من سينتصر في العراق، البناؤون أم الهدامون؟

من سينتصر في العراق، البناؤون أم الهدامون؟
من سينتصر في العراق، البناؤون أم الهدامون؟

لطالما كان العراق، أرض الحضارات العريقة، مهدًا للثقافة الإنسانية والتقدم. فمنذ السومريين والبابليين وحتى العصر الذهبي العباسي، قدّمت هذه المنطقة للبشرية المعرفة والعمارة والفنون التي شكّلت مسار التاريخ. إلا أن تاريخ العراق، في العقود الأخيرة، وخاصةً بعد عام 2003، اتسم بصراع مختلف - صراع ليس فقط ضد الفقر والصراع والتدخل الأجنبي، بل أيضًا بين قوتين متعارضتين داخل حدوده: فريق يسعى للبناء، وآخر يسعى للهدم.

 

الفريق الذي يبني يتعدد البناؤون في العراق: 

مهندسون يُعيدون بناء الجسور التي مزقتها الحرب، ومعلمون يُغذّون عقول الأطفال، وأطباء يعملون بلا كلل في مستشفيات تعاني من نقص التمويل، ونشطاء اجتماعيون يدافعون عن الوحدة والتقدم. مهمتهم لا تقتصر على البناء المادي فحسب، بل تشمل أيضًا الترميم الأخلاقي والثقافي.

 

يهدفون إلى إعادة بناء:

• البنية التحتية، لتعمل المدن، وتزدهر التجارة، ويعيش الناس بكرامة.

• المؤسسات، لتعمل العدالة والتعليم والحوكمة بإنصاف وكفاءة.

• الروابط الاجتماعية، لتمنع الانقسامات الطائفية والعرقية من التأثير على مستقبل الأمة.

غالبًا ما يواجه هؤلاء البناؤون شحًا في الموارد، وعدم استقرار سياسي، وحتى تهديدات لحياتهم. ومع ذلك، فهم يثابرون، مدفوعين بإيمانهم بإمكانيات العراق وشعورهم بالمسؤولية تجاه الأجيال القادمة.

 

الفريق الهدام

في المقابل، يُقوّض المُدمرون - سواءٌ أكانوا مدفوعين بأيديولوجيا، أو بمكاسب شخصية، أو بفساد، أو بأجندات خارجية - التقدم. قد يُدمّرون ماديًا، باستهداف البنية التحتية بالعنف، أو بشكل خفي، بزعزعة الثقة في المؤسسات من خلال الفساد والمحسوبية والتلاعب.

 

هدفهم هو الهدم:

• يُنشرون الفرقة لإضعاف الوحدة.

• يستغلون الموارد للإثراء الشخصي.

• يُعيقون الإصلاحات التي تُهدد سلطتهم.

• يُدمّرون التراث الثقافي لتحقيق الربح أو الأيديولوجية.

في بعض الأحيان، لا يقتصر الهدم على الجماعات المسلحة فحسب، بل يشمل أيضًا الجهات السياسية الفاعلة التي تُخرّب التنمية للحفاظ على السيطرة. وتتمثل الآثار المُدمّرة في بقاء الطرق خرابًا، ونقص في تجهيز المستشفيات، وإهمال المدارس والجامعات، ونقص في الكهرباء والماء، وتضاؤل الأمل.

 

أثر هذا الصراع 

لقد تركت هذه المعركة المستمرة بين قوى البناء والهدم العراق في حالة من التقدم الهش. فمقابل كل مدرسة يُعاد بناؤها، تُدمر أخرى؛ وفي مقابل كل جهد توحيد، هناك صوتٌ يزرع الفتنة.

هذه الدورة تُؤخر تعافي الأمة وتُضعف ثقة الجمهور بالمستقبل. والمأساة هي أنه بينما يتطلب البناء سنوات من العمل، يمكن أن يحدث الهدم في دقائق. هذا التفاوت يعني أن التقدم مُهددٌ باستمرار، وأن على شعب العراق أن يدافع باستمرار حتى عن أبسط المكاسب.

 

المعارضة

في المجتمع الديمقراطي، تلعب المعارضة دورًا حاسمًا في موازنة السلطة وضمان الحوكمة الرشيدة. ومع ذلك، فإن طريقة ممارسة المعارضة قد تُقوّي الأمة أو تُضعفها. ويتجلى هذا الاختلاف في شكلين رئيسيين: المعارضة البناءة والمعارضة الهدّامة.

هناك نوعان من المعارضة: أحدهما بناء (البناء)، والآخر تشتيت (الهدم).

المعارضة البنّاءة هي نقدٌ ونقاشٌ يهدفان إلى تحسين الحكم، وتسترشد بمبدأ المصلحة الوطنية لا بالمكاسب الشخصية أو الحزبية.

في المقابل، فإن المعارضة الهدامة تنبع من العداء، أو التنافس السياسي، أو الرغبة في تشويه سمعة الحزب الحاكم بأي ثمن.

ليس هدف المعارضة تقويض الأمة، بل حمايتها. فمن خلال المساءلة والتمثيل والمشاركة البناءة والاستقرار الديمقراطي، تضمن المعارضة أن تخدم السلطة الشعب، وليس العكس.

يجب على الحكومة الاستماع إلى النقد البناء من المتخصصين والأكاديميين ودعمه للمساعدة في حل المشكلات التي تواجهها من خلال مقترحاتهم.

 

الطريق إلى الأمام

لكي يتجاوز العراق هذا الصراع المدمر، يجب أن يتفوق البناؤون عدداً وصموداً على الهدامين. وهذا يتطلب:

1. مؤسسات قوية قادرة على مقاومة الفساد والتلاعب السياسي.

2. وحدة شعبية ترفض الطائفية وتحتضن هوية وطنية مشتركة.

3. دعم دولي يُمكّن المجتمعات المحلية بدلاً من استغلالها.

4. تحول ثقافي يُعلي من قيمة الحفاظ على التراث والتقدم على المكاسب قصيرة الأجل.

5. نظام القضاء المستقل هو الركيزة الأساسية لدعم البناة ووقف زحف الهدم.

عندما يُمنح البناؤون المساحة والموارد والحماية، يمكن للعراق استعادة مكانته كمركز للتعلم والتجارة والثقافة.

 

الخلاصة

قصة العراق اليوم هي قصة صمود في وجه الدمار. إنها قصة فريقين، أحدهما يضع الأسس والآخر يهدمها. ليس السؤال ما إذا كان العراق يمتلك القدرة على البناء؛ فالتاريخ يُثبت ذلك. السؤال الحقيقي هو ما إذا كان البناؤون قادرين على تأمين مستقبل الأمة قبل أن يمحو الهدّامون ماضيها. مصير العراق يعتمد على الفريق الذي تختاره غالبية شعبه، وما إذا كانت لديهم الشجاعة لمواصلة البناء، حتى مع استمرار انهيار الجدران.