الناخب الكوردي يجدد ثقته بالحزب الديمقراطي الذي يحمي الإقليم

الناخب الكوردي يجدد ثقته بالحزب الديمقراطي الذي يحمي الإقليم
الناخب الكوردي يجدد ثقته بالحزب الديمقراطي الذي يحمي الإقليم

شهدت كوردستان خلال السنوات الأخيرة مرحلة سياسية دقيقة، تداخلت فيها الضغوط الإقليمية مع محاولات داخلية لإعادة توجيه مسار القرار السياسي عبر حملات إعلامية استهدفت الحزب الديمقراطي الكوردستاني بصورة مباشرة. حاولت بعض القوى التشكيك في دوره وموقعه بوصفه الركيزة الأساسية لاستقرار الإقليم وحماية كيانه الدستوري، بل ذهبت إلى تعطيل البرلمان واستغلالها للانتخابات الاتحادية لتقديم صورة مضللة عن تراجع مكانته الشعبية.

غير أن نتائج الانتخابات الأخيرة جاءت لتكشف بوضوح أن الوعي الشعبي الكوردي أعمق من كل تلك المحاولات. فقد أدرك الناخب الكوردي الفرق بين من يحمل مشروع الدولة ويقاتل من أجل استمراريتها، وبين من يرفع شعار المعارضة دون رؤية أو مسؤولية. هذا الإدراك لم يولد لحظة الاقتراع، بل تشكل عبر ذاكرة جماعية ثقيلة حملت صدى الأنفال والتهجير وضياع المؤسسات، فترسخ في الوجدان أن أي شرخ في هيكل الإقليم يعني العودة إلى نقطة الصفر.

وفي اللحظة التي تعرض فيها الإقليم لتهديد مباشر من بغداد عبر قرارات تستهدف تقويض صلاحياته، كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحده في خط المواجهة. ثباتٌ في الموقف، وضوح في الخطاب، ودفاعٌ صريح عن كوردستان دون تنازل أو مساومة. بينما اختارت قوى أخرى الصمت أو المراوغة أو الانشغال بحسابات حزبية ضيقة. وكان السؤال الذي دوّى في الشارع بسيطًا وحاسمًا:

إذا لم يكن الهدف إضعاف الحزب الديمقراطي، فلماذا لم تُسجَّل كلمة دفاع واحدة عن الإقليم من تلك القوى؟

هل كانت قرارات بغداد عادلة ومقبولة في نظرهم؟ أم كان الصمت ثمنًا لإضعاف القوة التي وقفت وحدها في خط الدفاع؟

تكشّفت الإجابة على الأرض. في بادينان، وبدل أن يُصوَّت وفق قناعةٍ ببرامج الإقليم واستحقاقاته، مورست ضغوطٌ على قواعد بعض الأطراف لتوجيه الأصوات إلى قوائم كوتا مسيحية بهدف اضعاف الحزب الديمقراطي، ولو كان الثمن إهدار أصوات أبناء الدوائر نفسها. لقد برهنت تلك القرارات الأخيرة لبعض الأحزاب أن مصلحة الحزب عندهم تعلو على كل شيء؛ كلّفوا أعضاءهم بأن يمنحوا أصواتهم لكوتا المسيحيين وأن يُلغوا أصواتهم لقوائمهم فقط كي يخسر خصومُهم مقعدًا انتخابيًا. غير أن “الضربة” ارتدت أثرًا عكسيًا أقوى مما ظنوا؛ فبفعلتهم هذه أثبتوا لكوادرهم ولأهالي بادينان أن مصالحهم الحزبية تُقدَّم على القومية وعلى مصير الشعب، فجاء الرد الشعبي معاكسًا: قوّى الحزب أكثر بدل أن يضعفه، وصدق المبدأ القائل إن السياسة تُعطي مكاسب حسب النوايا.

هذا المشهد لم يصنع التفوق الانتخابي فحسب، بل كشف الفارق بين من يشتغل بمنطق الدولة ومن يغامر بمنطق اللحظة.  الحزب الديمقراطي لم يتحرك بانفعال، بل بمشروع متماسك: صون الكيان الدستوري، تثبيت الأمن الداخلي ومنع الانزلاق، إدارة رشيدة للعلاقة مع بغداد تحمي الحق ولا تقطع الجسور، وحضورٌ خدمي وتنموي يشعر به المواطن في تفاصيل يومه. هكذا تصبح السياسة مسؤوليةً قبل أن تكون منافسة، ومؤسساتٍ تُبنى قبل أن تكون هتافًا يُرفع. 

أما الذين اكتفوا برفع الصوت دون تحمل مسؤولية، فقد خسروا جمهورهم قبل خصومهم، لأن المعارضة التي لا تحمل مشروعًا تتحول إلى حالة صوتية بلا تأثير. لذلك لم يكن انتصار الحزب الديمقراطي الكوردستاني في هذه الانتخابات مجرد مكسب سياسي، بل كان تجديدًا للعهد بين الشعب والحزب الذي لم يتخلّ عن كوردستان في أكثر لحظاتها حساسية.

لقد قال الشعب الكوردي كلمته: نحن مع من وقف حين تراجع الآخرون، ومع من حمل عبء الجبل حين صمتت المنابر، ومع من صان الدولة عندما أراد البعض مقايضتها.

ما حدث لم يكن منافسة انتخابية عادية، بل استفتاء على بقاء كوردستان نفسه