ترامب وأوروبا في معركة إعادة تعريف التحالف الأطلسي

ترامب وأوروبا في معركة إعادة تعريف التحالف الأطلسي
ترامب وأوروبا في معركة إعادة تعريف التحالف الأطلسي

تشهد العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توتراً غير مسبوق منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بعدما شنّ هجوماً واسعاً على أوروبا واصفاً إياها بأنها «قارة متدهورة» تقودها «شخصيات ضعيفة». 

الاتحاد الأوروبي ردّ سريعاً، إذ أكدت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، باولا بينيو، أن قادة الاتحاد السبعة والعشرين يقودون «مشروع السلام الأوروبي» بثقة وسط تحديات الحرب والتجارة والهجرة.

لم تقتصر تداعيات الهجوم الأميركي على بروكسل فقط. ففي لندن، رفضت الحكومة البريطانية تصريحات ترامب بشأن «تقاعس» أوروبا عن التوصل إلى حل للحرب في أوكرانيا، مشددة على دورها في العقوبات وقيادة جهود الردع ضد موسكو. 

وبينما تحرص بريطانيا على تثبيت شراكتها مع واشنطن، فإنها تشارك الأوروبيين رفضهم لتوصيف ترامب للقارة بأنها على طريق الانهيار.

التصعيد الأميركي لم يبق في حدود التصريحات، إذ كشفت استراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة عن تحول خطير في خطاب واشنطن تجاه حلفائها. فقد وصفت الوثيقة الاتحاد الأوروبي بأنه «مهدد بالمحو الحضاري» بسبب الهجرة والسياسات الاجتماعية، واعتبرت القواعد الرقمية الأوروبية «تقييداً لحرية التعبير». ويبدو أن هذه التحليلات ليست مجرد انفعالات عابرة، بل تعكس رؤية أيديولوجية يتبناها مستشارون مثل مايكل أنطون، مدير تخطيط السياسات في إدارة ترامب، الذين ينظرون إلى أوروبا من زاوية حضارية وقومية ضيقة.

في المقابل، يرى الأوروبيون أن هذه الاتهامات تمثل محاولة أميركية لإضعاف استقلاليتهم التنظيمية والضغط عليهم في ملفات التجارة والتكنولوجيا وحرب أوكرانيا. كما يثير دعم شخصيات داخل الإدارة الأميركية لأحزاب قومية يمينية أوروبية مخاوف متزايدة من تدخل مباشر في السياسة الداخلية للدول الأعضاء.

تتزامن هذه الخلافات مع تهديدات مبطنة بأن استمرار السياسات الأوروبية الحالية قد يدفع واشنطن إلى إعادة النظر في التزاماتها داخل الناتو، وهو ما يفسّر القلق المتصاعد في بروكسل بشأن مستقبل التحالف الأطلسي. 

ويتعمق هذا القلق مع الإشادات الروسية العلنية باستراتيجية الأمن القومي الأميركية، في إشارة إلى إمكانية استثمار موسكو لهذا الشرخ داخل المعسكر الغربي.

اليوم، يقف الغرب أمام مفترق طرق: رؤية أميركية جديدة تسعى لإعادة تعريف الحضارة الغربية بمنظور قومي ضيق، و رؤية أوروبية ليبرالية تتمسك بالديمقراطية وسيادة القانون. وبين هذين المسارين، تتحول العلاقة عبر الأطلسي من تحالف راسخ إلى معركة غير معلنة لتحديد من يملك حق تعريف «الغرب» في القرن الحادي والعشرين.