"نحن لا ننحني إلا لله... ولكن... أمام أمهات الشهداء ننحني عشرات المرات"

"نحن لا ننحني إلا لله... ولكن... أمام أمهات الشهداء ننحني عشرات المرات"
"نحن لا ننحني إلا لله... ولكن... أمام أمهات الشهداء ننحني عشرات المرات"

كلمات فخامة الرئيس مسعود البارزاني ليست مجرد خطاب عابر، بل هي وثيقة فلسفية حية تعبر عن جوهر النضال الكوردستاني المعاصر: رفض الخضوع للطغيان، وتكريم التضحية الإنسانية، والإصرار على بناء الذات رغم كل التحديات.

في هذا السياق التاريخي، نسلط الضوء على المرحلة الحديثة التي تلت سقوط نظام صدام حسين عام 2003، حيث تحول إقليم كوردستان من أنقاض الحرب والدمار إلى نموذج ملهِم للتنمية والاستقرار. هذه المسيرة كانت بقيادة فخامة الرئيس مسعود البارزاني، مؤسس كوردستان الحديثة، مستندة إلى منجزات ملموسة تثبت أن الكرامة تُبنى بالعمل الدؤوب لا بالشعارات الجوفاء.

من الرماد إلى الدولة: ولادة كوردستان الجديدة

بعد عقود من الإبادة والتهجير والقمع المنظم، جاء سقوط النظام البعثي عام 2003 بمثابة فجر جديد للشعب الكوردستاني. كان المشهد آنذاك يوحي بالكارثة: قرى محترقة، مدمرة بالكامل، اقتصاد منهار، بنية تحتية معدومة، ومجتمع يعاني من صدمات نفسية عميقة.

لكن في غضون عقدين فقط، تحول الإقليم إلى واحة استقرار في محيط مضطرب، وذلك بفضل الرؤية الثاقبة والقيادة الحكيمة لفخامة الرئيس مسعود البارزاني. لقد قاد عملية إعادة البناء بحكمة السياسي وخبرة القائد، محولاً التحديات إلى فرص، والمآسي إلى منابع للأمل.

أسس الدولة الحديثة: من الحلم إلى الحقيقة

تحت رئاسة فخامة الرئيس مسعود البارزاني للإقليم (2005-2017)، تأسست مؤسسات الدولة الحديثة التي أصبحت نموذجاً يُحتذى به:

· برلمان منتخب يعمل بنظام ديمقراطي تعددي، يجسّد تعددية المجتمع الكوردستاني

· جيش البيشمركة الموحد، الذي تحول من قوات مقاتلة إلى جيش احترافي يحمي الإقليم ويشارك في محاربة الإرهاب

· دستور إقليمي متكامل يضمن الحريات الأساسية والحقوق المدنية، معترف به في الدستور الاتحادي العراقي

· نظام قضائي مستقل يحقق العدالة ويحمي حقوق المواطنين

الإنجازات التنموية: معجزة البنية التحتية

شهد إقليم كوردستان نهضة تنموية شاملة في مجال البنية التحتية، تجسدت في:

· مشاريع المياه والكهرباء العملاقة: حيث تم بناء شبكة متكاملة من محطات توليد الكهرباء تصل ساعات التزويد إلى 24 ساعة يومياً في معظم المدن، كما تم تنفيذ مشاريع استراتيجية للسدود وشبكات الري التي وفرت الأمن المائي للمواطنين والزراعة

· الحملة الخضراء الكبرى: حيث تم زراعة أكثر من 7 ملايين شجرة حول العاصمة أربيل ومدن الإقليم، محولة المناطق الجرداء إلى رئات خضراء تتنفس منها المدن

· شبكة الطرق والجسور المتطورة: التي ربطت المدن والقرى بعضها ببعض، واختصرت المسافات، ونشطت الحركة الاقتصادية والتجارية

