روناكي رؤية تنمويّة وخطوة إستراتيجيّة لبناء مستقبل كوردستان

روناكي رؤية تنمويّة وخطوة إستراتيجيّة لبناء مستقبل كوردستان
روناكي رؤية تنمويّة وخطوة إستراتيجيّة لبناء مستقبل كوردستان

يُعدُّ العراق من أوائل الدول في الشرق الأوسط التي دخلت إليها الكهرباء في عام (1917) مع الاحتلال البريطاني، وكانت أوّل ماكنة كهرباء أنشأتها سلطات الجيش البريطاني في منطقة (خان دلة) التي اتّخذت مركزًا لسلطات الاحتلال البريطاني في سنة احتلالها للعراق، ولمدينة بغداد في عام (1917)، ثم أنشأت محرّكات ديزل ذات قدرة واطئة، وفي المناطق الخاصة بالسلطات العسكريّة البريطانية، مثل مناطق السراي، والقشلة، وشريعة المجيدية، وفي كرادة مريم، وفي المعسكر الهندي (الرشيد لاحقًا)، ومنذ ذلك التاريخ مرّ العراق بمنعطفات تاريخية، وأحداث سياسية بمراحل مختلفة من تعاقب الحكومات العراقية أثّرت بشكل سلبي على ملف الكهرباء، منها خلال حرب الخليج الثانية، وتهوّر الرئيس العراقي السابق (صدام حسين) بدخول الكويت، وعلى إثرها دمّرت قوات التحالف الدولي أكثر من (%90) من شبكات الكهرباء في العراق، وحقبة الحصار الاقتصادي حتى الاحتلال الأمريكي للعراق في سنة (2003).

على الرغم من بدء عهد جديد في العراق، وتخصيصات مليارات الدولارات لحل مشكلة الكهرباء الوطنية في العراق، إلا أنَّ الانقطاعات متكررة، وطويلة لساعات التجهيز، ولم تستطع أيّة حكومة عراقية من بعد عام (2003) من حلّ هذا الملف الإستراتيجي المهم لأسباب كثيرة، منها عدم وجود إدارة ناجحة، وسوء التخطيط، والفساد السياسي، والإداري، والمالي المستشري، والمتغلغل في مفاصل الدولة، فضلًا عن الضغوط الإقليمية حول هذا الملف!

ولكون إقليم كوردستان جزء من العراق الاتحادي الفيدرالي لم نكن بعيدين عن ملف الكهرباء الوطنية، وتفاقم مشكلاته، وساعات الانقطاع من بعد انتفاضة (سرهلدان) لشعب كوردستان ضد النظام البائد في عام (1991)، وقد سعت التشكيلة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان برئاسة (مسرور بارزاني) جاهدة إلى وضع خطط إستراتيجية بناءً على رؤية تنموية شاملة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية، والإقليمية من خلال مشروع الإنارة (روناكي) للكهرباء الوطنية على مدار (24) ساعة، وهي إحدى المشاريع الوطنية التي أحدثت نقلة نوعية في مجال ملف الكهرباء الوطنية تلبية لحاجات مواطني إقليم كوردستان، وضمان أمن الطاقة كمدخل أساسي للتنمية المستدامة، ورؤية إستراتيجية لبناء مستقبل زاهر لإقليم كوردستان؛ لأنَّ الكهرباء عصب الحياة، وجزء مكمل من حياة الإنسان في يومنا هذا.

وفي إطار السعي المستمر لتحسين مستوى الخدمات المقدّمة لمواطني إقليم كوردستان أعلن رئيس حكومة إقليم كوردستان (مسرور بارزاني) رسميًا في يوم الخميس المصادف (17تشرين الأول 2024) عن إطلاق مشروع (روناكي) الذي يهدف إلى تأمين الكهرباء الوطنية على مدار الساعة في أنحاء إقليم كوردستان كافة.
وقد جاء هذا الإعلان خلال جولة تفقديّة أجراها رئيس حكومة كوردستان في حي (شادي) بأربيل حيث تابع عن كثب نتائج المرحلة التجريبية للمشروع.

وبفضل مشروع (روناكي) ليس هناك ضوضاء مزعجة في الأحياء السكنية، وتلوث الهواء الناتج عن المولدات الأهلية الخاصة مما يؤدي إلى كوردستان أكثر صحة للجميع، وبيئة نظيفة آمنة بعيدًا عن النتائج السلبية التي تؤثر في المستقبل على حياة مواطني كوردستان، وعن مخلفات المولدات، والروائح الكريهة التي تنبعث منها.

