اتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان: خمسٌ وخمسون سنة من الريادة والخدمة الدينية والاجتماعية

اتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان: خمسٌ وخمسون سنة من الريادة والخدمة الدينية والاجتماعية
اتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان: خمسٌ وخمسون سنة من الريادة والخدمة الدينية والاجتماعية

يُعَدُّ اتحاد علماء الدين الإسلامي في كردستان مؤسسة مهنية راسخة تمثل المرجعية العليا لعلماء الشريعة وأساتذة العلوم الدينية في الإقليم، وقد أسهم منذ تأسيسه إسهاماً بارزاً في رسم ملامح المشهد الديني والاجتماعي والسياسي في كردستان. فقد أصبح الاتحاد إطاراً رسمياً ومرجعاً موثوقاً في مجالات الإفتاء، وتقديم المشورة، والتنسيق بين المؤسسات الدينية، والتواصل مع مختلف القوى الاجتماعية والسياسية.

تأسس الاتحاد في 21 أيلول/سبتمبر 1970 بمشاركة نخبة من علماء كردستان، وتحت إشراف مباشر من القائد القومي الملا مصطفى البارزاني – رحمه الله – حيث عُقد مؤتمره التأسيسي الأول في منطقة “گلاله” ببالاكايتي. ومنذ ذلك التاريخ، واصل الاتحاد نشاطه، وهو اليوم في دورته السادسة، محققاً إنجازات دينية واجتماعية ووطنية كبرى، تُعَدُّ إرثاً تاريخياً ومصدراً للفخر الجماعي.

تتمثل الغاية الأساسية للاتحاد في خدمة الإسلام وصيانة القيم الدينية لشعب كردستان، وذلك من خلال منهج يقوم على الاعتدال والتوازن والوسطية. وقد حرص الاتحاد على الجمع بين جناحي التدين والهوية الوطنية، ليكون التدين حافزاً لتعزيز الانتماء القومي، ولتُقدَّم صورة الإسلام في كردستان بصورة حضارية منسجمة مع حاجات المجتمع وظروفه. ولهذا ظلّ الاتحاد يسعى إلى ترسيخ وحدة الصف، وتماسك العلماء، ليُترجم ذلك إلى وحدة اجتماعية وسياسية على مستوى البيت الكردي، تجنّباً للخلافات والانقسامات.

من الناحية الاجتماعية، اضطلع علماء الدين بدور محوري في التوجيه والإصلاح، حيث كانوا على الدوام مصدراً للتنوير والتوعية في مواجهة الأزمات والمخاطر التي تعرّض لها المجتمع الكردي. كما كان لهم دور فاعل في تربية الشباب وتحذيرهم من الفكر المتطرف والانحرافات السلوكية، والتصدي للإرهاب، وتعميق الروح الوطنية، ودعم البيشمركة، ونشر ثقافة التضحية والانتماء. إضافة إلى ذلك، تصدى العلماء للظواهر السلبية كتعاطي المخدرات والجريمة والأجندات الخارجية المشبوهة، في وقت عملوا فيه على ترسيخ دور المسجد بوصفه ليس فقط مركزاً للعبادة، وإنما أيضاً فضاءً للتربية والتنوير وبناء الشخصية الواعية.

كما برز العلماء في الإصلاح الاجتماعي والوساطة، حيث نادراً ما كان يُعقَد صلح أو تُجرى وساطة في نزاع اجتماعي أو مناسبة عامة من دون حضورهم. وكانوا مرجعاً أخلاقياً في توجيه السلوك العام، وحثّ الناس على الجد والاجتهاد والإخلاص في العمل، ليكونوا أفراداً نافعين لوطنهم. وبذلك غدا حضورهم مكملاً لمختلف التخصصات الأخرى كالطب والهندسة والقضاء، إلا أن رسالتهم كانت أكثر شمولية، موجهة إلى جميع فئات المجتمع.

لقد أسهم هذا الدور في ترسيخ الثقة المجتمعية بالعلماء، حيث ينظر إليهم عامة الناس باعتبارهم حماةً للقيم الدينية وضامنين للاستقرار الاجتماعي. فحضورهم يمتد من الميلاد حتى الوفاة، ضمن الإطار الديني، مما جعلهم ركناً أساسياً في البنية الاجتماعية. كما كان الاتحاد بمثابة مظلة جامعة، وذراعاً قوياً لإيصال رسالة علماء كردستان إلى صانعي القرار، دفاعاً عن العقيدة والهوية، وبياناً للموقف الشرعي من القضايا الدينية والوطنية. وقد وقف الاتحاد بالمرصاد أمام المشاريع والأجندات التي تمس الهوية الدينية والثقافية، معتمداً الحكمة والاعتدال في إبداء الموقف وإيصال الرسالة.

إن الفراغ الذي يملؤه العلماء في المجتمع لا يمكن أن يُعوَّض بغيرهم، إذ يُعَدّون حراساً للقيم الشرعية والأخلاقية والثقافية، ويسهمون في بناء مجتمع متماسك يقوم على القيم الإنسانية والروحية. وقد حمل الاتحاد هذا الدور بوصفه تكليفاً شرعياً وأخلاقياً ووطنياً، بعيداً عن المصالح الشخصية أو الامتيازات الخاصة. ورغم ما قد يواجهه أحياناً من انتقاص أو حملات تشويه، فإن مكانة العلماء ونزاهتهم حالت دون أن تؤثر هذه المحاولات في موقعهم ودورهم.

ختاماً، فإن مرور خمسة وخمسين عاماً على تأسيس اتحاد علماء الدين الإسلامي في كردستان مناسبة تستحق التقدير، ليس فقط لأنها تعكس صمود مؤسسة دينية واجتماعية راسخة، بل لأنها تمثل شاهداً على دور العلماء في بناء مجتمع واعٍ، متماسك، ومحصّن بالقيم الإسلامية والوطنية.