
د. ابراهيم احمد سمو
كاتب كوردي
صناديق الاقتراع لا تعترف بالمجاملات… من هو الفائز الحقيقي؟

مع اقتراب موعد الانتخابات، تتكرر مشاهد التوتر والجدل، ويتحول النقاش العام نحو القوائم الانتخابية التي تعلنها الأحزاب، وكأن تلك القوائم صادرة عن إرادة فردية أو رغبة شخصية! بينما الحقيقة أن تلك الأسماء هي خلاصة مسارات تنظيمية داخل الحزب، تبدأ من القواعد والمراكز، وتُراجع في المكاتب والفروع، ثم تُصادق عليها في اللجان العليا. فهل يُعقل أن تمر كل هذه المراحل التنظيمية، ثم يُحمّل الحزب أو شخص معين وحده مسؤولية الاختيار؟
الأكثر إيلامًا أن بعض القياديين أو الكوادر الحزبيين الذين التزموا الصمت عند إعداد القوائم، ولم يسجلوا اعتراضًا يُذكر، يعودون بعد إعلان الأسماء ليشككوا فيها أو يهاجموها، وكأنهم لم يكونوا جزءًا من المسار الذي أنتجها! بل في أحيان كثيرة، هم أنفسهم من وقّعوا على اعتماد تلك الأسماء، أو سكتوا عن تمريرها حين كان صوتهم مؤثرًا. وهذه المفارقة تكشف خللًا عميقًا في آليات العمل التنظيمي، وتضعف الثقة بالعملية كلها.
بالنسبة لي، لا أعترض على أسماء بعينها، فكل مرشح له الحق في الترشح ما دام القانون يسمح له، لكنني أنظر إلى المسألة من زاوية واقعية محضة: هل يمتلك هذا المرشح قاعدة انتخابية حقيقية تؤهله للفوز؟
المرشح الجاد يجب أن يمتلك، قبل خوض السباق، ما لا يقل عن أربعة إلى خمسة آلاف صوت مضمون، سواء أتى بها من خلال خدمته الاجتماعية، أو موقعه المهني، أو نشاطه السياسي، أو ما قدمه من عطاء ملموس في مجتمعه. قد يكون معلمًا علّم أجيالًا، أو طبيبًا خدم الناس بتواضع، أو مهندسًا ساهم في مشاريع حيوية، أو ناشطًا متواصلًا مع الناس بأدبه وخلقه وصدقه.
أما من يخوض الانتخابات دون سند جماهيري واضح، معتقدًا أن العواطف والمجاملات ستحسم النتيجة لصالحه، فهو واهم. فالصندوق الانتخابي، في لحظة الاقتراع، يخلط كل الحسابات. من يقول لك “نعم” في العلن، قد لا يمنحك صوته في الخفاء. طلابك الذين يصفقون لك في القاعة قد لا يمنحك سوى العُشر من أصواتهم، وأقرباؤك الذين يحيطونك بالثناء قد يمنحونك وعودًا أكثر من الأصوات. فالأرقام لا تكذب، ومن أراد أن يفوز، عليه أن يقرأ الأرقام لا المجاملات.ومن المؤسف أن نرى، أحيانًا، مرشحين يمتلكون قاعدة جماهيرية صلبة، ويُطلب منهم الانسحاب لصالح آخرين أقل وزنًا وشعبية، بحجة التوازنات أو الاعتبارات الحزبية. وهذا خطأ استراتيجي جسيم، يشبه إقصاء الحصان الرابح من السباق، والمراهنة على حصان مجهول لا يُعرف إن كان يصل إلى خط النهاية. فمن يمتلك الرصيد الشعبي والاحترام العام، لا يجوز تجاهله تحت أي ذريعة.
المرشح القوي في بيئتنا، التي لا تزال متأثرة بالهياكل العشائرية والاجتماعية، يحتاج إلى ثلاث دوائر دعم مترابطة:
1. ما لا يقل عن5000 صوت شخصي نابع من رصيده الاجتماعي والمهني وخدمته للناس.
2. 5000 صوت من الأقرباء الذين يمثلون دعمه الطبيعي الأول.
3. 7000 صوت من العشيرة التي ينتمي إليها، وتراه ممثلًا لها.
4. 3000 صوت إضافي من المعارف الأوسع والمواقف العامة والتأثير الإعلامي.
أي أن مجموع الأصوات الذي يؤهّل مرشحًا للفوز المريح يتجاوز ال 20000 ألف صوت، ولا يُمكن بلوغه إلا إذا توفرت في المرشح صفات حقيقية، منها:
• الجماهيرية الواقعية المبنية على الفعل لا الادعاء.
• القدرة على التعبير عن هموم الناس بلسان فصيح وجريء.
• الكتابة والتواصل الفكري عبر القلم والمواقف، بما يعزز حضوره خارج دائرته.
• الرزانة والحكمة في المواقف، بعيدًا عن الانفعالات والاندفاعات.
• الامتداد العشائري أو العائلي، كقاعدة دعم لا يمكن تجاهلها.
• التمويل المشروع للحملة الانتخابية، لأن العمل الانتخابي يحتاج دعمًا حقيقيًّا.
• القبول العام خارج نطاق العشيرة، لمن أراد أن يكون مرشحًا وطنيًا لا عشائريًا فقط.
في المقابل، قد يظهر من يملك المال أو الدعم من جماعات نافذة، و لا يملك هو بل اهله يملكون قاعدة شعبية حقيقية. هؤلاء قد يحققون فوزًا لحظيًّا، لكنهم يظلون مرشحي موسم، لا مشروعًا طويل الأمد، ويغيبون عند أول اختبار سياسي أو مجتمعي حقيقي.إن الفائز الحقيقي ليس من يرد اسمه في القائمة، بل من صنع اسمه قبل القائمة، من بنى جسرًا من الثقة بينه وبين الناس، من تميز بالمواقف لا بالشعارات، من خدم بصمت ثم نطق الناس باسمه. الانتخابات ليست مسابقة علاقات عامة، بل امتحان عميق للرصيد الشعبي.فصناديق الاقتراع لا تعترف بالمجاملات، ولا تصغي للخطابات المنمقة. إنها تنطق بلغة واحدة: "من لا يملك الجماهير، لن يملك المقاعد"