وقد حاولت جهات سياسية بقوة في إقليم كوردستان معترضة على تطبيق هذا المشروع الوطني الإستراتيجي المهم، ومنهم من قدّموا شكاوى إلى المحكمة الاتحادية في بغداد، لكن رُدّت تلك الشكاوى، وخابت ظنونهم، فضلًا عن جهات سياسية عراقية عبر قنواتهم، وجيوشهم الإلكترونية الذين يتهجّمون ليلًا، ونهارًا على إنجازات حكومة إقليم كوردستان برئاسة (مسرور بارزاني) بصورة عامة، وعلى مشروع (روناكي) على وجه الخصوص من خلال بثّ الإشاعات، والأخبار الملفقة حول أسعار الكهرباء الوطنية للمشروع؛ لأن هذا المشروع الوطني الإستراتيجي قد أحرج رؤساء الأحزاب السياسية في بغداد أمام جماهيرهم من عدم مقدرتهم، وعجزهم لحل ملف الكهرباء الوطنية في المحافظات العراقية على مدى (22) سنة من تسلّمهم لمقاليد الحكم، والسلطة في العراق، ومن خلال مشروع الإنارة (روناكي) تسعى حكومة إقليم كوردستان إلى استقلال قرارها الاقتصادي، وهي رسالة سياسية واضحة للعراق، والدول الإقليمية، والعالم بأنّ حكومة إقليم كوردستان قادرة على إدارة الملفات الإستراتيجية بمعزل عن التجاذبات السياسية هنا، وهناك على الرغم من قطع حصة إقليم كوردستان من الموازنة العامة الاتحادية البالغة (12.67%)، والتنصّل عن دفع رواتب موظفي إقليم كوردستان معتقدين بأنهم سيجعلون شعب كوردستان ناقمًا، وساخطًا، ومتمردًا على حكومته، لكن اليوم شعب كوردستان الواعي ناقم على الطبقة السياسية في بغداد نتيجة قطع رواتبهم بصورة متعمِّدة ومقصودة، ومن الجدير بالذكر أنّ مشروع (روناكي) يُمثِّل تعزيزًا لمكانة إقليم كوردستان إقليميًا، ودوليًا من خلال امتلاكه بُنية تحتيّة متينة لكي يكون لاعبًا اقتصاديًا قويًا بمنطقة الشرق الأوسط في المستقبل.

ولا نستغرب من أن يكون هناك اعتراضات، وانتقادات حول مشروع (روناكي) من قبل الكتل السياسية الحاقدة على إنجازات التشكيلة الحكومية الكوردستانية التاسعة، والتحشيد الإعلامي ضدها بدلًا من دعمها، والإشادة بها، فأنهم يُحرِّضون الشارع الكوردستاني ضد حكومته بحجج واهيّة أوهن من بيت العنكبوت، وليس من مصلحة بعض الكتل السياسية في بغداد، وإقليم كوردستان استقرار الكهرباء الوطنية في إقليم كوردستان؛ لأنَّ هذا يعدّ نجاحًا باهرًا للحكومة على الرغم من الضغوطات الاقتصادية التي تمارس من قبل جهات داخلية، وخارجية، وكذلك ليس من مصلحتهم حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كوردستان لكون الموظف سيدفع التكاليف المناسبة لأسعار هذا المشروع الوطني الذي جاء من أجل راحة المواطن الكوردستاني، وانبثق من رحم المعاناة على مدى سنوات سابقة، كما أنّ هناك جهات سياسية لا تمتلك عقلية رجال الدولة، وعدم امتلاكهم لمشاريع تنموية التي تخدم المواطن.

  إنَّ القائمين على مشروع (روناكي) يعملون جاهدين، ويسيرون بخطوات ثابتة، ومدروسة بإيصال الكهرباء بشكل سريع إلى محافظات إقليم كوردستان الأربعة، وتعدّ محافظة (حلبچـة) أول محافظة على مستوى إقليم كوردستان، والعراق تُودّع المولدات الأهلية الخاصة، وتتمتع بالكهرباء الوطنية على مدار (24) ساعة من دون انقطاع.

يُعدُّ مشروع(روناكي) قفزة نوعية تاريخية في مجال قطاعات التربية، والتعليم، والصحة، والسياحة، والاقتصاد، والزراعة، والمؤسسات الحكومية، وغير الحكومية كافة، إنَّ هذا المشروع ليس عبارة عن محطة كهربائية عابرة، أو شبكات جديدة، فحسب؛ بل رؤية إستراتيجية تنموية متكاملة من أجل مستقبل زاهر لإقليم كوردستان، وجعله أنموذجًا رائدًا في مجال التنمية، والطاقة.

كما أنَّ هذا المشروع يهدف إلى تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، والنهوض بالواقع الزراعي من خلال تشغيل أنظمة الري الحديثة، وهذا ممّا أدخل السرور على قلوب الفلاحين، فضلًا عن تشجيع الصناعات المحلية للاكتفاء الذاتي، وتقليل الاستيراد من الخارج؛ لأنَّ استقرار الكهرباء الوطنية على مدار (24) ساعة يحقُّق تنمية مستدامة، ويؤثّر إيجابيًا على نفسية المواطن.

