
د. سامان شالي
محلل سياسي واقتصادي
لماذا تُفضّل الحكومة العراقية حكومةً مركزيةً على النظام الفيدرالي؟

منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، واجه العراق صعوبةً في تحقيق التوازن بين المطالب المتضاربة بالوحدة العراقية والحكم الذاتي الإقليمي. وبينما يُقرّ الدستور العراقي، المُعتمد عام 2005، رسميًا بالنظام الفيدرالي، تزايد التوتر بين الحكم المركزي والسلطة اللامركزية، لا سيما مع حكومة إقليم كوردستان شبه المستقلة في الإقليم. ورغم الفيدرالية الدستورية، لا تزال جهاتٌ عديدة داخل الحكومة المركزية العراقية تُطالب بنظامٍ أكثر مركزية. وينبع هذا التفضيل من مزيجٍ من المخاوف السياسية والاقتصادية والأمنية، بالإضافة إلى إرثٍ تاريخيٍّ من الانقسام.
غالبًا ما يُستخدم مصطلحا "الحكومة المركزية" و"الحكومة الفيدرالية" بالتبادل، ولكنهما قد يحملان معانٍ مختلفةً تبعًا للسياق والبلد المعني. وفيما يلي الاختلافات العامة بينهما:
الحكومة المركزية:
عادةً ما تشير الحكومة المركزية إلى أعلى مستوى حكومي داخل الدولة المركزية، حيث تتركز السلطة في يد جهة واحدة.
في النظام المركزي، كما هو الحال في المملكة المتحدة أو فرنسا أو اليابان، تمتلك الحكومة المركزية جميع الصلاحيات المهمة، وتستمد الحكومات الإقليمية أو المحلية سلطتها منها.
غالبًا ما تتمتع الحكومات المركزية في الدول المركزية بسيطرة قوية على الوظائف الإدارية والتشريعية والتنفيذية في جميع أنحاء البلاد.
الحكومة الفيدرالية:
من ناحية أخرى، تشير الحكومة الفيدرالية إلى نظام تُقسّم فيه السلطة بين سلطة مركزية ووحدات سياسية مُكوّنة، مثل الولايات أو المقاطعات.
في النظام الفيدرالي، كما هو الحال في الولايات المتحدة أو كندا أو ألمانيا، تتشارك الحكومة المركزية الصلاحيات مع الحكومات دون الوطنية، ولكل مستوى حكومي نطاق سلطته. عادةً ما تُعالج الحكومات الفيدرالية قضايا ذات أهمية وطنية، مثل الدفاع والشؤون الخارجية والسياسة النقدية.
في المقابل، تُدير حكومات الولايات أو الأقاليم جميع الشؤون التي لا تنحصر في الحكومة الفيدرالية. تجدر الإشارة إلى أن تفاصيل الأنظمة الفيدرالية قد تختلف من دولة لأخرى. فبعض الأنظمة الفيدرالية تمنح استقلالية واسعة للكيانات مثل الولايات أو الأقاليم، بينما قد يكون لدى أنظمة أخرى هيكل فيدرالي أكثر مركزية. ويعتمد مستوى المشاركة الدولية والاعتراف بالحكومة الفيدرالية على دستور الدولة المعنية وإطارها القانوني.
في النهاية، الفيدرالية هي تقاسم السلطة بين:
1- الحكومة الفيدرالية
2- الولايات
3- الشعب
فيما يلي أهم الأسباب التي تدفع الحكومة العراقية إلى تفضيل الحكومة المركزية على الحكومة الاتحادية:
1. الحفاظ على الوحدة الوطنية
من الأسباب الرئيسية التي تدفع الحكومة العراقية إلى تفضيل هيكل مركزي هو الخوف من التشرذم الوطني. فالعراق موطن لمجموعات عرقية ودينية متنوعة، تشمل العرب والكورد والتركمان والسنة والشيعة والمسيحيين والإيزيديين. وقد تشجع الفيدرالية، وخاصةً عند تطبيقها بشكل غير متكافئ، على الانفصال الطائفي والعرقي. وقد زاد استفتاء استقلال كوردستان عام 2017 من مخاوف بغداد من التفكك الوطني. ومن خلال تعزيز السلطة المركزية، تهدف الحكومة إلى ضمان بقاء العراق أمةً موحدة ومتماسكة.
ملاحظة: لا يؤدي النظام الفيدرالي إلى تجزئة البلاد، بل على العكس، تُسهم في توحيد البلاد في ظلّ مزيد من الانسجام. أُجري هذا الاستفتاء نتيجة تجاهل الحكومة العراقية والبرلمان لخمس وخمسين مادة من الدستور، تتعلق بتوسيع صلاحيات الإقليم.
2. الأمن والاستقرار
يُعدّ الأمن شاغلاً بالغ الأهمية في العراق، الذي واجه ما يقرب من عقدين من عدم الاستقرار بسبب الإرهاب والتمرد والتدخل الأجنبي. تُعتبر الحكومة المركزية القوية ضرورية للحفاظ على الأمن الداخلي وتنسيق الاستجابات للتهديدات، مثل داعش ونشاط الميليشيات. إن تشتت السيطرة الإقليمية، كما هو الحال في النظام الفيدرالي، قد يعيق فعالية الدفاع الوطني ويسمح للجماعات المسلحة باستغلال ضعف الحوكمة المحلية. تساعد المركزية بغداد على تطبيق سياسات أمنية موحدة وفرض سيطرتها على الموارد العسكرية، بما في ذلك قوات الحشد الشعبي المثيرة للجدل. لذلك، يجب أن تكون جميع القوات القانونية تابعة لوزارة الدفاع، وأن تُبقي جميع الأسلحة غير القانونية تحت سيطرة الحكومة الفيدرالية.
