حكاية أُمة.. القضية الكوردية ومقوماتها القانونية

حكاية أُمة.. القضية الكوردية ومقوماتها القانونية
حكاية أُمة.. القضية الكوردية ومقوماتها القانونية

في حضن الجبال الشاهقة، حيث يتنفس التاريخ عبق الزعتر البري وأنفاس الأجداد، تتجلى حكاية الكورد في العراق. ليست مجرد قضية سياسية تُفكك بنودها في دهاليز الدساتير وقاعات البرلمانات، بل هي قصيدة لم تكتمل، ملحمة تُروى عبر الأجيال، وتُوشى بخيوط من الألم والأمل والصلابة.

هنا، حيث قمم "كورك" و"هلكورد" تتسامى كشهود صامتين، ولد الكورد. شعبٌ يحمل في محاجر عينيه زرقة السماء الصافية، وفي قسمات وجهه تجاعيد الأرض التي عشقها، وفي روحه صلابة الصخر الذي منحه مأوى وعنفواناً. لم يكن قدرهم سهلاً؛ فالتاريخ كتب لهم فصولاً من التيه، من البحث عن وطنٍ يتسع لأحلامهم، لدولتهم التي تظل حلماً معلقاً بين وشوشة الرياح وصمت الغابات.

كم من مرة حملوا قيثاراتهم وعزفوا ألحان الحرية، وكم من مرة حملوا أحزانهم وساروا في دروب الهجرة القسرية. حلبجة ليست مجرد اسم مدينة، بل هي صرخة مدوّية، وصمة عار في جبين الإنسانية، وصورة خالدة لأطفال تحولوا إلى فراشات ملونة تراقصت أرواحها في سماء غاز الخردل. والأنفال ليست مجرد حملة، بل هي محو ممنهج، جريمة كبرى طالت وجودهم، لكنها لم تستطع أن تمحو جذورهم المتأصلة في هذه الأرض.

في كل بيت كوردي، وكل مقهى، وكل حفل زفاف، تتجدد القضية. ليست مجرد أجندة سياسية تُطرح على طاولات المفاوضات، بل هي نبض قلوب، ومحور أحاديث، وتطلعات آباء لأبنائهم. إنها البحث عن الأمان، عن الاعتراف الكامل، عن الكرامة التي لا تتجزأ.

الكورد في العراق، أمةٌ تجدّد نفسها، تنفض غبار الماضي، وتبنى مستقبلها بيدٍ تُمسك المعول وأخرى تُمسك بالقلم. هم ليسوا مجرد جزء من فسيفساء العراق، بل هم لون أساسي، نقشٌ لا يمكن إزالته دون أن تتشوه اللوحة بأكملها. إنهم صدى الجبال الذي يتردد عبر الزمن، شاهداً على أمة تستحق أن تُسمع قصتها، وأن يُعانق حلمها واقعاً من السلام والعدل والازدهار، في حضن وطن يتسع لجميع أبنائه.

من المعروف أن القضية الكوردية من أهم القضايا الدولية المعاصرة، فالشعبُ الكوردي تعرّض لسنوات طويلة لأشرس وأوسع الحملات ضد تطلعاته، وكانوا دائماً ضحية للتوافقات الدولية ومصالحهم، كانت طموح الكورد تصطدم دائماً بمطامع السيطرة العثمانية والصفوية، كما واصطدمت فيما بعد بشوفينية وعنصرية حُكّام العراق الدكتاتوريين وحتى يومنا هذا.

القضية الكوردية لها أهمية كبيرة أيضاً فهي تحملُ معها العديد من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط، ولعل القضية الكوردية تكون لها انعكاسات أمنية خطيرة على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط والأمن الدولي أيضاً، في حال عدم إيجاد الحلول المناسبة لها، فهي قضية واضحة وتمتلك كل عناصر القضية العادلة ومضى عليها العديد من السنوات وهي بانتظار حل عادل طبقاً للقانون الدولي.

 

وللقضية الكوردية مقومات قانونية أيضا وكما يلي:

 

المقومات – أولاً: السند القانوني..

حسب القانون الدولي والمواثيق الدولية هناك وثائق قديمة عُدَّتْ البداية الفعلية لنهوض حق تقرير المصير على الساحة الدولية، فهو ما ورد في بيان الاستقلال الأمريكي في تموز سنة 1776، ومن بعده وثيقة حقوق الإنسان الفرنسية سنة 1789، والحركة الاشتراكية الدولية التي أُنشأت سنة 1869 وأعلن فيها حق الشعوب في تقرير مصيرها وتبنت هذا الحق الاشتراكية النمساوية والألمانية والروسية وأثرت في جميع الحركات الاشتراكية في أوربا. 

