الشقيقان وانلي: جسّدا أول حضور كوردي في تاريخ الفن التشكيلي المصري

الشقيقان وانلي: جسّدا أول حضور كوردي في تاريخ الفن التشكيلي المصري
الشقيقان وانلي: جسّدا أول حضور كوردي في تاريخ الفن التشكيلي المصري

كثيرون لايعلمون أن هناك شخصيات كردية أبدعت فى مجالات مختلفة مثل الفن التشكيلي بمصر،وأن اثنان من أشهر الفنانين التشكيليين فى العالم العربي وهما أدهم وسيف وانلي ينحدران من عائلات كردية ، بل أن كلمة وانلي هي فى الأصل كردية ،والفنانين أثرا تاثيرا كبيرا على المستوى المصري والعالمى فى حركة الفن التشكيلى .

في قلب المشهد التشكيلي المصري، يبرز اسمان بحروف لامعة: أدهم وسيف وانلي. شقيقان مشأ فى مدينة الأسكندرية  شكّلا ملامح الفن الحديث في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، ورفعا اسم الإسكندرية إلى العالمية. لكن ما لم يُسلط عليه الضوء كفاية هو أن هذه العائلة، التي أهدت مصر اثنين من أعظم فنانيها، تنحدر من أصول كردية راسخة، حملها الشقيقان في وجدانهما.

تنحدر عائلة وانلي من أصول كردية موصلية، حيث استقرت الأسرة في مدينة الموصل شمال العراق، التي كانت آنذاك مركزًا ثقافيًّا هامًّا في الدولة العثمانية، قبل أن تهاجر إلى مصر في أواخر القرن التاسع عشر.الأب، وهو ضابط كردي في الجيش العثماني، استقر في الإسكندرية بعد تقاعده، ضمن موجة هجرة عائلات كردية وسورية وشامية وفدت إلى مصر هربًا من الاضطرابات السياسية أو طلبًا للاستقرار والتعليم.

في الإسكندرية، وسط مناخ كوزموبوليتاني متعدد اللغات والثقافات، نشأ الشقيقان أدهم “1908–1959” وسيف “1906–1979”، في بيت حمل في داخله تراثًا كرديًا لم يتم التركيز عليه كفاية إذ لم تكن الضرورة تستوجب التوسع فى سرد تاريخهما الكردي ، مع أنهما كانا يبوحان دائما في حديثهما بين الأوساط الفنية والثقافية عن عراقة جذورهما الموصلية وبخاصة الكردية.

 وترجع البحوث أن كلمة وانلي" كلمة كردية عثمانية الأصل ، وأن اسم العائلة "وانلي" ينقسم إلى جزئين:وان": وهي مدينة كردية كبيرة في شرق تركيا، تطل على بحيرة "وان"الشهيرة، وتُعد من أبرز معاقل الأكراد.

ومن ثم يحمل الاسم في طيّاته هوية إثنية وجغرافية كردية صريحة، تشهد بانتماء العائلة إلى منطقة وان الجبلية، ثم تنقّلها في مسارات الهجرة العثمانية إلى الموصل، ومنها إلى الإسكندرية.

وقد ولد إبراهيم أدهم وانلي عام 1908 في حي محرم بك في الإسكندرية، وكان والده إسماعيل بك محمد وانلي من أصول كردية ووالدته عصمت هانم الداغستاني من أصول قوقازية. ترعرع أدهم مع أخواته الأربع وأخيه الأكبر سيف في محيط أرستقراطي ذو ثقافة فرنسية، وتعلّم على أيدي مربين خاصين في قصر العائلة عرفان باشا. عمل أدهم مديراً في مخزن الكتب في مديرية التربية في الإسكندرية.​

تلقى وانلي أولى دروسه في الرسم الزيتي مع أخيه سيف في محترف الرسام الإيطالي أرتورو زانييري “1870 ـ 1955” الذي كان أيضاً معلم الرسام الإسكندراني محمود سعيد “1897 ـ 1964”. في عام 1929، أفتتح الرسام الإيطالي أوتورينو بيكي “1878 ـ 1949”، الذي تلقى تعليمه في أكاديمية فلورنسا، مرسمه في الإسكندرية، وكان الأخوان وانلي من بين أوائل طلابه. عندما أغلق بيكي مرسمه وقفل عائداً إلى إيطاليا قبل الحرب العالمية الثانية، أفتتح الأخوان وانلي مع صديقيهما الرسام أحمد فهمي ومخرج الأفلام محمد بيومي، مرسماً خاصاً بهم في الإسكندرية عام 1935.

