عائشة التيمورية... الأديبة الكوردية التي سبقت عصرها

من أهم العائلات التي أثرت فى التاريخ المصري عائلة "التيموريين الكورد" هذه العائلة استقرت في مصر وكانت تنتمي أو تنتسب، بطريقة مباشرة أو رمزية، إلى سلالة أو ثقافة ارتبطت بالحكم التيموري، ومن أبرز من حمل هذا اللقب في السياق المصري الحديث هي أسرة "التيموري"، وهي عائلة ذات أصول كوردية ، لعب بعض أفرادها دورًا مهمًا في الحياة الثقافية والفكرية في مصر خلال القرن التاسع عشر، خاصة في ظل حكم الأسرة العلوية.
فمن أعمدة تأسيس الدولة المصرية الحديثة، الأسرة الكردية التي تعود أصولها إلى أحدى قرى جنوب كردستان ، وهو ما ينعكس على مدفن الأسرة والذي تمتلئ بالعديد من اللآلئ المضيئة المدفونة في أرض أحد المدافن ويعلوه شواهد ممهورة بقطع أدبية من ابداع نجوم الأسرة .
تنتمي عائلة التيموري إلى جذور كردية، وجاء بعض أجدادهم إلى مصر في عهد محمد علي باشا، كضباط في الجيش أو رجال إدارة،استقرت الأسرة في مصر واحتلت مكانة اجتماعية مرموقة، ودخل أفرادها في جهاز الدولة.
ومن أبرز الشخصيات التي يعرقها من درسوا او بحثوا فى التاريخ المصري وبخاصة تاريخ الكرد فى حياة المصريين ، إسماعيل باشا التيموري، وقد كان ضابطًا في الجيش المصري، ومن ذوي المكانة الاجتماعية الرفيعة.
أما الشخصية التي عرفت بأن لها باع وتاثير كبير فى الحياة الإجتماعية فهي الأديبة والكاتبة والشاعرة عائشة التيمورية (1840–1902): ابنة إسماعيل باشا التيموري، وتُعد من رائدات الأدب النسوي في مصر والعالم العربي. كتبت باللغات الثلاث،العربية والتركية والفارسية، وكان لها اهتمام بقضايا المرأة والتعليم.

ولدت عائشة في أسرة "تيمور"، وهي أسرة أرستقراطية ذات أصل كُوردي شركسي، إذ ينتمي والدها، إسماعيل باشا التيموري، إلى أصول كوردية من منطقة شمال العراق أو شرق الأناضول، جاء إلى مصر ضمن حاشية الحكم العثماني، واستقر بها وأصبح أحد رجالات الدولة. وقد أسهم هذا الأصل في تشكيل وعي عائشة التيمورية بهوية متعددة، جمعت بين التراث الشرقي العثماني، والانتماء المصري، والجذور الكوردية العريقة. ومما يُعزز ذلك هو أن اسم العائلة نفسه – "تيمور" – منتشر في مناطق كوردية، وينسب إلى أصول تركمانية وكوردية اختلطت ثقافيًا في سياق الدولة العثمانية.
وكثيرا ما كتبت عن كوردستان ، وعن جذورها وعائلاتها، وعبّرت عن فخرها بها، كما كانت تربط بين وعيها بالهوية والتراث الشرقي والعدالة الاجتماعية.
وكانت عائشة التيمورية على صلة بتيارات الإصلاح والتعليم، وكانت من أولى النساء اللواتي قدمن نموذجًا للمثقفة المدافعة عن حقوق المرأة، وهو أمر غير مألوف في عصرها.
وقد لا يعرف كثيرون أن تلك العائلة تأصلت وأثرت كثيرا على المجتمع الأدبي المصري والعربي ، فعائلة التيموريين جاءت من بلاد ما وراء النهر، ومن ثم استقرت في مصر، وكان الجد الأكبر ضابطًا في جيش الدولة العثمانية. وقد ذكر إسماعيل باشا أن أجداده من الكُرد الذين خدموا في الجيوش العثمانية، ما يعكس الخلفية الكردية للأسرة، والتي لم تكن حاجزًا أمام انخراطهم في الحياة السياسية والثقافية في مصر.
عائشة التيمورية نفسها لم تُخفِ يومًا فخرها بهذه الجذور الكردية، رغم أنها نشأت في بيئة مصرية أرستقراطية تتحدث التركية والعربية والفارسية، وأسهمت في الحركة الأدبية والفكرية بشكل واسع في القرن التاسع عشر، وخصوصًا في الدفاع عن حقوق المرأة.
ومن دلائل اعتزازها بأصولها وتاريخها العائلي، ما كتبته في بعض رسائلها ومقدمات دواوينها، حيث كانت تُشير إلى "البيت التيموري" وفضله، وتفخر بأنها تنتمي إلى أسرة ذات مقام علمي وأدبي، ومنسجمة مع الثقافة العثمانية. وقد ورد هذا الاعتزاز في مقدمة بعض دواوينها، كـ"نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال"، وأيضًا في المراسلات التي جمعها شقيقها "أحمد تيمور باشا".
بدأت عائشة التيمورية رحلتها في عالم الفكر والأدب منذ صغرها، وتعلمت اللغة التركية والفارسية والعربية، وهي اللغات التي كانت تُستخدم في البلاط العثماني ودوائر الحكم والثقافة الرفيعة. وقد كتبت شعرها باللغة العربية أولاً، ثم انتقلت إلى الشعر التركي والفارسي، ما يدل على تعددية لغوية تعكس خلفيتها الثقافية المركبة.
لم تكن عائشة مجرد شاعرة رقيقة، بل كانت مفكرة جريئة دافعت عن حقوق المرأة، وانتقدت القوالب الاجتماعية التي كبّلت النساء. ويُعد كتابها "مرآة التأمل في الأمور" وديوانها الشعري من أبرز ما كتبته، حيث حملت أفكارها نبرة إصلاحية مدهشة لعصرها، ودعت إلى تعليم النساء، وتحرير عقولهن، والمساواة في الحقوق.

