
د. دژوار سندی
أكاديمي ومتخصص في القانون
كوردستان وصوتها في بغداد….أزمة التمثيل ومعركة الشراكة في النظام الفيدرالي العراقي

بِصفةٍ عامة، يُعَدُّ موضوع الفيدرالية والتمثيل السياسي لإقليم كردستان ضمن الهيكل الدستوري العراقي من القضايا البنيوية العميقة التي تتجلى مع كل استحقاق انتخابي، حيث تبرز إشكالية العلاقة بين المركز والأقاليم كمعضلة دستورية وسياسية مستدامة. فمنذ إقرار الدستور العراقي لعام 2005، والذي مثل عقداً اجتماعياً جديداً فيما بعد مرحلة التغيير، ظلت هناك فجوة واضحة بين النصوص الدستورية الصريحة التي تؤطر للعلاقة بين المركز والإقليم، والتطبيق العملي الذي يُواجه إشكاليات متعددة تعكس أزمة الثقة وتعارض الرؤى.
تشير التجربة السياسية الممتدة منذ عام 2005 حتى اليوم إلى أن مبدأ الفيدرالية، كمفهوم دستوري يهدف إلى توزيع السلطات وضمان المشاركة العادلة بين مكونات العراق، لم يتحول بالكامل إلى واقع ملموس وقادر على تحقيق الاستقرار. فالتفسير الانتقائي والمصلحي للنصوص الدستورية من قبل الجهات الفاعلة في المركز، ولا سيما فيما يتعلق بالمواد الخاصة بالصلاحيات المشتركة وحقوق الأقاليم في إدارة مواردها، أدى إلى تفعيل المواد الدستورية حين تخدم مصالح المركز، وإهمالها أو تأويلها بما يحد من فعاليتها حين تُنصف الإقليم. هذا الواقع يُضعف الضمانات الدستورية العملية للفيدرالية، ويُحوّلها إلى إطار شكلي أكثر منه آلية فعالة لتقاسم السلطة وإدارة التنوع.
وفي هذا السياق، فإن التمثيل الكردي في البرلمان الاتحادي لا يُقاس بعدد المقاعد فحسب، بل بمدى فاعليته وقدرته الحقيقية على التأثير في صنع القرار الوطني وفي صياغة السياسات العامة والموازنات. غير أن البيئة السياسية السائدة، التي تهيمن عليها حسابات الكتل السياسية الكبرى والتحالفات القائمة على المحاصصة الطائفية والعرقية، غالباً ما تُهمش صوت الإقليم في القرارات السيادية المتعلقة بالموازنة والنفط والصلاحيات الدستورية. كما أن التشتت في الأداء السياسي الداخلي للممثلين الأكراد أنفسهم، والانخراط في المناورات والصراعات الحزبية الضيقة، يسهم في إضعاف تأثير الكتلة الكردية ككل، ويقلل من قدرتها على تشكيل كتلة ضاغطة فاعلة.
إن معالجة هذا الخلل البنيوي والوظيفي تتطلب إصلاحاً جوهرياً يقوم على عدة ركائز، أهمها: اعتماد معايير الكفاءة والالتزام والوعي الدستوري العميق في اختيار الممثلين الكرد، عوضاً عن الاعتبارات الحزبية والمصالح الضيقة. كما يتطلب تحويل دور النائب الكردي من مجرد ناقل للمطالب أو مفاوض على المناصب إلى فاعل رئيس في صنع السياسات الوطنية ومدافع استراتيجي عن الفيدرالية كخيار لبناء دولة المواطنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضمان فعالية الفيدرالية يتطلب إنشاء آليات رقابية وقانونية واضحة في البرلمان الاتحادي لمساءلة الحكومة عند الخرق الدستوري، ومنح الإقليم هامشاً حقيقياً لادارة موارده الطبيعية والمالية ضمن الإطار الدستوري، دون أن يتحول هذا المطلب المشروع إلى اتهامات بالانفصال.
ختاماً، فإن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة تمثل محكاً حقيقياً لمدى التزام الدولة العراقية بجوهر النظام الفيدرالي الذي ارتضته دستوراً، وهي اختبار لمدى قدرة النظام السياسي على تجاوز المركزية المقنعة بالشكل الديمقراطي، نحو شراكة حقيقية تُعزز وحدة الدولة مع الاعتراف بتعددها وتضمن حقوق جميع مكوناتها. فالفيدرالية الناجحة ليست تهديداً للوحدة الوطنية، بل هي الضامن الأكثر جدوى لاستقرار العراق كدولة ديمقراطية تعددية.