· المرافق والخدمات العامة: من مستشفيات حديثة ومدارس متطورة ومراكز خدمية تليق بمواطني الإقليم

النقلة الاقتصادية: من التبعية إلى الاكتفاء الذاتي

شهد الإقليم تحولاً اقتصادياً نوعياً، من اقتصاد يعتمد على المساعدات إلى اقتصاد منتج وجاذب للاستثمار:

· في مجال الطاقة: قفز إنتاج النفط من صفر برميل يومياً عام 2003 إلى أكثر من 450 ألف برميل يومياً بحلول 2014، مع إنشاء خط أنابيب مستقل إلى تركيا

· في مجال النقل: تحول مطار أربيل الدولي من مدرج مهجور إلى مركز إقليمي دولي يستقبل ملايين المسافرين سنوياً

· في مجال التعليم: تأسست  عشرات الجامعات والمعاهد  بمستويات أكاديمية متقدمة وشراكات دولية مرموقة في كل المجالات والاختصاصات العلمية.

السياسة الخارجية: كوردستان تفتح أبواب العالم

أقام إقليم كوردستان جسوراً دبلوماسية متينة مع:

· دول الغرب التي تعترف بدوره الإقليمي الفاعل والمستقر

· دول الجوار الإقليمي التي تثمن استقراره وأمنه

· منظمات دولية تقدر نموذجه الديمقراطي الفريد في المنطقة

· بعثات دبلوماسية تمثل الإقليم في المحافل الدولية

مواجهة التحديات: صمود في وجه العواصف

رغم الحصار الاقتصادي الجائر وقطع رواتب الموظفين والميزانيات من قبل حكومات بغداد - التي عجزت عن تلبية أدنى متطلبات الحياة للعراقيين بسبب تفشي الفساد والنهب المنظم - استمرت حكومة إقليم كوردستان بقيادة السيد مسرور البارزاني رئيس الوزراء في تقديم الخدمات للمواطن الكوردستاني. لقد حققت إنجازات لافتة للأنظار بإمكانيات بسيطة لكن بعزيمة فولاذية وإرادة لا تلين.

مواجهة الإرهاب: درع البشرية في وجه الظلام

في عام 2014، عندما اجتاح تنظيم داعش ثلث العراق، كان إقليم كوردستان الحصن المنيع الوحيد القادر على الصمود. البيشمركة، بقيادة فخامة الرئيس مسعود البارزاني، دافعوا عن أربيل وهاجموا معاقل الإرهاب في الموصل، محررين سنجار ومناطق واسعة من براثن التطرف.

لم يكن هذا الدفاع عن الكوردستانيين فقط، بل كان دفاعاً عن القيم الإنسانية والأخلاقية. واستقبل الإقليم أكثر من 1.8 مليون نازح من عرب وإيزيديين ومسيحيين وتركمان، وقدم لهم المأوى والتعليم والرعاية الصحية، مجسداً قيماً إنسانية سامية. لقد كان هذا الاستقبال ترجمة عملية لروح كوردستان المتسامحة، ليقول العالم: في قلب الشرق الأوسط المضطرب، ثمة نموذج يستطيع أن يجمع بين الأديان والأعراق تحت سقف المواطنة والكرامة الإنسانية.

أمهات الشهداء: رمز العطاء والتضحية

في هذا السياق، تكتسب كلمات "ننحني عشرات المرات أمام أمهات الشهداء" أبعاداً إنسانية عميقة. هؤلاء الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن في معارك الشرف والكرامة، من الأنفال إلى مواجهة داعش، كن ينظرن إلى المستقبل بمزيج من الألم والأمل.

