الفساد الإداري في سوريا ودور الأوليغارشية الجديدة كوسيط إقليمي

الفساد الإداري في سوريا ودور الأوليغارشية الجديدة كوسيط إقليمي
الفساد الإداري في سوريا ودور الأوليغارشية الجديدة كوسيط إقليمي

عانت سوريا لعقودٍ من الفساد الإداري الممنهج الذي تحوَّل إلى سمة جوهرية في نظام حكم الأسد، حيث ارتبطت السلطة بالنخبة الاقتصادية (الأوليغارشية) التي تحكمت بمفاصل الدولة. ومع سقوط النظام في 2024، برزت طبقة أوليغارشية جديدة تُحاول لعب دور الوسيط بين الأطراف الإقليمية في سوريا الجديدة، مستفيدةً من شبكة مصالحها لتعزيز نفوذها. يسلط هذا المقال الضوء على تطور دور هذه الطبقة في ظل التحولات السياسية، ودورها المحتمل في تحقيق الاستقرار عبر الحل الفيدرالي وضمان حقوق الأقليات. 

 

 الفساد الإداري: من عهد الأسد إلى ما بعده

1. الفساد كأداة حكم في عهد الأسد

   - تميز حكم الأسد بمركزية السلطة وغياب الشفافية، حيث تحالفت العائلة الحاكمة مع رجال الأعمال المقربين (الأوليغارشية القديمة) لاحتكار الاقتصاد عبر الصفقات المشبوهة والاحتكارات.  

   - تحوَّلت المؤسسات الأمنية إلى أدوات لفرض الرشاوى والمحسوبية، ما أدى إلى تدهور الخدمات العامة (كالكهرباء والصحة) وانهيار الناتج المحلي بنسبة 88% بين 2010 و2023.  

2. ما بعد الأسد: فوضى الفساد وصعود الأوليغارشية الجديدة

   - مع انهيار النظام، تفككت الأوليغارشية التقليدية، لكن سرعان ما تشكلت طبقة جديدة من رجال الأعمال والوسطاء المرتبطين بالقوى الإقليمية (كإيران وتركيا ودول الخليج).  

   - استغلت هذه الطبقة الفوضى الأمنية وتعدد الجهات المسلحة لتعزيز نفوذها عبر التهريب وتمويل الميليشيات، وتحولت إلى وسيطٍ بين الأطراف المحلية والإقليمية لضمان مصالحها الاقتصادية. 

 

 الأوليغارشية الجديدة: وسيط إقليمي أم مُعيق للاستقرار؟

1. الدور المزدوج للأوليغارشية

   - تُقدم الأوليغارشية الجديدة نفسها كـ"جسر" بين الفصائل المتناحرة، مستخدمةً علاقاتها مع دول الجوار لترتيب صفقات اقتصادية (مشاريع إعادة الإعمار) أو تفاهمات أمنية.  

   - في المقابل، تعتمد القوى الإقليمية على هذه النخبة للوصول إلى مناطق النفوذ في سوريا، ما يعزز من دورها كـ"لاعب خفي" في المشهد السياسي.  

2. التحديات والمخاطر

   - تُكرس هذه الطبقة الفساد عبر تحالفاتها مع الميليشيات المحلية، مما يُعيق بناء مؤسسات دولة قائمة على الكفاءة.  

   - قد تُصبح الأوليغارشية الجديدة عائقًا أمام الحل الفيدرالي إذا تحالفت مع جهات خارجية ترفض توزيع السلطة بشكل عادل. 

 

 الحل الفيدرالي وحقوق الأقليات: فرص وتحديات

1. الفيدرالية كإطار لتقليص نفوذ الأوليغارشية

   - يمكن أن يساهم الحل الفيدرالي في تفكيك الاحتكار الاقتصادي عبر منح المناطق صلاحيات إدارية واقتصادية تسمح بمحاربة الفساد المحلي.  

   - لكن نجاح هذا النموذج يتطلب ضمان تمثيل الأقليات (كالكورد والمسيحيين) في الحكم المحلي، وقطع الطريق على الأوليغارشية التي قد تستغل الانقسامات الطائفية.  

2. حقوق الأقليات ومخاطر الاستغلال

   - يجب أن يُرافق الفيدرالية آليات لحماية الأقليات من استغلال النخبة الاقتصادية، مثل تشكيل مجالس محلية مستقلة تخضع لمعايير الشفافية. 

 

 بناء دولة الكفاءات: مواجهة إرث الفساد

1. إصلاح الإدارة: من المحسوبية إلى الجدارة

   - يتطلب تعزيز الكفاءة إصلاحًا جذريًّا يشمل:  

     - إعادة هيكلة الجهاز الإداري باستخدام معايير مهنية.  

     - تفعيل هيئات رقابية مستقلة لمحاسبة الفاسدين.  

   - يجب استبعاد العناصر المرتبطة بالأوليغارشية القديمة والجديدة من المناصب السيادية.  

2. دور المجتمع الدولي

   - يمكن للداعمين الدوليين (كالاتحاد الأوروبي) ربط مساعدات إعادة الإعمار بإصلاحات حقيقية، مثل دعم المشاريع الصغيرة لتقليل اعتماد الاقتصاد على الأوليغارشية.  

 

لم تكن الأوليغارشية السورية مجرد نتاج للفساد في عهد الأسد، بل تحولت إلى قوة مؤثرة في مرحلة ما بعد الثورة، تلعب دور الوسيط بين الأطراف الإقليمية والمحلية. ورغم أن هذا الدور قد يُسهم مؤقتًا في تخفيف التوترات، إلا أنه يُهدد باستمرار الفساد وإفشال أي حلول دائمة. لذلك، يجب أن تكون إعادة بناء سوريا مبنية على تفكيك شبكات النفوذ الاقتصادي، واعتماد الفيدرالية كآلية لضمان التمثيل العادل، وبناء دولة تخضع لمعايير الكفاءة والشفافية