
محمد حسن الساعدي
كاتب ومحلل سياسي
العراق بين الاعتماد على الدولة والعيش في ظل الشعبوية السياسية!!

منذ عام 2003، والعراق – الذي كان عدد سكانه آنذاك 26 مليون نسمة وارتفع اليوم إلى نحو 48 مليونًا – واجه تحديات كبيرة رافقت مسيرته، لكنه استطاع تجاوزها وتسجيل نقاط قوة لصالحه. فبعد أكثر من عشرين عامًا على سقوط النظام السابق، نلحظ تطورًا ملموسًا في البنى العمرانية والمشاريع الخدمية، سواء في المحافظات أو في إقليم كوردستان. ورغم بطء الإنجاز، إلا أن البلاد نجحت في إعادة النهوض وتثبيت حضورها الاقتصادي. واليوم، تلامس ناطحات السحاب سماء العراق، ويشهد المواطن تحسنًا في قدرته الشرائية، والأهم من ذلك هو التقدم الديمقراطي الذي لم تعرفه حتى بعض الدول الكبرى، حيث أصبح صندوق الاقتراع الوسيلة الوحيدة لأي تغيير سياسي حقيقي.
العراقيون بمختلف مكوناتهم تجاوزوا مرحلة الوجود الأميركي، الذي لم ينجح في ترك أثر دائم في حياتهم اليومية كما حدث في دول أخرى خضعت للاحتلال. كل ما خلّفه الوجود الأميركي كان الكراهية لأساليب القتل والتعذيب التي رافقت تلك الحقبة.
ومع حجم المتغيرات السياسية التي شهدتها البلاد عبر مراحل ديمقراطية وانتخابية جديدة على الواقع العراقي، تمكن الشعب من استيعابها وجعلها مادة نقاش يومي. المواطن العراقي بات أكثر إدراكًا لمصالحه ومستقبله، لكنه ظل في المقابل فاقدًا للثقة بالقوى السياسية التي استخدمته جسراً لتحقيق مصالحها الخاصة، ما أدى إلى بروز كانتونات طائفية وقومية وإثنية تحتمي خلفها المكونات بدلًا من الاحتماء بالوطن والمصالح العليا.
الديمقراطية في العراق اليوم حقيقة راسخة، وإن كانت مرتبكة في بعض جوانبها. غير أن النقاش السياسي الخارجي – خصوصًا في واشنطن – ما زال ينظر إلى العراق بعين عام 2005، بينما واقع 2025 مختلف تمامًا. فالتجربة الديمقراطية صنعت من بلد ضعيف غير قادر على حل مشاكله، دولة يشارك الجميع في قرارها، وأضحى التوافق السياسي السمة الغالبة على المشهد العام.
لقد أصبحت الانتخابات الركيزة الأساسية لأي حكومة، ورغم أن الفوز بالانتخابات شيء والحكم الرشيد شيء آخر، فإن نتيجتها غالبًا ما تكون تشكيل حكومات توافقية تضم مختلف الأطراف. وبذلك يبقى صندوق الاقتراع هو الضامن الوحيد لمستقبل المواطن العراقي. أما التهديدات التي تُطلق بين الحين والآخر فليست سوى "زوبعات إعلامية" ذات أهداف سياسية، لا تغيّر من حقيقة أن العراقيين يتطلعون إلى العيش بكرامة فوق أرضهم، مهما كانت انتماءاتهم.
ويبقى السؤال الأهم: هل يستطيع الجيل الجديد من السياسيين أن يضع الدولة فوق طموحاته الخاصة، ويجعل من المصلحة العليا معيارًا لكل قرار؟