عملاق الأدب العربي عباس العقاد يحكي عن أمه الكوردية: "كانت شقراء وورثتُ شجاعتها وقوتها" - الجزء الثاني

عملاق الأدب العربي عباس العقاد يحكي عن أمه الكوردية: "كانت شقراء وورثتُ شجاعتها وقوتها" - الجزء الثاني
عملاق الأدب العربي عباس العقاد يحكي عن أمه الكوردية: "كانت شقراء وورثتُ شجاعتها وقوتها" - الجزء الثاني

في الجزء الثاني عن عملاق الأدب العربي، وهو اللقب الذي أُطلق عليه لبراعته في كل فنون الأدب، نتناول حكايته الخاصة عن أمه الكوردية، التي عُرفت بقوتها وشجاعتها، وكذلك اللحظات الأخيرة في حياته.

عباس العقاد ظاهرة أدبية عالمية، تُرجمت بعض كتبه إلى لغات أخرى، فقد تُرجم كتابه المعروف "الله" إلى الفارسية، ونُقلت «"عبقرية محمد"، و"عبقرية الإمام علي"، و«"أبو الشهداء" إلى الفارسية، والأردية، والملاوية، كما تُرجمت بعض كتبه إلى الألمانية، والفرنسية، والروسية.

 

وقد أطلقت كلية اللغة العربية بالأزهر اسم العقاد على إحدى قاعات محاضراتها، وسُمِّي باسمه أحد أشهر شوارع القاهرة، وهو شارع عباس العقاد في مدينة نصر.

كما أُنتج مسلسل بعنوان "العملاق" يحكي قصة حياة العقاد، وكان من بطولة محمود مرسي.
منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب، وتسلّمها العقاد ولم يرفضها كما يُشاع، لكنه رفض الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة.

وبرغم أنه من بلاد الجنوب، التي عُرفت بعاداتها وتقاليدها الصارمة، وأنها ذكورية أكثر مما تعترف بدور المرأة، إلا أن الأديب الكبير عباس محمود العقاد ظل حتى رحيله يؤكد أنه صنيعة أمه. حتى أن كتابًا كبارًا تحدثوا عن تلك الأم ذات الجذور الكوردية، التي ورثت صرامتها وقوتها من طبيعة الكورد، وكذلك شجاعتها في مواجهة المحن، وتدينها، وإيمانها القوي.

 

وصف العقاد أمه وصفًا بليغًا:" لم أرَ في حياتي امرأة أصبر على الصمت من والدتي، فربما مضت ساعة وهي تستمع إلى جاراتها وصديقاتها، وتجيبهن بالتأمين أو التعقيب اليسير... وكنت شديد التعلّق بها، وعندما كنت أزور أسوان، كان أول ما أفعله هو أن أنزل من القطار وأهرع إلى غرفتها وألتصق بها... فلما توفيت إلى رحمة الله، لم أدخل غرفتها، كي لا أراها فارغة منها."

ويقول العقاد أيضًا: "أمي كانت شقراء جميلة، أصلها كوردي، وأبوها لا يتكلم العربية، وجدي كان من قبائل ديار بكر. ويقول الناس عني إنني قاسٍ عنيف، ولقبني سعد زغلول بالجبار. وهناك فرق بين القسوة وعدم الرحمة. أنا شديد الحساسية، ولا تعجبني مظاهر عدم الرحمة بالناس..."

فعندما سُجنت وقع بصري على جلاد يهوى بسوطه على ظهر السجين، كان المنظر كافيًا لأن أمرض لمدة أسبوع. ظلت صورة الدم على ظهر السجين تؤرقني، وصراخه يدوي في أذني، وقد أرهقتني صورة امتهان البشرية إلى ذلك الحد.

وله مقولات عن المرأة منها: "أسعد ساعات المرأة.. هي الساعة التي تتحقق فيها أنوثتها الخالدة، وأمومتها المُشتهاة.. وتلك ساعة الولادة".

 

 رومانسية العقاد 

وعن نفسه يقول محاولًا أن يؤكد رومانسيته: "أنا عاطفي لأقصى الحدود، على خلاف ما يتصوّر الناس. أحببت في حياتي مرتين: «سارة» و«مي». وكانت الأولى مثالًا للأنوثة الدافقة، ناعمة رقيقة، لا يشغلها سوى الاهتمام بأنوثتها، وكانت مثقفة. أما الثانية، فكانت قوية الحُجّة، تناقش وتهتم بتحرير المرأة وإعطائها حقوقها السياسية، وكان بها بعض صفات الرجال من حيث إنها جليسة علم وأدب وفن، وزميلة في حياة الفكر، أي أن اهتمامها كان موزعًا بين العلم والأنوثة.

ويقول: "أنا أحب الأطفال جدًا، ويأسرني الفن الجميل، حتى إنني أبكي في مشهد درامي متقن الأداء. أذكر أنني بكيت في أول فيلم أجنبي ناطق، كان يمثله «آل جونسون» ومعه طفل صغير يمثل دور من حُرم من أمه وظل هدفًا للإهمال حتى مات. تأثرت وبكيت، ولم أستطع النوم في تلك الليلة، إلا بعد أن غسلت رأسي ثلاث مرات بالماء الساخن لإبعاد الأفكار السوداء عندما تتملكني."

ومن صفاتي التي لا يعرفها الناس: "إذا عوملت بالتسامح لا أبدأ بالعدوان أبدًا، وإذا هاجمني أحد فلا أرحمه. وقد قالت «سارة» عني ذات مرة: «إن من يُظهر طرف السلاح للعقاد، يا قاتل يا مقتول!»"