سافر أدهم وأخوه خلال الخمسينات إلى عدة بلدان أوروبية من ضمنها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا حيث أنجزا العديد من اللوحات والتخطيطات للمناظر الطبيعية وكذلك لعروض الباليه والأوبرا والمسرح. عُيّن الأخوان وانلي في العام 1957 أساتذة في كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية، التي أسسها في العام ذاته النحات أحمد عثمان “1907 ـ 1970”، وبعدها بعامين عينتهما وزارة الثقافة للمساهمة في توثيق الإرث المعماري النوبي في أسوان قبل أن تُغطي مياه السد العالي هذه المنطقة، وقد أنجزا، خلال هذه المهمة، إلى جانب العديد من الفنانين والأساتذة من أبناء جيلهم، لوحات ورسوم تخطيطية عديدة للقرى النوبية الأصيلة والمعابد القديمة.

 توفي أدهم وانلي في 1959 وكان يبلغ الحادية والخمسين من العمر في مستشفى المواساة في الإسكندرية، وسُميّ الشارع المحاذي لمرسمه في الإسكندرية بإسمه بعد وفاته. كان أدهم وانلي كأخيه سيف، فناناً غزير الإنتاج، تأثرت أعماله المبكرة بمعلمه الإيطالي أوتورينو بيكي الذي كان قريباً من حركة ماكيايولي الإيطالية وهي مجموعة تأثرت بالحركة الانطباعية الفرنسية وبمدرسة باربيزون. دفع بيكي بالأخوين إلى الرسم الخارجي وإلتقاط الضوء والألوان والظلال في الطبيعة. ثم تأثر أدهم بعد ذلك بالتيارات الفنية الحديثة كالتكعيبية والوحشية.

شغف أدهم وشقيقه بالفنون الأدائية مثل السيرك والباليه والمسرح وتمكنا من التقاط الحركات النابضة بالحيوية التي يؤديها الفنانون أثناء العرض. رسم أدهم كذلك مناظر طبيعية كثيرة للإسكندرية، ومشاهد من القاهرة والعديد من المدن الأوروبية.

 شارك مع أخيه سيف بانتظام في صالوني الإسكندرية والقاهرة كما في بينالي الإسكندرية. إلى جانب كونه رساماً، كان أدهم موهوباً أيضاً برسم الكاريكاتير ونشر رسومه الساخرة خلال الثلاثينات​ في الجرائد والمجلات المصرية مثل مجلة روز اليوسف

وقد ظهرت الروح الكردية فى أعمال أدهم وانلى وإنتماءه للمدرسة الانطباعية والتعبيرية الأوروبية، لكنه خصص جزءًا من أعماله لتوثيق حياة الأكراد.

رسم في الأربعينات لوحات عن نساء كرديات بالأزياء التقليدية، ورجال يرتدون العمائم، وحياة القرى الكردية الجبلية.

يُعتقد أن هذه المشاهد استلهمها من رحلات قام بها إلى شمال العراق وسوريا أو عبر استحضار الذاكرة الجمعية لعائلته.

جسّد الكردي لا بوصفه "غريبًا"، بل كجزء من ذاته: الفلاح، العازف، العروس، الراعي، بألوان دافئة وخطوط حنونة.إلى جانب ذلك، تناول موضوعات مثل السيرك، الخيل، الباليه، والأسواق الشعبية.

أما سيف وانلي فقج اختار أن يُركّز على المساحات المسرحية والبصرية المفتوحة، فكانت أعماله تدور حول مشاهد الرقص، الباليه، السيرك، والحياة اليومية.

لم يُظهر سيف موضوعات كردية مباشرة، لكنه حمل أثرًا داخليًّا من جذوره، ظهر في اختياراته اللونية الشرقية، وفي انجذابه إلى الاحتفاء بالحركة والفرح الشعبي.

واصل العمل بعد وفاة شقيقه، وخلّد تجربتهما المشتركة في معارض محلية ودولية، منها بينالي البندقية وميلانو.

ورغم أن مصر لم تعرف تيارًا كرديًّا فنّيًا بالمعنى المؤسسي، فإن الشقيقين وانلي جسّدا أول حضور كردي في تاريخ الفن التشكيلي المصري الحديث، ليس كهوية سياسية، بل كإسهام فني أصيل متداخل في النسيج الوطني.