حين توحّد الصوت الكوردي… زاخو تتكلم باسم شعبٍ كامل

حين توحّد الصوت الكوردي… زاخو تتكلم باسم شعبٍ كامل
حين توحّد الصوت الكوردي… زاخو تتكلم باسم شعبٍ كامل

منذ ما يقارب الساعات، ومنذ أن طالت الأيام انتظارًا للحظة الإعلان، وما إن أعلنت الفيفا النتائج حتى خيّم صمتٌ مهيب؛ صمتٌ لم يكن عجزًا عن الكلام، بل دهشةً أمام إنجازٍ تجاوز حدود التوقع والكلمات. وقفنا لحظتها نبحث عن عبارات تليق بالمقام، وعن حروف قادرة على حمل وزن هذا الفوز التاريخي، فوجدنا أن الفخر وحده هو اللغة، وأن الامتنان هو أصدق ما يمكن أن يُقال.

لم يكن هذا الفوز لحظة عابرة في سجل الرياضة، بل كان ثمرة حلمٍ طويل، وعملٍ دؤوب، وإيمانٍ لم ينقطع. إنجازٌ سيبقى علامة فارقة تُروى للأجيال، لأنه لم يسجّل فوز نادٍ فحسب، بل دوّن أول تجمع جماعي واسع للكورد، أينما كانوا، بعيدًا عن الانتماءات السياسية الضيقة، وقريبًا ـ بل في صلب ـ الانتماء الحقيقي: الانتماء للقضية الكوردية.

للمرة الأولى، اجتمع الكورد على هدفٍ واحد، كلٌّ بطريقته، وكلٌّ من موقعه. منهم من بادر فورًا بإنشاء بريد إلكتروني فقط ليتمكن من التصويت، ومنهم من تعلّم آليات المشاركة في وقتٍ قياسي، رغم أن الأمر لم يكن سهلًا في بداياته. كانت العملية تتطلب تسجيلًا، ثم تصويتًا، ثم متابعة، لكن بفضل التكنولوجيا، وسرعة التواصل، والدافع الذاتي المتجذر أصلًا في الوعي الجمعي، تحوّل التحدي إلى فعل جماهيري واسع النطاق.

ما ميّز هذه الحملة أنها لم تكن موجّهة أو محتكرة من جهة بعينها، بل حظيت بدعمٍ واسع، شمل شخصيات سياسية وقادة كورد، دون انحياز لهذا الطرف أو ذاك. لقد أصبح الانحياز الوحيد هو للقضية الكوردية أولًا، وللصوت الكوردي حين يتوحد. وفي هذا السياق، ظهر نادي زاخو في ظاهره كنادٍ رياضي معروف، لكنه في باطنه كان توقيعًا جماعيًا على قضية أعمق، ورفعًا لشأن شعبٍ لطالما سُلب حقه في التعبير الموحد.

سبعة ملايين ونصف المليون صوت تقريبًا لم تكن رقمًا عابرًا، بل كانت أعلى نسبة تصويت عالمي يحققها الكورد في قضية واحدة. رقمٌ يثبت أن هذا الشعب، متى ما أُتيحت له الفرصة، قادر على التنظيم، والتأثير، وفرض حضوره. لقد أكدت الرياضة مرة أخرى أنها لغة جامعة، توحّد ولا تفرّق، وتقول للعالم: نحن شعبٌ فرّقته المصالح الدولية، والاتفاقيات المجحفة، وتقسيم الجغرافيا، لكننا ما زلنا شعب أرض وهوية، حتى وإن لم ترفرف فوقنا راية دولة واحدة تجمع شملنا.

رغم غياب العلم الموحد، استطاع جمهور نادي زاخو، بحماسه ووعيه، أن يتجاوز الصعاب، وأن يشكّل فسيفساء جميلة ضمّت كل أطياف الشعب الكوردي، من الداخل والخارج، ولا سيما كورد أوروبا الذين كان لهم حضور لافت ومؤثر. الجميع صوّت، والجميع قال نعم؛ ليس فقط لنادٍ، بل لفكرة، ولمعنى، ولإثبات وجود.

مرّت الأيام، واستمر التصويت، ثم أُغلق باب المشاركة، لتبدأ مرحلة القلق. تأخر إعلان النتائج أثار مخاوف مشروعة، خاصةً لدى شعبٍ اعتاد أن يقترب كثيرًا من مبتغاه، ثم تُسحب الفرصة في اللحظة الأخيرة بفعل تدخلات، أو ضغوط، أو حسابات دول ذات صوتٍ عالٍ في إدارة شؤون العالم. كانت الذاكرة مثقلة بالتجارب، والخوف حاضرًا من أن تمتد يدٌ غير أمينة إلى هذه اللعبة.

لكن ما حدث هذه المرة كان مختلفًا. فقد جاءت الالتفافة الكوردية الشاملة، مدعومة بزخم إعلامي، ودفع قوي من الكورد في الداخل والخارج. كان الصوت واحدًا، والإرادة واحدة، والنتيجة واحدة. نجح الجميع، وتصدر نادي زاخو المشهد بجدارة.

ومنذ ساعات الإعلان، لم تتوقف مظاهر الفرح. احتفالات عمّت مختلف المناطق الكوردية، وزاخو على وجه الخصوص دخلت مرحلة الاستعداد لحدثٍ كبير، يليق بحجم الإنجاز. إنه احتفال بفوزٍ رياضي، نعم، لكنه قبل ذلك احتفال بوحدة شعب، وبقدرة جماعية، وبأملٍ متجدد.

زاخو اليوم ليست مجرد نادٍ و جمهور في الصدارة، بل رمزٌ لما يمكن أن يكون عليه المستقبل حين يتفق الكورد على كلمة واحدة. لقد قالت الرياضة ما عجزت السياسة عن قوله طويلًا: نحن هنا، ونحن قادرون، وإذا اجتمعنا… ننتصر.