وقال عنها الأديب الكبير الدكتور لويس عوض: "معروف أن أم العقاد كانت امرأة قوية الشكيمة، قوية الشخصية، حتى إنها كانت تُلقّب في أسوان بـ«المشدة»، أي رئيسة الفعلة. ويبدو أنها كانت من أكبر المؤثرات في تكوين نفسية العقاد وشخصيته، وكانت تفهمه أكثر من بقية أفراد الأسرة، فكانت وحدها تنصره كلما لاموه على اشتغاله بالأدب. ومما ينبغي ذكره لها، أنها حين مات عنها زوجها عام 1907، كانت في الثانية والثلاثين من عمرها، أي في قمة نضوجها، ومع ذلك آثرت أن تبقى عزباء بقية حياتها، وأن تتفرغ لتربية أولادها، وقد امتد عمرها حتى ماتت في أسوان عام 1956 عن ثمانين سنة أو نحوها."

 أحبته النساء وكان عاشقا برغم صلابته وقوة شخصيته ، فقيل انه أحب الفنانة مديحة يسرى ،كتب عنها شعرا ، وظلت صديقة له حتى رحيله قالت عنه :" :"كنت آراه يوم الجمعة كان أستاذي أحضر ندواته واجتماعاته، الكثيرون كتبوا في شعرًا، وكنت على علاقة صداقة به، لم أزوره في أيامه الأخيرة، لكنني كنت أحدثه بالتليفون دائمًا".

 

الأيام الأخيرة:

أُصيب عباس محمود العقاد  فى ايامه الأخيرة  بجلطة في ساقه،  يقول أحد اقربائه كان مرافقا له عن تلك اللحظات " تم استدعائي من أسوان لأرافقه أثناء مرضه، الذي لم يستمر أكثر من شهر، امتنع خلاله عن عقد ندوته الشهيرة. وكان طبيبه الخاص صديقه وابن أسوان الدكتور الشهير محمد يس عليان. وكان يلازمه صديقه الأسواني الحاج فاوي ربيع، مؤسس نادي أسوان بالقاهرة بتشجيع من العقاد."

وكان العقاد في فترة سجنه قد أُصيب بالتهاب في الجهاز التنفسي، لازمه بقية حياته، وظل يستخدم كوفيته الشهيرة بعد خروجه من السجن أثناء الإصابة بالبرد، وكان عندما يُصاب بنزلة برد يهرع إلى أسوان للاستشفاء.

وفي فجر 12 مارس 1964،جاء دوري لمرافقة العقاد في شقته، فنادى عليّ، وهرعت إليه، فطلب مني أن أساعده على الجلوس لأنه "دائخ"، وعندما أجلسته كما طلب، انحنت رأسه على صدره. جريت إلى الشقة المجاورة وأيقظت أبي وأخي عامر، واستدعينا الدكتور محمد يس عليان، الذي قال لنا: "البقاء لله".

انتشر خبر الوفاة، وعرض الرئيس عبد الناصر نقل جثمان العقاد بالطائرة إلى مسقط رأسه في أسوان، إلا أن والدي أحمد العقاد رفض وطلب نقله بالقطار، حتى لا يُكبد أهل أسوان مشقة التوجّه إلى مطار أسوان البعيد. وأمر الرئيس عبد الناصر بتخصيص عربة كاملة لنقل جثمان العقاد إلى مثواه الأخير في أسوان، وسط حراسة مشددة. ورافقه أفراد الأسرة وعشرة من تلاميذه. ونظّم الدكتور محمد عزت سلامة، محافظ أسوان، جنازة رسمية شعبية لوداع العقاد، وهو من اختار موقع مقبرته الحالية في المدخل الجنوبي لمدينة أسوان بجوار مبنى الإذاعة والتليفزيون، وقد أُقيم عند مدخل المقبرة تمثال شاهق من البرونز يمثل العقاد ممسكًا بكتاب، نفذه المثال عبد العزيز صعب.

 

حزن الجميع على رحيله ففى يوم 13 مارس ، توفى ودفن فى الثرى بأسوان فى نفس اليوم ،كما انه كان الشخص رقم 13 مع اقاربه فى القطار المتجه الى اسوان حاملا جسده ليوارى الثرى هناك فى مثواه الاخير .

وكانت الوفاة فى الثالثة صباحا اتصل يوسف السباعى يتأكد من الخبر، ثم توالت الاتصالات على هاتف منزل العقاد من توفيق الحكيم ويحيى حقى وكمال الدين حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة و عزيز اباظة وروحية القلينى، ثم محافظ اسوان الذى ابلغ شقيقه عامر ان مجلس المحافظة اجتمع فى الثامنة صباح اليوم وقرر اقامة مقبرة خاصة فورا غير مقبرة العائلة ليدفن فيها العقاد وستكون فى الطريق الصاعد الى فندق كتاركت ،حيث كان العقاد اوصى بان يدفن بجانب والده ووالدته. وصل الجثمان الى مسجد عمر مكرم للصلاة عليه، ثم خرجت الجنازة رسمية ومرت بشارع طلعت حرب حتى عبدالخالق ثروت، وعند مرور الجنازة بشارع عبدالخالق ثروت أطلقت كنيسة بجوار نقابة الصحفيين أجراسها تحية للأديب الراحل، وتم وضع الجثمان بالمركز العام لجمعية الشبان المسلمين الحالى بشارع رمسيس، قبل أن ينقل بعربة اسعاف الى محطة مصر فى طريقة الى اسوان بالقطار .