رقية أبو الكرم
كاتبة صحفية
(روناكي) مشروع نور يتحدى طيور الظلام
منذ بِدء مشروع النور (روناكي) في كوردستان عمومًا، وأربيل خصوصًا؛ تغيرتْ ملامح المدينة بتوهج ليلي، فأمست كلؤلؤة تضيء الأرض وسط الظلام المحيط؛ الأمر الذي أغاظ الأعداء، فدبّروا أمرهم بليل. حيث استُهدِف حقل (كورمور) في مدينة (سليمانية)، يوم 26 تشرين الثاني الجاري، بطيارات مسيرة وصواريخ موجهة؛ لتدمير المغذي الرئيس لمحطات الغاز في إقليم كوردستان والمدن المحاذية كنينوى، كركوك وصلاح الدين، وتضرر ما يقارب ٨٠% من منظومة إنتاج الطاقة الكهربائية.
لم تتأثر البيوت والعائلات وحدها بالانقطاع المفاجئ للكهرباء، بل تأثر الوضع الاقتصادي للسوق بشكل عام، فبعد استمرار الكهرباء في الأشهر الأخيرة تخلت الحكومة عن المولدات الأهلية التي كانت جزءً من المنظومة التجارية للطاقة الكهربائية، وأصبحت الكهرباء الحكومية المصدر الدائم الوحيد للطاقة الكهربائية.
من خلال جولتنا في الأسواق الشعبية بمدينة أربيل وجدنا انقطاعًا تامًا للنور، وكما نعلم أن مصابيح النور التي تضيء (قيصرية أربيل) وغيرها من الأسواق، لها دور كبير في إضفاء البهجة على المكان، فإنارته من ضروريات العمل لتسويق البضائع؛ بسبب تصميم السوق الأثري الذي أخذ طابع تغليف السقوف وتشابكها، فاضطر أصحاب الدكاكين إلى استخدام مولدات صغيرة جدًا لا تكفي لإشعال مصباح واحد، من أجل تفادي تداعيات الأزمة، ناهيك عن الأصوات والروائح المنبعثة من هذه المولدات. كما نجد سوق الإلكترونيات تضرر أيضًا من جراء انقطاع التيار الكهربائي، فتوقفتْ أجهزة الحاسبات وأجهزة الدفع الإلكتروني للأسواق الكبرى.
تحدث لنا السيد (آزاد) صاحب متجر متخصص بتحديث الألعاب الإلكترونية والأجهزة التقنية قائلًا:
- تضررنا بشكل كبير جرّاء هذا الفعل الذي استهدف شعب كوردستان قبل أن يستهدف الحكومة، لم نستطيع توفير بدائل للكهرباء، وإن استطعنا وفّرنا بديلًا غير كافٍ لسد حاجة المحلات، خصوصًا تلك التي تعتمد في عملها على الكهرباء وشبكة الإنترنت. لقد توقفتُ عن العمل بنسبة ٧٠%، وهذا يعتبر خسارة لي ولكافة التجار في السوق، فالكهرباء والانترنت هي أساس عملنا، والآن نعاني في هذا الظرف من شحة الطاقة الكهربائية.
خلال الجولة التقيت بسيدة وتعرفت على جانب من معانتها خلال الأزمة الأخيرة، حيث أن الانقطاع أثر بشكل كبير على حياة الأسرة، فجاءت السيدة (نازنين) تبحث عن شاحن احتياط للإنترنيت والهواتف، لكي تستطيع شحن الأجهزة عند توفر الكهرباء، كما أكدتْ أن تقليل ساعات تشغيل الكهرباء لا يكفي لتسخين الماء من أجل الاستحمام، وأضافت أن هناك تكلفة إضافية جاءت على عاتق العائلة مع تأخر الرواتب، وهي توفير أنابيب الغاز لتسخين المياه من أجل الحمام والملابس والاستعمالات اليومية.
علقت (نازنين) أيضًا أن: "شحة الكهرباء والبقاء في الظلام ليلًا أمر صعب جدًا، بعد أن توقفتْ المولدات عن العمل، وجاءت الضربة بشكل مفاجئ شل حركتنا، ونحن نفكر كل يوم كيف نستطيع أن نتدبر أمورنا في ظل شحة المياه الساخنة وتأخر الرواتب وظلام الليل؛ كلها أمور تبدو من الصعب أن يتحملها المواطن".
بعد الاطلاع على عدة آراء أخرى حول انقطاع الكهرباء وسط السوق، نجد أن الرأي السائد هو الخوف من أن تطول الأزمة، ويبقى نور كوردستان خافتًا، ويبقى ليل أربيل في سبات، وتلك الأسواق التي تعوّدنا أن نراها تضيء وتتلألأ، لاسيّما وأن أعياد راس السنة على الأبواب، إذ تعودنا في بداية كل سنة أن نشهد أربيل تنافس بأضوائها مدن العالم، وفي هذا العام؛ مع وجود مشروع روناكي، تقف كوردستان في موقف تحدٍ أمام من يريد أن يطفئ أنوارها، ومن يريد أن يراها في ظلام دامس.
بحسب تصريحات حكومة إقليم كوردستان ووزارة الكهرباء في الإقليم، فإن الأزمة ستكون مؤقتة، ولن تستمر طويلًا، وسيتم توفير الغاز اللازم لإعادة المنظومة للعمل بشكل كامل خلال الأيام القليلة القادمة.