مصر مع السلطان صلاح الدين الأيوبي (1138–1193م)، مؤسس الدولة الأيوبية، وهو كوردي من عشيرة الروادية. لم يأتِ صلاح الدين بمفرده، بل اصطحب معه نُخبة من القادة والجنود والعلماء الكورد، وأسند إليهم مناصب مهمة في الجيش والإدارة. وقد أسس هذا التداخل السياسي والعسكري لبنية اجتماعية كردية في مصر، امتدت آثارها لاحقًا إلى الثقافة والحياة العامة

 القلعة خير شاهد على تاريخ الكورد فى مصر 

تعد قلعة صلاح الدين الأيوبي خير دليل على عراقة وأصالة المعمار الكوردي فى مصر إذ شرع صلاح الدين الأيوبي في تشييد قلعة فوق جبل المقطم في موضع كان يعرف بقبة الهواء. ولكنه لم يتمها في حياته. وإنما أتمها السلطان الكامل بن العادل. فكان أول من سكنها هو الملك الكامل واتخذها داراً للملك. واستمرت كذلك حتى عهد الخديوي إسماعيل.

و في الضلع الغربي للقلعة، يوجد الباب المدرج وفوقه كتابة تشير إلي بناء هذه القلعة، ونصه ” بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بإنشاء هذه القلعة الباهرة، المجاورة لمحروسة القاهرة التي جمعت نفعاً وتحسيناً وسعة على من التجأ إلى ظل ملكه وتحصيناً، مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين، أبو المظفر يوسف بن أيوب محيي دولة أمير المؤمنين في نظر أخيه وولي عهده، الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد خليل أمير المؤمنين، علي يد أمير تعد قلعة صلاح الدين الأيوب وسبعين وخمسمائة “.

و حفر صلاح الدين في القلعة بئراً يستقي منها الجيش وسكان القلعة إذا مُنع الماء عنها عند حصارها. وهي أعجب ما تم من أعمال لأن البئر محفور في الصخر بعمق 90 متر من مستوي أرض القلعة، وهذا يتطلب جهد كبير في ذلك الوقت.

تعتبر قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة من أفخم القلاع الحربية التي شيدت في العصور الوسطى فموقعها استراتيجي من الدرجة الأولى بما يوفره هذا الموقع من أهمية دفاعية لأنه يسيطر على مدينتي القاهرة والفسطاط، كما أنه يشكل حاجزاً طبيعياً مرتفعاً بين المدينتين كما أنه بهذا الموقع يمكن توفير الاتصال بين القلعة والمدينة في حالة الحصار كما أنها سوف تصبح المعقل الأخير للاعتصام بها في حالة إذا ما سقطت المدينة بيد العدو

 

 العائلات الكوردية 

استقرت العائلات الكوردية في قلب القاهرة، لا سيما في المناطق القريبة من القلعة، مثل الفسطاط والمنيل والقرافة، حيث تعايشوا وامتزجوا بالمجتمع المصري. وعلى الرغم من أن أسماء هذه المناطق لم تحتفظ في معظمها بالدلالة الكردية بمرور الوقت، فإن الذاكرة الجمعية لأهلها تحتفظ بهذا الارتباط .   

أحياء وقرى ذات جذور كوردية

لا تزال بعض الأحياء والقرى في مصر تحتفظ بأسماء أو ملامح تدل على أصلها الكوردي. من أبرزها حي الجعافرة في صعيد مصر، والذي يوجد في أكثر من محافظة، منها أسوان وسوهاج والقليوبية. ينسب بعض السكان الجعافرة إلى الإمام جعفر الصادق، إلا أن فروعًا منهم يُعتقد أنها جاءت من الشام ضمن جيوش صلاح الدين، وتحمل أصولًا كوردية.

