مظفر مزوري
صحفي في مؤسسة كوردستان24
من رئة كورمور الى قلب لاناز.. الحرب الهجينة تستهدف قطاع الطاقة الكوردستاني
حينما يتم استهداف كورمور "رئة الغاز" في السليمانية، وتتبعها أو تتزامن معها تهديدات أو استهدافات لمحيط لاناز "قلب التكرير" في أربيل من خلال القيام بزعزعة الامن واستغلال الاهالي في قرية لاجان، فإننا لسنا أمام خروقات أمنية تقليدية. إن قراءة "مسرح العمليات" تشي بأننا أمام تطبيق حرفي لمفهوم "الحرب الهجينة" (Hybrid Warfare)، حيث تتكامل الضغوط العسكرية عبر المسيّرات مع الضغوط من بغداد، بهدف واحد: إنهاء "الاستقلال الطاقوي" لإقليم كوردستان بشكل نهائي.
لم تعد الهجمات التي تتعرض لها البنى التحتية في إقليم كوردستان العراق مجرد حوادث أمنية متفرقة أو رسائل عشوائية، بل تحولت إلى استراتيجية عسكرية وسياسية واضحة المعالم. عند النظر بتمعن إلى القصف المتكرر لحقل "كورمور" الغازي في السليمانية، ومحاولات استهداف مصفاة "لاناز" ومحيطها في أربيل مؤخراً، نجد خيطاً رفيعاً ولكنه متين يربط بين الحدثين: إنها "حرب الطاقة" ومحاولة خنق الإقليم اقتصادياً.
الرابط الأول: الأكثر وضوحاً بين "كورمور" و"لاناز" هو طبيعة الهدف، كورمور ليس مجرد حقل غاز، بل هو الرئة التي يتنفس منها قطاع الكهرباء في الإقليم "يوفر الغاز لمحطات التوليد التي تنتج حوالي 80% من كهرباء كوردستان". أما مصفاة "لاناز" في أربيل، فتعتبر من أكبر المصافي الحديثة وعصب الصناعة النفطية المحلية.
الجمع بين استهداف منبع الغاز كورمور ومركز تكرير النفط لاناز يعني محاولة شل قطاع الطاقة بشقيه: الكهرباء للمواطنين، والوقود والمحروقات للحركة الاقتصادية. الهدف هنا ليس عسكرياً، بل هو محاولة إركاع الإقليم عبر "الإظلام" و"التعطيل".
الرابط الثاني: لا يمكن فصل توقيت هذه الهجمات عن السياق السياسي المعقد بين أربيل وبغداد، وبين الفواعل الإقليمية. الفصائل المسلحة التي تتبنى أو تُتهم بهذه الهجمات تعمل ضمن أجندة ترفض استقلالية ملف الطاقة الكوردي.
في كورمور، الرسالة واضحة لمنع أي توسعة مستقبلية للحقل قد تسمح بتصدير الغاز إلى تركيا أو أوروبا، وهو ما تعتبره إيران تهديداً لنفوذها في سوق الطاقة، وتعتبره قوى في بغداد تجاوزاً للصلاحيات الاتحادية.
في لاناز، الرسالة موجهة للحزب الديمقراطي الكوردستاني وحكومة الإقليم بأن "رأس المال المحلي" والمشاريع الاستراتيجية ليست في مأمن، في محاولة لضرب الثقة الاستثمارية في العاصمة أربيل.
الخلاصة، الربط بين ضرب "منبع الغاز" و"مركز تكرير النفط" هو محاولة لتجفيف المنابع المالية لكوردستان، وإجباره على العودة إلى بغداد ليس كشريك، بل كطرف عاجز يطلب الموازنة والوقود.
الرابط الثالث: استهداف الشركات المستثمرة. في كورمور، الشريك هو دانة غاز "شركة إماراتية"، وفي لاناز الاستثمار محلي وخاص. الهجمات تهدف إلى خلق بيئة "طاردة للاستثمار". عندما تُقصف مصفاة في أربيل وحقل غاز في السليمانية في فترات متقاربة، فإن الرسالة للمستثمر الأجنبي والمحلي هي أن جغرافية كوردستان بأكملها "من المنطقة الصفراء إلى المنطقة الخضراء" باتت تحت مرمى النيران، مما يرفع تكلفة المخاطر ويؤخر مشاريع التنمية.
هدف الضربة: ضرب كورمور يعني ضرب "مدخلات الإنتاج". بدون غاز، تتوقف الكهرباء. وبدون كهرباء، يتوقف ضخ المياه والمصانع والحياة المدنية. الهدف هنا هو "صناعة نقمة شعبية" داخل الإقليم ضد حكومة إقليم كوردستان، وتصويرها كعاجز عن توفير أبسط الخدمات.
جغرافياً: يقع كورمور في منطقة نفوذ الاتحاد الوطني، ولاناز في منطقة نفوذ الديمقراطي الكوردستاني. استهداف الموقعين يثبت أن الجهات المنفذة لا تفرق بين الحزبين في "حرب الطاقة". الهجمات هي صدى للصراع الإقليمي الأوسع؛ حيث يُنظر إلى بنية الطاقة في كوردستان كجزء من الاصطفافات الغربية/الأمريكية في المنطقة، وبالتالي يتم استهدافها من قبل "محور المقاومة" كجزء من الضغط على الوجود الأمريكي أو حلفائه، حتى وإن كانت الأهداف مدنية واقتصادية بحتة.
إن ما حدث في محيط مصفاة "لاناز" وما يتكرر في "كورمور" هما وجهان لعملة واحدة. إنها معركة تهدف إلى تحويل إقليم كوردستان من كيان شبه مستقل طاقوياً وقادر على تطوير بنيته التحتية، إلى كيان عاجز يعتمد كلياً على الاستيراد أو قرارات بغداد، ويعاني من أزمات خدماتية تؤلب الشارع على السلطة. الربط بين الحدثين يحتم على القوى السياسية الكوردية قراءة المشهد بصفته تهديداً وجودياً للاقتصاد الكوردستاني، وليس مجرد مناوشات عسكرية عابرة.