مدن سورية تحيي الذكرى الـ14 للاحتجاجات الشعبية للمرة الأولى بعد إطاحة الأسد

أربيل (كوردستان24)- احتشد الآلاف في مدن سورية عدة لا سيما في دمشق مساء السبت لإحياء الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الاحتجاجات المناهضة لبشار الأسد، وذلك للمرة الأولى بعد إطاحة الرئيس المخلوع، في تحرك غير مسبوق منذ العام 2011.
وتأتي هذه الذكرى في وقت تواجه السلطات الجديدة تحديات عديدة تتعلق بإدارة المرحلة الانتقالية وبعد يومين من إقرار الإعلان الدستوري الذي يمنح الرئيس الجديد أحمد الشرع سلطات مطلقة في إدارتها، وفق خبراء، وبعد أعمال عنف دامية في منطقة الساحل السوري.
وتجمّع المئات في ساحة الأمويين وسط العاصمة مساء السبت استكمالا لفعاليات انطلقت بعد الظهر، وسط إطلاق مفرقعات نارية وبث اغان وطنية وإسلامية، رافعين الأعلام السورية. وتحولت الساحة في أعقاب سقوط الأسد إلى نقطة للاحتفاء بالمرحلة الجديدة، بعدما بقيت طوال أعوام النزاع رمزا لتجمعات لأنصار الأسد للرد على الاحتجاجات المناهضة في مدن أخرى.
ومن الساحة، قال عبد الغني كيوان (42 عاما) الذي جاء مع زوجته وابنه مساء "هذا المشهد يعلمنا أن الحق لا يضيع حين يبقى من يطالب به".
واضاف "الثورة انتصرت لكن علينا جميعا أن نحافظ على هذا الانتصار، الثورة ليست ملك لأي سلطة بل هي ملك للشعب".
ونشرت وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا" صورا تظهر الآلاف من المحتفلين في وسط مدينة حلب شمالا وفي حماه (وسط) مساء.
وفي ساحة الساعة في مدينة حمص التي كانت من أولى المدن التي شاركت في آذار/مارس 2011 في الانتفاضة الشعبية ضدّ الأسد وشهدت مواجهات مسلّحة عندما تحوّل قمع السلطات للتظاهرات الشعبية الى اشتباكات، احتشد الآلاف كذلك إحياء للذكرى، كما أظهرت صور نشرتها "سانا".
-"الثورة"-
وكان العشرات تجمّعوا في ساحة الأمويين في دمشق بعد الظهر أيضا رافعين الأعلام السورية الجديدة، ولافتات كتب على بعضها "الثورة انتصرت"، فيما حلّق الطيران المروحي وألقى بمنشورات ملونة كتب عليها "لا مكان للكراهية بيننا لأن سوريا تحتاج قلوبا صافية وأياد متكاتفة".
وقالت هناء الدغري (32 عاما) من ساحة الأمويين "ما يجري الآن هو حلم لم أجرؤ على التفكير فيه، خرجت من دمشق قبل 12 عاما لأنني كنت مطلوبة أمنيا، ولم يكن لديّ أمل بالعودة لولا التحرير".
وفي مدينة إدلب في شمال غرب البلاد، تجمّع المئات كذلك خلال اليوم احتفالا بالذكرى على وقع أناشيد دينية في ساحة في وسط المدينة، رافعين الأعلام السورية وعلم هيئة تحرير الشام، وسط حضور أمني كما شاهد مصور في فرانس برس.
وهتف المتجمعون "بالروح بالدم نفديك سوريا"، وخلفهم لافتة كبيرة كتب عليها "من هنا انطلقنا وإلى دمشق وصلنا".
وعلى جدار مجاور، عُلقت عشرات الصور لشباب قتلوا خلال السنوات الماضية، منهم من يحمل سلاحا وآخرون صحافيون وناشطون وأطفال.
وقال أنس خطيب (38 عاما) من ساحة التظاهر في إدلب "بدأنا الثورة عام 2011... والآن بعد 14 عاما، انتصرنا والحمد لله".
وكتب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على منصة إكس "سنبقى مدينين لصرخة الحرية الأولى، تلك التي انطلقت من درعا مهد الثورة السورية وعمت جميع المدن"، مضيفا "سنواصل العمل حتى نمكن شعبنا بكافة أطيافه وعلى كامل أرضه من العيش بحرية وكرامة".
واعتبارا من منتصف آذار/مارس 2011 في خضم ما عرف بـ"ثورات الربيع العربي"، خرج عشرات آلاف السوريين في تظاهرات مطالبين بإسقاط نظام الأسد. وتوسلت السلطات العنف في قمع الاحتجاجات، ما أدخل البلاد في نزاع دامٍ تنوعت أطرافه والجهات المنخرطة فيه.
ويأتي إحياء الذكرى هذا العام للمرة الأولى من دون حكم آل الأسد الذي امتد زهاء نصف قرن، بعد أن أطاحته فصائل تقودها هيئة تحرير الشام، بدخولها دمشق في الثامن من كانون الأول/ديسمبر إثر هجوم بدأته من معقلها في شمال غرب البلاد في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر.
ويقود زعيم الهيئة أحمد الشرع الإدارة الجديدة، وتم تعيينه رئيسا انتقاليا للبلاد أواخر كانون الثاني/يناير.
- تحديات-
تواجه سوريا تحديات كبيرة مرتبطة بالواقع المعيشي والخدمي، فضلا عن تحديات مستجدة مرتبطة بالسلم الأهلي، ولا سيما بعد أيام من أعمال عنف دامية في منطقة الساحل أوقعت أكثر من 1500 قتيل مدني غالبيتهم علويون، قضوا على أيدي عناصر الأمن العام ومجموعات رديفة، وفق آخر حصيلة للمرصد السوري لحقوق الانسان.
وشكّلت هذه الأحداث اختبارا مبكرا للشرع الساعي الى ترسيخ سلطته على كامل التراب السوري، بعدما كان تعهد مرارا الحفاظ على السلم الأهلي وحماية الأقليات.
وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسون في بيان الجمعة "مر أربعة عشر عاما منذ أن خرج السوريون إلى الشوارع في احتجاجات سلمية، مطالبين بالكرامة والحرية ومستقبل أفضل".
وأشار إلى أن السوريين "يستحقون الآن انتقالا سياسيا يليق بصمودهم وسعيهم لتحقيق العدالة والكرامة"، داعيا الى وقف فوري لجميع أعمال العنف وحماية المدنيين وفقا للقانون الدولي.
وأكد ضرورة "اتخاذ خطوات جريئة لتشكيل حكومة انتقالية وصوغ دستور جديد".
ووقع الشرع الخميس على إعلان دستوري من 53 مادة، حدّد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنح الرئيس الانتقالي سلطات مطلقة في تشكيل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، رغم تبنيه في الوقت ذاته مبدأ "الفصل بين السلطات".
وكان الكورد الذين استبعدتهم السلطة من مؤتمرات ولجان شكلتها خلال الأسابيع الماضية، أول من سارع الى رفض الاعلان الدستوري ونددوا الجمعة بـ"محاولة لإعادة إنتاج الديكتاتورية".
واعتبروا في بيان جديد السبت في ذكرى الاحتجاجات الشعبية أن الإعلان الدستوري "جاء مخيبا للآمال ولم يعكس بشكل كافٍ طموحات الشعب السوري في بناء دولة ديمقراطية عادلة".
AFP