إنَّ مشروع الكهرباء الوطنية هو العمود الفقري لأيّة عملية تنموية في إقليم كوردستان؛ لكونه المحرك الأساسي للصناعة، والزراعة، والتعليم، والصحة، والخدمات العامة حتى النشاطات اليومية، واستقرار الكهرباء الوطنية يؤثّر بشكل إيجابي على عمر الأجهزة الكهربائية المنزلية، وكثيرًا ما سببت الانقطاعات المتكررة للكهرباء تهديدًا على تلك الأجهزة، وعمرها الافتراضي، وبعضها خرجت عن الخدمة نهائيًا، وأتلفت نتيجة عدم استقرار الكهرباء الوطنية، أو المولدات الأهلية التي تصبح في بعض الأحيان، كالإشارات المرورية.

اليوم يتمتع أكثر من (4) مليون مواطن كوردستاني بالكهرباء الوطنية على مدار (24) ساعة في (4) محافظات من محافظات إقليم كوردستان، وقد توقّفت أكثر من (3200) مولدة أهلية عن العمل.

كما أنَّ هذا المشروع الوطني الإستراتيجي يهدف إلى ترشيد الاستهلاك في استخدام الكهرباء الوطنية، ويدار المشروع بواسطة حكومة كوردستان، ويد عاملة محلية من دون تدخل، أو مساهمة من شركات القطاع الخاص. يجري خلال مشروع (روناكي) ضمّ المناطق إلى المشروع بالتدريج عبر تدوين معلومات المواطنين عن كل عائلة في المناطق المشمولة من خلال فرق تابعة لوزارة الكهرباء، وتثبيت عدّادات ذكيّة في البيوت تمكّن من مراقبة استهلاك الطاقة الكهربائية، وترشيدها، ومِنْ ثَمَّ يُغني النظام الجديد المواطنين عن اعتماد خطوط المولدات الأهلية للحصول على الطاقة الكهربائية، وتخفيف الأعباء المالية عنهم بدفع فاتورة الكهرباء لمرة واحدة، ولجهة واحدة.

وتُحدّد الجهات المشرفة على المشروع أسعار الخدمة بمبالغ ثابتة على خلاف ما كان عليه الوضع بعمل المولدات الأهلية التي كانت أسعارها تتفاوت شهريًا وفقًا لساعات التزويد، والتشغيل، وأسعار الطاقة.

ويعتمد المشروع الحكومي على جباية أجور الكهرباء بالدفع الآجل، أي عقب الحصول على الخدمة، وتتم جباية الأجور من قبل موظفين حكوميين رسميين حصرًا، يتردّدون على البيوتات شهريًا.

وسعر الكهرباء الوطنية لمدة (24) ساعة حسب استهلاك (الكيلو واط) المُقرّر من قبل مجلس وزراء إقليم كوردستان كالآتي:

- من (1) إلى (400) كيلوواط بسعر (72) دينارًا لكل (كيلوواط).

- من (400) إلى (800) كيلوواط بسعر (108) دينار لكل (كيلوواط).

- من (800) إلى (1200) كيلوواط بسعر (175) دينارًا لكل (كيلوواط).

- من (1200) إلى (1600) كيلوواط بسعر (265) دينارًا لكل (كيلوواط).

- من (1600) إلى (2000) كيلوواط بسعر (350) دينارًا لكل (كيلوواط).

وهذا المشروع الإستراتيجي يعتمد على النظام التصاعدي لتشجيع استهلاك الكهرباء الوطنية، ففي المرحلة الأولى من المشروع التي تمتد على مدار الأشهر الثلاثة الأولى تُقدّم حكومة إقليم كوردستان دعمًا ماليًا بنسبة (50%) للشهر الأول، و(25%) للشهر الثاني، و(15%) للشهر الثالث كخصومات وفقًا للفئات المتقدمة؛ لتشجيع المواطنين على الانضمام إلى مشروع (روناكي)، وتركيب أنظمة الطاقة المعتمدة فيه.

وحريٌّ بنا أنْ نذكر بأنَّ مواطني إقليم كوردستان يشعرون بارتياح كبير من هذا المشروع الوطني الإستراتيجي التنموي للكهرباء الوطنية على مدار (24) ساعة من أجل تخفيف العبء الاقتصادي عن كاهل المواطن الكوردستاني، وإحدى أبرز إنجازات حكومة كوردستان برئاسة (مسرور بارزاني) من بين مئات المشاريع التي نفذِّت، أو قيد التنفيذ ممّا جعلت حكومة كوردستان مُستهدفة من قبل الحاقدين، والناقمين على النجاحات المستمرة في مشاريعها الإستراتيجية التنموية.