ومن القرى الشهيرة أيضًا قرية دهروط في محافظة أسيوط، التي يؤكد أهلها أن لها جذورًا كوردية أو تركمانية، وهو ما يرجحه بعض الباحثين لغويًا من خلال التشابه مع أسماء قرى في الشام والأناضول

وفي القاهرة الفاطمية، كانت هناك منطقة تُعرف باسم (درب الأكراد) أو (حارة الأكراد)، قرب القلعة، إلا أن هذه الأسماء اختفت تدريجيًا مع تطور العمران، ولم تعد معروفة رسميًا اليوم، لكن بعض المصادر التاريخية توثق وجودها

كما أن بعض المناطق الريفية سُميت على أسماء عائلات كوردية استقرت بها، مثل عائلة الكوردي المنتشرة في محافظات الشرقية والدقهلية، وعائلة الروبي الكوردي، التي تحور اسمها في بعض المناطق إلى "الروبي"

عدة عائلات مصرية معروفة تُنسب إلى أصول كوردية، ومن أبرزها عائلة الكوردي: تنتشر في محافظات الشرقية والدقهلية والقاهرة، وتُعد من أقدم العائلات ذات الأصول الكوردية في مصر

عائلة الروبي (الكوردي): تعود أصولها إلى كورد قدموا مع الحملات الأيوبية، وتحور اسمها مع الزمن منها ،عائلة الأيوبي: لا تزال حاضرة في الحياة العامة، مثل المطربة عايدة الأيوبي، ويحمل أفرادها اسمًا تاريخيًا يرتبط بالدولة الأيوبية

وبعد مرور أكثر من 800 عام، فإن بقاء اسم "الأيوبي" في بعض العائلات المصرية، خاصة المرتبطة بتاريخ ديني أو عسكري، يُعد مؤشرًا قويًا على انحدارهم الرمزي أو الفعلي من نسل صلاح الدين. إذ أن صلاح الدين نفسه أنجب عددًا من الأبناء، وأن بعض أحفاده حكموا في بلاد الشام ومصر، قبل أن تنتهي الدولة الأيوبية مع دخول المماليك. استقرت بعض الفروع في مصر بعد سقوط الحكم، وذابت في المجتمع مع مرور الوقت.

وحتى مع مرور الوقت أصبحت الأسماء تتخذ من نسله، حيث الأبناء والأحفاد توارثوا الحكم فيما بعد، مثل الملك العزيز عثمان، وهو الابن الذي خلف صلاح الدين في حكم مصر، ويمكن اعتباره أبرز سليل مباشر. وبعده الملك الكامل، من نسل شقيق  صلاح الدين، وكان من أبرز حكام الدولة الأيوبية، وفي العصر الحديث، لا يوجد حفيد موثق سياسيًا أو رسميًا لصلاح الدين الأيوبي، لكن عائلات تحمل اسم "الأيوبي" ما زالت موجودة في مصر وسوريا والأردن

ومن العائلات ،عائلة الأتربي: هناك روايات تربط أحد فروعها بأصول كوردية جاءت مع الجيوش الأيوبية، وإن كانت هناك آراء تنسبها أيضًا إلى أصول عربية

ألقاب وأسماء من الجذور الكوردية

تشير بعض الدراسات إلى أن أسماءً وألقابًا شخصية في مصر لها جذور كوردية واضحة، منها ، شاذي: وهو اسم والد صلاح الدين الأيوبي، ويُستخدم في بعض الحالات كلقب.

أيوب: رغم أنه اسم عربي الأصل، فإن ارتباطه بالعائلة الأيوبية جعله يحمل دلالة كوردية في السياق المصري

ديندار: اسم كوردي شهير يعني "الحافظ للدين" أو "المتدين"، وقد استخدم في فترات مختلفة كلقب شرفي

وعلى الرغم من أن الوجود الكوردي في مصر ارتبط غالبًا بالنخب الحاكمة والعسكرية، ولم يُترجم إلى أسماء أحياء صريحة كما هو الحال في الشام أو العراق، فإن أثره باقٍ في المجتمع من خلال العائلات، والأسماء، والقرى، وحتى الذاكرة الشعبية.

ويمكن القول إن الحضور الكوردي في مصر ظل مستمرًا ومتجذرًا، وإن لم يكن دائمًا ظاهرًا في الطابع العمراني أو التسميات الرسمية. ومع ذلك، فإن الأثر الكوردي لا يزال حاضرًا في عمق النسيج المصري، يؤكده التاريخ، وترويه الأحياء، وتحمله العائلات من جيل إلى جيل.