علماء ومشايخ كورد في مصر حضور روحي يدعمه الأزهر الشريف

علماء ومشايخ كورد في مصر حضور روحي يدعمه الأزهر الشريف
علماء ومشايخ كورد في مصر حضور روحي يدعمه الأزهر الشريف

يعد الأزهر الشريف خير شاهد على علاقة الكرد القوية عبر التاريخ بمصر، بل وهم من أوائل الشعوب التي وجدت من الأزهر الشريف مدرسة علمية أصيلة ، وتخرج فيه علماء أكراد كثر، منهم محمد أمين بن فتح الله الكردي الإربلي توفى فى عام 1914، فقيه شافعي وصوفي كُردي عراقي عثماني عاش معظم حياته في مصر الخديوي. ولد في أربيل بإيالة شهرزور العثمانية، ونشأ بها. تلقى علومه على علماء بلده وأخذ الطريقة النقشبندية، ثم هاجر إلى حجاز وانتسب إلى المدرسة المحمودية في المدينة. وبعدها سكن مصر فاشتغل بالتدريس والتأليف، ونشر الطريقة النقشبندية‌ واتخذ من خانقاه بيبرس الجاشنكير مقرًا، وله مؤلفات كثيرة في التصوف والفقه المذاهب الأربعة، أشهرها «تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب»

ومن دلائل تلك العلاقة المتبادلة ما تم فى عام 2008، حيث افتُتح معهد أربيل الأزهري في كردستان العراق، تابع للأزهر، بهدف إعداد طلبة بدرجة بكالوريوس ثم إتاحة الفرصة لهم للمرحلة العليا في القاهرة، وتخصيص 25 مقعدًا سنويًا حسب تقارير شيخ الأزهر أحمد الطيب 

وقد وصل عدد خريجي المعهد الدارسين في جامعة الأزهر إلى أكثر من 70 طالبًا يعملون في التخصصات المختلفة، وينشطون في المؤتمرات والمجالس العلمي

 وفي 16 مارس 2021، سلّم وزير الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كردستان، بشتيوان صادق، دعوة رسمية من رئيس وزراء الإقليم مسعود البرزاني إلى شيخ الأزهر، لزيارة كردستان، والتباحث بشأن التعاون الديني والعلمي. 

خلال اللقاء، أثنى صادق على دور الأزهر المعتدل في نقل تعاليم الإسلام الصحيحة إلى العالم، وركز على موضوع الطلاب الأكراد الدارسين بالأزهر، وقدَّم ملفاً عن هذا الملف الهام .

وقد لعب الأزهر دورًا رئيسًا في تعليم اللغة العربية لطلاب كردستان، ومن أبرز شواهد الحضور الكردي  فى مصر ما عرف ب "رواق الأكراد" الذى تاسس داخل الجامع الأزهر في العصر العثماني، وهو أحد الأروقة المخصصة لإقامة الطلاب غير المصريين. استقبل هذا الرواق طلابًا من كردستان العراق وسوريا وتركيا وإيران، حيث كانوا يتلقون العلم على أيدي كبار الشيوخ دون تمييز، ويعيشون ضمن بيئة علمية منفتحة.

وقد أسهم هذا الانخراط في تكوين جيل من العلماء الكرد الذين عُرفوا بوسطيتهم، وساهموا لاحقًا في نشر العلوم الإسلامية في بلادهم، عبر تأسيس المدارس والزوايا، وترجمة كتب الفقه والتفسير من العربية إلى الكردية.

 

أعلام كردية تألقت في مصر

برز عدد من العلماء الأكراد الذين تتلمذوا في الأزهر، وكان لهم أثر بارز في البيئة الدينية داخل مصر وخارجها، منهم:

الشيخ عبد الله بن عمر الكردي الشافعي (ت 1130هـ): أحد كبار علماء الأزهر، وشيخ رواق الأكراد، تميز بمنهجه الوسطي وحرصه على التقريب بين المذاهب، وكانت دروسه في الفقه والتفسير من الأوسع حضورًا.

