المنجز قبل الشعار: لماذا يحق لحكومة الإقليم أن تفخر بما حققته؟

المنجز قبل الشعار: لماذا يحق لحكومة الإقليم أن تفخر بما حققته؟
المنجز قبل الشعار: لماذا يحق لحكومة الإقليم أن تفخر بما حققته؟

لا تُقاس الحكومات بما ترفعه من شعارات، بل بما تتركه من أثر في حياة الناس. فالسياسة ليست فن الكلام، بل فن الإدارة. والسلطة التي تستطيع تحويل الوعود الانتخابية إلى واقع ملموس تستند بذلك إلى شرعية حقيقية، لا إلى شعبية عابرة أو خطاب عاطفي. وفي تجربة إقليم كوردستان، ولاسيما خلال فترة الكابينة التاسعة، يتجلى بوضوح أن ما تحقق من منجزات لم يكن وليد ظرف مريح، بل ثمرة قدرة على الصمود والإدارة الناجحة وسط أصعب الأزمات.

لقد واجه الإقليم مرحلة اقتصادية خانقة نتيجة قطع الرواتب وتعطيل الحصة المالية الاتحادية، إلى جانب تذبذب أسعار النفط والضغوط السياسية والإقليمية التي أثرت على المنطقة برمتها. ومع ذلك، لم تتوقف مؤسسات الإقليم عن العمل، ولم تُغلق أبواب الخدمات الأساسية أمام المواطنين. بل استمرت عملية الإعمار، وحُفظ الأمن، وتم الحفاظ على تماسك البنية الإدارية للمجتمع والحكومة. إن القدرة على تثبيت استقرار الحكم في الأزمات ليست خطوة عادية؛ إنها إنجاز استراتيجي يوازي بناء المدن والطرق، لأن الحفاظ على الدولة حين تهتز الظروف أصعب بكثير من إدارتها حين تكون مستقرة.

وفي قلب هذه المرحلة، برزت قيادة الرئيس مسرور بارزاني بوصفه رجل إدارة الأزمة. فقد تعامل مع مرحلة حسّاسة ومعقدة بهدوء استراتيجي وحزم إداري، مانعًا انهيار المؤسسات في لحظة كان الانهيار فيها احتمالًا حقيقيًا. لم يكن دوره إدارة حكومة فقط، بل إدارة توازن الدولة نفسها؛ توازن بين الحاجة الاقتصادية وضغط الشارع، بين تأمين الخدمات والحفاظ على الاستقرار، بين إدارة الموارد المحدودة وحماية قيم المجتمع. وهذه قيادة لا تصدر عن رجل سلطة فحسب، بل عن رجل دولة يدرك أن كوردستان ليست مشروعًا مرحليًا، بل مشروع أمة مستمرة في البناء.

ومن هنا يصبح الانتقال إلى المقارنة مع بقية العراق أمرًا ضروريًا لفهم حجم الإنجاز. فالعراق يمتلك موازنات ضخمة تعادل أضعاف ما يحصل عليه الإقليم، ومع ذلك ما زالت فيه الخدمات الأساسية تتعثر، والبنى التحتية تتقادم، والاضطرابات تعطل الحياة اليومية. في المقابل، استطاع إقليم كوردستان، بموارد أقل بكثير، أن يؤسس شبكات طرق حديثة، والانظمة الرقمية الحديثة ويطوّر الجامعات، ويرفع مستوى الخدمات الصحية، ويحافظ على بيئة أمنية مستقرة. هذه ليست شعارات انتخابية، بل وقائع ملموسة يراها المواطن ويعيشها بشكل يومي.

وعليه، فإن قول الحكومة: “وعدنا فوفّينا” ليس ادعاءً خطابياً، بل وصف لواقع موثَّق. فالمال الذي استخدم في التنمية هو مال عام، لكن التميّز كان في كيفية إدارته. فالسياسة الاقتصادية الرشيدة لا تُقاس بحجم الميزانية فقط، بل بقدرة القيادة على تحويل الموارد إلى استثمارات ومشاريع حقيقية. لذلك، فإن الفارق بين الحكومات لا يكمن في مقدار ما تمتلكه من أموال، بل في رؤية من يديرها وكفاءته في توظيفها لخدمة المجتمع. 

أما المعارضة التي تسعى إلى التقليل من المنجز أو تشويهه، فإنها في كثير من الأحيان لا تقدم نقدًا بنّاء، بل تسعى إلى كسب جمهورها من خلال هدم الثقة وتثبيط الأمل. النقد الحقيقي لا يبدأ بتقويض ما تحقق، بل يبدأ بتقديم بديل واقعي يمكن اختباره وتطبيقه. والسياسة ليست مساحة للنيات، بل ميدان للإنجاز.

واليوم، ومع اقتراب مرحلة انتخابية جديدة، لسنا أمام سردٍ لماضٍ نريد التعلق به، بل أمام رصيد حقيقي يمكن الانطلاق منه نحو المستقبل. فالإنجاز هو الدليل، وهو البرهان، وهو الشرعية التي لا تزول بتغيّر الخطابات أو تبدّل المواقف. ومن يملك الإنجاز، يملك طريق الغد.

من الإنجاز نبدأ… وإليه نعود… ومعه نواصل.