
د. سامان سوراني
أكاديمي كوردي
الرئیس مسعود بارزاني.. قيادة حاسمة في لحظة تاريخية

في كل محطة مصيرية تمر بها الشعوب، تظهر شخصيات قيادية تمتلك من الحكمة والشجاعة ما يجعلها قادرة على اتخاذ قرارات تاريخية في لحظات معقدة. وفي سياق استفتاء استقلال كوردستان، الذي جری في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول عام 2017 ، كان الرئيس مسعود بارزاني هو ذلك الزعیم الذي حمل على عاتقه مسؤولية التعبير عن الإرادة الكوردية، متحدياً الضغوط الداخلية والخارجية، وقادراً على تحويل الحلم الكوردي المتجذر إلى خطوة سياسية فعلية على أرض الواقع.
لقد أدرك الرئیس مسعود بارزاني أن التاريخ لا يُصنع في أوقات الراحة، بل في لحظات الأزمات والتحديات الكبرى. ورغم علمه المسبق بأن الاستفتاء لن يكون مقبولاﹰ من قبل الحكومة العراقية أو بعض القوى الإقليمية والدولية، إلا أنه مضى قُدماً بقرار جريء، محكوم برؤية وطنية واضحة مفادها أن الكورد لا يمكنهم الاستمرار في حالة من الانتظار السلبي وسط واقع سياسي غير مستقر، وبيئة إقليمية مليئة بالتناقضات والصراعات.
كان الرئیس بارزاني يؤمن أن الاستفتاء ليس إعلاناً للانفصال بقدر ما هو إعلان للإرادة، وأن التعبير عن هذه الإرادة عبر الوسائل السلمية والديمقراطية يُعد حقاﹰ مشروعاﹰ لا يجوز مصادرته أو إنكاره. وهو بذلك لم يرد فرض واقع سياسي بالقوة، بل أراد أن يقول للعالم: "هذا ما يريده شعب كوردستان، فاستمعوا إليه، وحاوروه لا أن تتجاهلوه."
ولعل من أبرز ما يُحسب للرئيس بارزاني خلال تلك المرحلة، هو القدرة على إدارة الاستفتاء بوعي سياسي عميق، حيث حافظ على السلم الأهلي، وابتعد عن أي خطوات متطرفة، وفضّل دائمًا الحوار كسبيل لمعالجة ما بعد الاستفتاء. وحتى بعد تجميد نتائجه، لم يتنازل عن مبدأ حق تقرير المصير، بل شدد على أن هذه النتائج باقية ومحفوظة في الذاكرة السياسية لشعب كوردستان، وستبقى مرجعية يمكن العودة إليها متى ما نضجت الظروف.
من وجهة نظر قانونية وإنسانية، يُعد استفتاء كوردستان ممارسة طبيعية لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو حق كفلته المواثيق الدولية. الكورد، وهم شعب يتمتع بلغة وتاريخ وثقافة وهوية خاصة، لهم الحق في أن يقرروا مصيرهم السياسي بحرية، لا أن يُختزلوا في هوامش الخرائط المفروضة أو الاتفاقيات الدولية التي تجاهلت وجودهم.
لذا لم يكن قرار الاستفتاء فردياﹰ أو انعزالياﹰ، بل جاء نتيجة رؤية سياسية مدروسة قادها الرئیس بارزاني، الذي لطالما أظهر قدرة عالية على التعامل مع الفواعل الدولية والإقليمية، وعلى موازنة المصالح بين الداخل الكوردي والتحولات في المحيط الأوسع.
وفي النهاية، فإن ما قام به الرئيس مسعود بارزاني لم يكن مجرد موقف سياسي، بل كان إعادة تعريف للعلاقة بين القائد وشعبه، علاقة قائمة على الثقة، والصدق، والتمثيل الحقيقي لتطلعات شعب لطالما كان جزءاﹰ حياﹰ من تاريخ الشرق الأوسط، ولا يزال يطالب بمكانه الطبيعي على خارطة الحقوق والسيادة.
ختاماﹰ: استفتاء كوردستان عام 2017 لم يكن نهاية الطريق، بل بدايته الحقيقية. لقد أثبت أن شعب كوردستان قادر على التعبير عن تطلعاته بأسلوب حضاري وديمقراطي، وأنه لا يقبل التهميش أو التأجيل بعد الآن.
ومع قيادة مثل الرئيس مسعود بارزاني، الذي جسّد بحق معنى القيادة التاريخية في اللحظات الصعبة، تبقى القضية الكوردية حيّة، لا تموت، طالما أن جذورها متغلغلة في أعماق شعب قرر أن يعيش حراً أبیاً.