الشيخ خليل الحنفي الكردي: من كبار علماء الشريعة في الأزهر، وتتلمذ على يديه طلاب من مصر والسودان والشام، وقد ترك أثرًا في نشر الفقه الحنفي في أوساط متعددة.

الشيخ عبد الكريم المدرّس (1918–2005): يُعرف بلقب "شيخ علماء الكرد"، درس لفترة في الأزهر وتأثر بشيوخه، وكان له دور كبير في نشر ثقافة التسامح بين العرب والأكراد، وكتب بالعربية والكردية في الفقه واللغة والتصوف.

الشيخ خالد النقشبندي الكردي (ت 1827م): من أبرز مشايخ الطريقة النقشبندية، جاء من كردستان العراق إلى مصر في العصر العثماني، وأسهم في نشر التصوف السني، لا سيما في الصعيد والدلتا، وكان له أتباع امتد تأثيرهم في مصر وبلاد الشام.

الشيخ علي كردي النقشبندي: من أصول كردية مصرية، استقر في محافظة الشرقية، وأسس عدة زوايا للطريقة النقشبندية، وعُرف بجهوده في التعليم الديني والعمل الخيري.

الشيخ مصطفى الكردي الأزهري (معاصر): وُلد لأب كردي من سوريا، وتلقى تعليمه في الأزهر حتى نال الدكتوراه، وله مؤلفات في الفكر الإسلامي، ويشارك في مؤتمرات لحوار الأديان، ويدعو إلى جعل التنوع العرقي عامل وحدة لا فرقة.

 

لم يكن الأزهر نهاية المطاف لرحلة هؤلاء العلماء، بل كان منطلقًا لحركة علمية راجعة نحو كردستان، حيث أسس كثير من خريجيه مدارس دينية، وزوايا صوفية، ونشروا منهج الأزهر الوسطي في بيئات ذات تركيبة مذهبية معقدة.

وقد ساهم بعضهم في ترجمة كتب التراث الإسلامي من العربية إلى الكردية، مما عزز الفكر الإسلامي المعتدل في أوساط الأكراد، وقلّص من حدة الانقسامات الطائفية.

 ومما اكدته الشواهد هو أن أثر العلماء الأكراد لم يقتصر على التدريس أو التأليف، بل امتد إلى الحياة الصوفية. 

وقد اندمجت الروح الكردية مع المزاج المصري داخل الطرق الصوفية، خصوصًا النقشبندية والقادرية. ولا تزال بعض الزوايا التي أسسها شيوخ أكراد قائمة حتى اليوم، تُحيي الموالد وتُدرّس المتون وتقدم خدمات اجتماعية.

 

وكان لهذا الامتزاج أثره في تعميق مفاهيم الزهد والتزكية والربط بين العلم والعمل، وهو ما يميز التصوف المصري في عمقه الشعبي.

لم يقتصر دور الأزهر على التعليم، بل شارك أيضًا في الدفاع عن القضايا الكردية المعاصرة، خاصة في أوقات الأزمات. فقد عبّر الإمام الأكبر د. أحمد الطيب عن تضامنه مع أكراد العراق وسوريا في مواجهة الإرهاب والتهجير، مؤكدًا على وحدة الأمة الإسلامية واحترام التنوع العرقي.

وبرغم هذا الحضور العميق، لم تحظَ سِيَر العلماء الأكراد في مصر بالتوثيق الكافي. ويعود ذلك إلى اندماجهم الكامل في المجتمع المصري، وابتعادهم عن الخطاب القومي أو العرقي، ما جعلهم يُعرفون بصفاتهم العلمية لا بأصولهم الإثنية.

غير أن تصاعد الاهتمام بقضايا الهوية والتنوع يدفع اليوم إلى ضرورة إعادة الاعتبار لهذه الشخصيات، التي شكّلت جسورًا ثقافية وروحية بين مصر وكردستان، وأسهمت في إثراء العقل الديني المصري، بهدوء وعمق.