أما حديثاً فقد دُوِّنَ حق تقرير المصير من خلال مؤتمر السلام الذي أعقب الحرب العالمية الأولى في باريس سنة 1919، إذ تم التمييز في هذا المؤتمر بين الاقاليم الأوربية وغير الأوربية، فالأولى منحت الاستقلال استناداً إلى المبدأ، في حين تم الالتفاف على حق الشعوب الأخرى في ابتكار نظام الانتداب في المادة 22 من عهد عصبة الأمم لتطبيقه على الأقاليم غير الأوربية، والتي صنفت في ثلاث فئات اعتبرت احداها فقط هي الفئة (أ) جديرة بنيل الاستقلال على أن تتلقى خلال فترة غير محددة الإرشاد والمساعدة من الدولة المنتدبة، ولهذا السبب انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من عصبة الأمم لتقاطع المادة 22 مع ثوابت دستورها وقيمها، تم ادراج حق تقرير المصير في ميثاق حلف الشمال الأطلسي الذي تم إعداده بعد عقد اجتماع في 14 تموز سنة 1941 بين رئيس الولايات المتحدة و رئيس وزراء بريطانيا وقد اتفقوا على الرغبة في عدم إحداث أي تغييرات إقليمية ضد رغبات الشعوب، وهناك قرارات أخرى أيضا في مسألة حق تقرير المصير للشعوب والأمم في مواثيق وقرارات الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة واتفاقيات دولية أخرى مثل اتفاقية فيينا واتفاقية فرساي واتفاقية سيفر واتفاقية هلسنكي .

 

المقومات – ثانياً: السند السياسي..

السند السياسي يعني وجود مطالبة بالاستقلال من قبل الشعوب والأمم بشكل متواصل ولفترة طويلة وبالطرق الشرعية، فالكورد لم يعرفوا عبر تاريخهم الطويل دولة مستقلة كبيرة تجمعهم، فقد انشأوا عدة حكومات مدن صغيرة حتى تمكنوا من إنشاء دولة كبيرة هي الدولة الميدية التي سقطت بفعل الاحتلال الفارسي بحدود 3000 سنة قبل الميلاد، وقاموا الكورد على مر التاريخ بحركات سياسية كثيرة في الدول التي يعيشون فيها مثل الحركة السياسية الكوردية في تركيا والحركة السياسية الكوردية في إيران والحركة السياسية الكوردية في العراق والحركة السياسية الكوردية في سوريا وأرمينيا ايضاً، كانت فيها محاولات استقلالية ايضاً لنيل الحقوق المشروعة والقانونية للشعب الكوردي.

 

المقومات – ثالثاً: السند الحضاري..

تشير الدراسات الحضارية الأولى إلى أن الكورد حكموا منطقة كوردستان الحالية في التاريخ القديم مثل شعب lullu وشعب جودي cuta وشعب الكوشيون kassita وجائت مسميات الدولة الكوردية قبل الميلاد عند الاشوريين والاراميين باسم كورتي، أما الفرس فقد أطلقوا على الكورد اسم كارتيوي، واليونانيون عرفوا الكورد باسم كاردوسوي، والمؤرخ اليوناني المعروف اكزينوف ذكر الكورد في كتابه (الزحف) 400 سنة قبل الميلاد باسم كاردوخ، أي الشعب الذي قاوم تراجع الإغريق من بلاد العجم في المناطق المحيطة بجبال رواندوز في اربيل، وبحكم توسط الكورد بين غرب اسيا وجنوب أوربا وشمال الجزيرة العربية وشرق بلدان البحر الأبيض المتوسط فقد لعبوا دوراً متميزاً في نشر الإسلام والحضارة الإسلامية ايضاً، منذ ذلك الوقت تطورت الخصائص البشرية الوراثية والاقتصادية والاجتماعية ولا سيما في مسائل اللغة والثقافة، لتكوّن شخصية قومية مميزة للكورد، وأهم ميزة قومية للكورد هي بقائهم في أرضهم منذ ذلك الوقت ولغاية اليوم والتي تعرف حاليا بكوردستان .

يتضح مما سبق أن عدم حل القضية الكوردية سوف يرتب تهديدات للأمن المحلي في العراق وتركيا وسوريا وإيران، وسيؤثر كل ذلك على الأمن الدولي والاقتصاد الدولي والتجارة الدولية وخطوط النقل العالمية البرية والجوية والبحرية، وأن البداية في الخطوة الأولى من حل القضية في كوردستان العراق يعطي أملاً بتخفيف التهديدات للأمن والاقتصاد الدوليين في طريق حل القضية الكوردية في الدول الأخرى.