ملاحظة: فشلت الحكومة، التي تمتلك 19 جهازاً أمنياً في الجيش والشرطة، تحت قيادة رئيس الوزراء، في السيطرة على الأسلحة غير القانونية في المحافظات الخمس عشرة الخاضعة لسيطرتها، وكذلك في إبقاء الجماعات الشرعية تحت قيادتها، مقارنة بحكومة إقليم كوردستان، التي تتمتع بالسيطرة الكاملة على أمنها في ظل نظام اتحادي.
3. السيطرة على الموارد الطبيعية
يكمُن دافع رئيسي آخر لتفضيل الحكم المركزي في السيطرة على الموارد الطبيعية للعراق، وخاصةً النفط. تُشكّل عائدات النفط الجزء الأكبر (90%) من الدخل القومي العراقي. تُصرّ الحكومة المركزية على إدارة إنتاج النفط وتصديره على المستوى الوطني لضمان توزيع عادل للثروة بين المحافظات. وقد شكّلت صفقات وصادرات النفط المستقلة لحكومة إقليم كوردستان نقطة خلاف رئيسية. وتخشى بغداد من أن يُضعف السماح للأقاليم بالسيطرة على مواردها الاقتصاد الوطني ويُشجّع السلوك الانفصالي.
ملاحظة: إذا أرادت الحكومة التغلب على هذا الخوف، فعليها سنّ قانون النفط والغاز لحماية الموارد الطبيعية. يتعارض هذا الخوف مع المادتين 112 و121 من الدستور العراقي، اللتين تُخوّلان حكومة الإقليم السيطرة على نفطها وغازها بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية. كما أن القانون الدولي يسمح للحكومة الإقليمية داخل الحكومة الفيدرالية بتوقيع عقود مع الشركات في كافة القطاعات الخاصة، مثل الموارد الطبيعية والصناعة والزراعة والسياحة والتعليم والصحة وغيرها.
4. الكفاءة الإدارية ومكافحة الفساد
غالبًا ما يُنظر إلى الحكومة المركزية على أنها أكثر قدرة على تنفيذ سياسات وطنية متسقة، وإدارة الخدمات العامة، ومعالجة الفساد. في العراق، حيث يُمثل الفساد وسوء الإدارة قضيتين متفشيتين، قد تُبدّد اللامركزية هذه المشاكل بدلًا من حلها. يمكن للحكومة المركزية القوية وضع معايير وطنية، وتطبيق اللوائح بشكل موحد، والإشراف على الإدارات الإقليمية بفعالية أكبر، مما قد يُسهم في الحد من الفساد وسوء الإدارة على المستوى المحلي.
ملاحظة: فشلت الإدارة في الحكومة الاتحادية في توفير الخدمات العامة، بينما يبلغ الفساد أعلى مستوياته في المحافظات الخمس عشرة الخاضعة لسيطرة الحكومة الاتحادية، مقارنةً بالخدمات العامة ومكافحة الفساد في إقليم كوردستان.
5. الإرث التاريخي والسياسي
تشكلت الهوية السياسية الحديثة للعراق على مدار عقود من الحكم المركزي الاستبدادي، بدايةً في ظل النظام الملكي، ثم في ظل الأنظمة البعثية. وقد أثّر هذا الإرث على الثقافة السياسية، حيث غالبًا ما ترتبط السلطة والشرعية بالمركزية. وتخشى العديد من النخب السياسية في بغداد من الفيدرالية، معتبرةً إياها نموذجًا مفروضًا من الخارج لا يتناسب مع واقع العراق. ويخشون أن يُقوّض تمكين المحافظات بشكل مفرط سلطة الدولة المركزية ويزعزع استقرار السياسة الوطنية.
ملاحظة: في ظل حكم الحكومة المركزية، شهدنا كمّ الفظائع التي ارتُكبت بحق الشعب العراقي مقارنةً بالحكم الفيدرالي. إذا طُبّق كما هو منصوص عليه في الدستور، وأصبح حكم القانون ممارسةً يوميةً للحكومة الفيدرالية، فسنشهد اختلافاتٍ جذريةً في سلطة وشرعية الحكم.
الخلاصة
في حين أن الفيدرالية تُقدم نظريًا حلاً للانقسامات العرقية والطائفية في العراق، إلا أنها عمليًا أثارت مخاوف من التشرذم والنزاعات على الموارد وقصور كفاءة الحكم. يعكس تفضيل الحكومة المركزية العراقية لنظام أكثر مركزية رغبةً في الحفاظ على الوحدة الوطنية، وحماية الأمن، والسيطرة على الموارد الحيوية، والحفاظ على التماسك الإداري. ورغم أن الإطار الدستوري لا يزال فيدراليًا، إلا أن المسار السياسي يُشير إلى ميل قوي نحو المركزية، لا سيما في مواجهة التحديات المستمرة لسيادة العراق واستقراره.
في المقابل، اعتمدت العديد من الدول التي تتمتع بسيادة القانون، وتضم سكانًا متعددي الأعراق والأديان، الفيدرالية في الحكم كأفضل حل للعيش معًا في وئام، والحفاظ على الوحدة الوطنية دون خوف من التشرذم، مثل ألمانيا وسويسرا وكندا والولايات المتحدة.