"التلوين".. آخر ورش الصباغة الطبيعية في سنندج تقاوم الاندثار وسط هيمنة التكنولوجيا

أربيل (كوردستان24)- في زاوية منسية داخل سوق "آصف" التاريخي، وتحديداً في المنطقة المعروفة بـ "ميدان القصابان" بمدينة سنندج في شرق كوردستان (إيران)، يصارع الحاج محمد علي الزمن للحفاظ على إرث فني يمتد لأكثر من قرن ونصف، حيث يدير الورشة الوحيدة المتبقية لمهنة "التلوين" (الصباغة التقليدية).

مهنة تلاشت مع تراجع السجاد اليدوي

لسنوات طويلة، كانت مهنة صباغة الخيوط مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصناعة السجاد اليدوي المزدهرة في شرق كوردستان. في السابق، كانت مدينة سنندج تضم 17 ورشة تعج بالحياة والعمل ليلاً ونهاراً لتلبية طلبات القرى والمدن المجاورة، حيث كان نسج السجاد جزءاً لا يتجزأ من هوية كل منزل. إلا أن تراجع هذه الصناعة أدى إلى إغلاق جميع الورش، ولم يتبقَ سوى ورشة واحدة تقاوم الإغلاق.

ألوان من رحم الطبيعة

الأسطة "محمد علي"، البالغ من العمر 78 عاماً، قضى أكثر من 60 عاماً من عمره بين أوعية الصباغة. ما يميز عمله هو الرفض القاطع لاستخدام المواد الكيميائية؛ حيث يعتمد كلياً على الطبيعة الكوردستانية لاستخراج الألوان. يستخدم قشور الجوز، الرمان، ونبات الفوة (الروناس)، والأعشاب البرية لصبغ الصوف والخيوط، محافظاً على تقاليد المهنة كما ورثها.

صرخة للحفاظ على التراث

يقول محمد علي بأسى: "في الماضي كنا نعمل ليل نهار، أما الآن فقد تراجع العمل بنسبة تصل إلى الصفر". ويشير إلى أن الخطر الأكبر لا يكمن فقط في قلة العمل، بل في غياب "الوريث" لهذه المهنة. فهو يعمل وحيداً بلا مساعدين أو متدربين، ولا يساعده سوى ابنه في بعض الأحيان.

ووجّه "الأسطة" الأخير نداءً إلى الجهات الحكومية والتربوية، مبدياً استعداده التام لفتح أبواب ورشته التي يتجاوز عمرها 150 عاماً، لتدريب طلاب المعاهد المهنية ونقل خبرته إليهم مجاناً، خشية أن تدفن أسرار هذه المهنة معه.
ضحية الحداثة

بين جدران ورشته العتيقة التي تفوح منها رائحة التاريخ والأصباغ الطبيعية، يقف محمد علي شاهداً أخيراً على مهنة كانت يوماً عصب الاقتصاد المحلي، وتتجه اليوم نحو النسيان والاندثار بفعل التطور التكنولوجي وتغير أنماط الحياة.


تقرير: كوردستان24

 
Fly Erbil Advertisment