رسالة صواريخ فاشلة في وجه إرادة أقوى

حقل كومور أثناء تعرضه لهجوم بالمسيّرات
حقل كومور أثناء تعرضه لهجوم بالمسيّرات

لم تكن ضربة كورمور مجرد حادث أمني أو صاروخ عابر تبحث له الفوضى عن مبرّر، بل كانت محاولة بائسة لإرباك معادلة يدرك الجميع أنها أكبر من قدرة الميليشيات على العبث بها. فمنشأة بهذا الوزن، تمدّ الإقليم بالطاقة وتمنح العراق فرصة لاقتصاد متوازن ومستقر، لا تُستهدف لاعتبارات عسكرية، بل لأنها تمثّل رمزية النجاح الذي يضيق به صدر من لا تؤمن بالسلم ولا الشراكة ولا الدولة.

الجهات التي تقف خلف هذا الاستهداف ليست لغزًا ولا مجهولًا، مهما اختبأت خلف أسماء فضفاضة أو تبنّيات مصطنعة. فالصورة واضحة: فصائل مسلحة تريد إبقاء العراق ساحة مفتوحة لصراعات الآخرين، وتستخدم اقتصاد كوردستان كورقة ضغط حين تفشل في تثبيت نفوذها عبر السياسة. والضربة لم تكن سوى محاولة لعرقلة نموذج اقتصادي ناجح في الإقليم، ورسالة إلى بغداد بأن القرار الوطني ما زال محاصرًا بأولئك الذين يظنون أن السلاح، لا القانون، يمنحهم شرعية الوجود.

لكن ما غاب عن منفّذي الهجوم هو أن استهداف المنشآت الحيوية ليس عملاً يهدد الإقليم وحده، بل يشوّه سمعة العراق بأكمله، ويبعث برسالة خطيرة إلى العالم مفادها أن البيئة الاستثمارية تقع تحت رحمة المغامرين بالسلاح. فالأرض التي تُضرب فيها البنى التحتية بلا رادع لن تكون ملاذًا آمنًا لأي مشروع استراتيجي، وهذا ما لا يمكن قبوله لا سياسيًا ولا اقتصاديًا ولا حتى أخلاقيًا.

ومن هنا تتأكد حقيقة لا مجال للالتفاف عليها: إن حماية المنشآت الاستراتيجية في العراق — وعلى رأسها حقل كورمور — لم تعد شأنًا محليًا يمكن تركه لترتيبات أمنية هشّة أو وعود سياسية مؤقتة، بل أصبحت ضرورة دولية. فخطوط الغاز والطاقة المرتبطة بكورمور باتت جزءًا من منظومة مصالح إقليمية وعالمية مترابطة، وأمن الطاقة اليوم هو جزء من أمن المنطقة، وليس ملكًا لطرف واحد.

والحماية الدولية ليست ترفًا أو خرقًا للسيادة، بل ضمانة متعارفًا عليها في الدول التي تمتلك منشآت حسّاسة تتعرض لتهديدات مستمرة. والمقصود بها ليس وجود قوات أجنبية على الأرض، بل:

آليات مراقبة مشتركة مع الأمم المتحدة،

اتفاقيات تحصين أمن الطاقة مع الشركاء الدوليين،

أنظمة دفاع جوي وتمويل دولي لتأمين البنى التحتية،

ومسارات مساءلة دولية لأي جهة تعبث بالمرافق الاقتصادية.

هذه ليست سابقة، بل ممارسة تحفظ السيادة ولا تنتقص منها، لأنها تعزّز قدرة الدولة على حماية ما هو فوق قدرة الترتيبات المحلية.

أما الرسالة الأهم فهي أن الإقليم لن يُبتز. فالهجمات لن تغيّر مسار كوردستان، ولن توقف صعودها الاقتصادي، ولن تمنح الفصائل سلطة أكبر مما تمتلكه. فقد أثبت الإقليم، مرة بعد أخرى، أنه يمتلك القدرة والإرادة ليعيد البناء بعد كل تهديد، ويواصل دوره كشريك أساسي في استقرار العراق.

وفي المقابل، فإنّ على الحكومة الاتحادية أن تستوعب أن التهاون أمام هذه الاعتداءات ليس حيادًا، بل تخلٍّ عن أبسط مسؤوليات الدولة. وأن حماية الطاقة لا تُدار بالتصريحات، بل بالقرارات؛ قرارات تمنع تحويل موارد العراق إلى أهداف في صراع النفوذ، وتضع حدًّا لمن اعتادوا التعامل مع الاقتصاد الوطني كوسيلة ضغط لا اكثر.