الإقليم يكرم هؤلاء الأمهات عبر:

· رواتب تقاعدية مدى الحياة تضمن كرامتهن المعيشية

· برامج دعم نفسي واجتماعي لمساعدتهن على تجاوز المحنة

· برامج تعليمية وتأهيلية لأبنائهن وأسرهن

· نصب تذكارية ومهرجانات سنوية تجسد تقدير المجتمع لتضحياتهن

هن لسن ضحايا، بل صانعات للتاريخ، وحارسات للذاكرة الجماعية. انحناء فخامة الرئيس مسعود البارزاني أمامهن ليس مجرد بروتوكول، بل هو اعتراف بالجميل وإدراك أن الأمة تُبنى بدموع الأمهات قبل طلقات الرصاص.

استفتاء 2017: صوت الإرادة الحرة

في 25 أيلول 2017، كتب الشعب الكوردستاني فصلًا جديداً من فصول نضاله، حيث صوت 93% من المشاركين (بأكثر من 72% نسبة إقبال) لصالح الاستقلال. لم يكن الاستفتاء تمرداً، بل كان ممارسة ديمقراطية سلمية لحق تقرير المصير، رغم كل الضغوط والعقوبات الدولية.

هذه النتيجة أثبتت أن الشعب الكوردستاني، بعد قرن من الظلم والقمع، ما زال يملك إرادة سياسية حرة، وقدرة على اتخاذ القرار المصيري، وإصراراً على نيل حقوقه المشروعة.

رؤية المستقبل: نحو آفاق أرحب

إن إصرار الشعب الكوردستاني على نيل حقوقه لا ينبع من رغبة في الانعزال، بل من إيمان بحقه في تقرير مصيره، وبناء مستقبله بأيديه. إنها رحلة كفاح متواصلة من أجل الاعتراف بالهوية الكوردستانية الأصيلة، والوجود التاريخي، والحق الطبيعي في إدارة الشؤون الذاتية.

إن كوردستان اليوم لا تبني حاضرها فقط، بل تُؤسس لرؤية مستقبلية تكون فيها دولة ديمقراطية مزدهرة، شريك فاعل في استقرار المنطقة، ومنارة للعلم والثقافة، محافظة على هويتها ومتوافقة مع متطلبات العصر.

الخاتمة: اختيار المصير ومسؤولية المستقبل

وهكذا، من بين أنقاض الماضي، ومن دموع الأمهات، ومن صلابة البيشمركة، ومن عرق البناء، تُولد كوردستان الجديدة. كوردستان التي ترفع رأسها بإنجازاتها، وتنحني فقط لله شكراً، وتنحني أمام أمهات الشهداء إجلالاً. إنها رحلة لم تنتهِ، بل وصلت إلى محطة جديدة، تثبت للعالم أن إرادة الشعوب أقوى من كل محاولات القهر، وأن الكرامة تُبنى، قطعة قطعة، بإيمان لا يتزعزع، وعزيمة من فولاذ.

وفي هذه اللحظة التاريخية الفاصلة، مع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية في 11 نوفمبر، أود أن أوضح أن ما سأقوله ليس حملة انتخابية لأي حزب، بل هو نداء ضمير. كمواطن كوردستاني، وككاتب وصحفي أرى من واجبي الأخلاقي والمهني أن أقول كلمتي. إن نضال الشعب الكوردستاني وتضحياته أكبر من صوتي بملايين المرات، والحزب الديمقراطي الكوردستاني وتضحياته ونضاله - وأنا لست سوى نقطة حبر في سجل التاريخ عبر ملايين الصفحات.

إن التصويت للقائمة 275 للحزب الديمقراطي الكوردستاني يعني دعم مسيرة البناء والإعمار، والاستمرار في مشاريع تطوير البنية التحتية، وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة. إنه خيار من أجل عراق اتحادي ديمقراطي تعددي، يحترم حقوق جميع مكوناته، ويعمل على بناء غد أفضل للجميع.

أمام أمهات الشهداء ننحني، لأنهن علمننا أن الكرامة لا تُرث، بل تُكتسب بالصمود والتضحية.
وأمام الله ننحني،لأنه الوحيد الذي يستحق الخضوع المطلق.

المجد للشهداء.. والخلود لكوردستان الحرة المستقلة.