مكانتها في التاريخ الكوردي والعربي
من المهم إعادة قراءة عائشة التيمورية في ضوء انتمائها الكوردي، ليس فقط لتأكيد التنوع الثقافي في مصر والعالم العربي، بل أيضًا لإبراز إسهامات أبناء القوميات غير العربية في النهضة الفكرية العربية الحديثة. فقد مثّلت عائشة صوتًا مثقفًا واعيًا، تجاوز الأطر القومية الضيقة، وانفتح على قضايا الإنسان عمومًا، والمرأة بشكل خاص.
وربما يكون من الإنصاف أن تُدرج عائشة التيمورية ضمن أعلام الثقافة الكوردية أيضًا، جنبًا إلى جنب مع أعلام مثل أحمد خاني وجكرخوين، فبصمتها في الدفاع عن المرأة والتعليم والتنوير تجعل منها رمزا عالميًا سبق عصره.
عائشة التيمورية لم تكن مجرد شاعرة كلاسيكية، بل كانت امرأة تحمل في داخلها تعددًا هوياتيًا فريدًا: امرأة مصرية كوردية، تنتمي إلى طبقة أرستقراطية، لكنها استخدمت امتيازاتها في خدمة قضايا المجتمع، خاصة قضايا النساء. لقد آن الأوان لاستعادة هذا البعد الكوردي في شخصيتها وتاريخها، بوصفه أحد مفاتيح فهم عالمها الواسع، وللإضاءة على حضور الأكراد في المشهد الثقافي المصري والعربي الحديث.
ومثلما تعهدت أخاها أحمد تيمور بالرعاية الأدبية، تكفلت كذلك بالإشراف على نجليه محمد ومحمود تيمور، فجعلت من الأول رائدا للكتابة المسرحية وصاحبا لأول قصة قصيرة في أدبنا العربي، قبل أن يكمل شقيقه محمود وضع أسس الكتابة القصصية نظرا لوفاة شقيقه المباغتة فى ريعان شبابه.
وكانت تعتبر درة تاج العائلة التيمورية واسمها عائشةعصمت بنت اسماعيل باشا ابن محمد كاشف تيمور، وتصنف بأنها رائدة النهضة الأدبية النسوية ،تزوجت من محمد توفيق بك الاسلامبولي سنة ١٨٥٤ ورزقت بولدين محمود وتوحيده التي توفيت في ربيع العمر وبقيت عائشة تبكيها سبع سنوات متواصلة فانتقلت معه إلى الأستانة 1271 هجرية وتوفى والدها عام 1882 وبعده زوجها سنه 1885 وعادت الى مصر على الأدب ونشرت مقالات في الصحف وعلت شهرتها وهي شقيقة العلامة أحمد تيمور باشا.
قرضت الشعر ولها من العمر 13 سنة ،قرأ شعرها والدها القوي المتحرر الذي سهر عليها وشجعها لتتفتح براعمها الشعرية حيث لها أربع دواوين منها "حلية الطراز" وهو ديوان شعرها العربي الذي يحمل توقيع عائشة .
توفيت في القاهرة في 25 مايو 1902 قال عنها نيبال الحاج لم يعرف الأدب العربي خلال القرن التاسع عشر أديبة شجاعة تحملت مسؤولية الدفاع عن المرأة العربية كعائشة التيمورية .

من ديوان عائشة التيمورية "بيد العفاف أَصون عز حجابي"
العفاف أَصون عز حجابي
وِبِعِصمَتي أَسمو عَلى أَترابي
وَبِفِكرَة وَقادَة وَقَريحة
نَقادَة قَد كَمَلَت آدابي
وَلَقَد نَظَمت الشِعرَ شيمَة مَعشَر
قَبلى ذَوات الخُدور وَالاِحساب
ما قُلتُه الافكاهة ناطِق
يَهوى بَلاغَة مَنطِق وَكِتاب
فَبِنِيَّة المهدى وَلَيلى قُدوَتي
وَبِفِطنَتي أَعطي فَصل خطابي
لِلَّهِ در كَواعِب منوالها
نَسج العُلا لِعَوانِس وَكِعاب
وَخَصَّصَت بِالدُر الثَمين وَحامَت ال
خَنساء في صَخر وجوب صِعاب
فَجَعَلَت مِرآنى جَبين دَفاتِري
وَجَعَلَت من نقش المداد خضابي
كم زَخرَفَت وَجنات طرسى أَنملى
بعذار خط أَواهاب شَباب
وَلَكُم زها شَمع الذكا وَتَضوعَت
بِعَبيرِ قَولى رَوضَة الاِحباب
منطقت ربات اِلَيها بِمَناطِق
يَغبطها في حضرتي وَغِيابي
وَحَلَّلَت في نادى الشُعور ذَوائِبا
عَرَفت شَعائِر ما ذو الاِنساب
عوذت مِن فِكري فُنون بَلاغَتي
بِتَميمَة غَرا وَحرز حِجاب
ما ضَرَّني أَدبي وَحُسنُ تَعَلُّمي
الا يَكونى زَهرَة الاِلباب
ما ساءَني خدري وَعَقد عِصابَتي
وَطَرازُ ثَوبي وَاِعتِزاز رَحابي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