أمير الشعراء أحمد شوقي.. العربي الكوردي وصديق الأمراء والملوك

أمير الشعراء أحمد شوقي.. العربي الكوردي وصديق الأمراء والملوك
أمير الشعراء أحمد شوقي.. العربي الكوردي وصديق الأمراء والملوك

يعد أمير الشعراء أحمد شوقي النجم الأبرز فى سماء الشعر العربي المحتفي دائما بعروبته ، وبكون أنه من اصول كردية،بل كتب محتفيا بتلك الجذور، ومعبرا عن فخره بها، ولعل كلماته الشهيرة "أنا عربي الأب، كردي الأم، تركي الجد، يوناني النشأة، فرنسي الثقافة"،تلخص هويته المتنوعة، وثقافته أيضا .فبهذا هذا التوصيف، يعلن شوقي انتماءه إلى نسيج ثقافي متنوع، ويتفاخر بأصوله الكردية التي ورثها عن والدته. وقد تأثرت شخصيته الشعرية بتركيبته العرقية هذه، فانعكس ذلك على مدى انفتاحه الإنساني ومرونته في التعاطي مع مختلف المدارس الفكرية واللغوية، وعلى نظرته العميقة للهوية الحضارية، وقد امتدح الكرد في قصائد كثيرة، ومن أبرز ما قاله فيهم:

"إذا الكرديُّ قامَ بسيفِ عزمهِ

تزلزلتِ الأرضُ وانتقضَ الجبلْ"

حياة شوقي المليئة بالقصص والحكايات كانت مصدر إلهام متجدد له ، فتركيبته العائلية المتنوعة منحته قدرا كبيرا من المعرفة ، اعترف بنفسه في مقدمات ديوانه الأول "الشوقيات" أنه سمع والده يفتخر بالتنوع العائلي ومما كان يردده له "عليك يا بني أن تفخر بأن اصلنا كورد عرب"

وكتب قصائد عدة تتغنى ببطولات الكرد وصلابتهم، ومن أبرزها قصيدته التي ألقاها في إحدى المناسبات التي حضرها ممثلون عن الدولة العثمانية والأقليات القومية، جاء فيها:

"أكرادُ في العزمِ أسدُ الوغى

صبرٌ على الضيمِ، لا يُحتملْ

جبالٌ من النارِ لا تنحني

إذا ما الدهورُ عليها نزلْ"

ويبدو من هذه الأبيات أن شوقي لم يكتب فقط بدافع القرابة العائلية، بل أيضًا تقديرًا للشخصية الكردية في التاريخ الإسلامي، لا سيّما شخصيات مثل صلاح الدين الأيوبي، الذي خلّد شوقي ذكره في أكثر من قصيدة باعتباره من رموز الفروسية والتسامح.

كل من عاصروه أكدوا تأثرهم به ، بل خصص طه حسين  فصولًا من كتابه الشهير حديث الأربعاء للإعتراف بأهمية شعره ، برغم ما كان يتردد عن خلافه معه  ومما قاله عن "شوقي" :أحمد شوقي بلغ من الإجادة في الشعر الغنائي والمسرحي ما لم يبلغه أحد من قبله في العربية، ولكن لم يبلغ في الفلسفة الشعرية والوجدانية مبلغ المتنبي أو أبي العلاء."

الحكيم وصفه بأنه شاعر أمه 

 أما توفيق توفيق الحكيم فلم يخف حبه له وإعترافه بأنه أهم من مروا على الشعر فقال عنه "شوقي لم يكن مجرد شاعر قصيدة، بل كان شاعر أمة، وقد أضاف للمسرح العربي ما لم يكن موجودًا من قبل."ومما قاله عنه فى مذكراته :"كنت وأنا أكتب مسرحياتي الشعرية أشعر بظل شوقي يرافقني، لا ليؤثر عليّ، بل ليذكرني أنني أسير في طريق بدأه عملاق."

لم تمر كتابات شوقي الشعرية والأدبية على مبدع إلا وأعترف بأنه جمع كل ملامح اللغة ومفرداتها و"عروضها "الشعرية ،فى كتاباته ، ومسرحياته وشعره ، وليس ادل على ذلك من أن قصائده المغناة التي شدت بها أم كلثوم أو محمد عبد الوهاب ، ستظل حافلة بعمق اللغة والمعنى والتعبير القوي . كان كما قال توفيق الحكيم أنيقا فى لغته الشعرية وفى حياته ..فكتب عنه "كان شوقي شاعرًا أرستقراطيًا، يحب الأناقة في اللغة كما يحبها في الحياة، لكنه كان وطنيًا مخلصًا وقلبه مع الشعب."

 

 موسيقار الجيال يبكيه فى ألحانه 

 كل ما كتب عن شوقي أو قيل عنه يمكن قراءته ، أو المرور عليه كسيرة أو تاريخ أمير الشعراء ، لكن تظل حكايات الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب التى تضمنتها مذكراته عنه أو ما تغنى به من أشعاره هي الفارق فى مسيرته ، وليس أدل على ذلك مما قاله محمد عبد الوهاب: "أنا ما غنيتش شوقي.. أنا اتربيت بشعره"

إذ لم تكن العلاقة بينهما علاقة بين شاعر وملحن، بل أمام رحلة إنسانية وفنية عميقة، صنعت أحد أهم الثنائيات في تاريخ الموسيقى العربية.

في كل مناسبة تحدث فيها عبد الوهاب عن شوقي، كان صوته يرتعش بنبرة الابن الوفي، الذي وجد في هذا الرجل أبًا وراعيًا وملهمًا. وقد عبر عبد الوهاب عن هذه العلاقة بقوله الشهير:شوقي لم يكن مجرد شاعر، بل كان مدرسة حياة. كان يعاملني كابنه، وكنت أراه والدي في كل شيء."

كما يروي عبد الوهاب فى مذكراته أن شوقي التقى به أول مرة وهو لا يزال مراهقًا يؤدي أدوارًا صغيرة في فرقة "عبد الرحمن رشدي"، فشدّه صوته، ودعاه إلى قصره في حي "كرموز" بالإسكندرية. وهناك، فتح له أبواب الفن واللغة والأدب، ومنحه الرعاية الأبوية قبل أن يمنحه القصائد. وله اعتراف بأهميته عندما يقول : "لولا شوقي، لما سمع بي أحد. قدمني في قصره في أول حفل غنائي لي، وكان أول من قال للناس: هذا الفتى له مستقبل."

ولأن شوقي كان يؤمن بأن القصيدة يمكن أن تكون لحنًا حيًّا، كتب لعبد الوهاب خصيصًا عددًا من القصائد الغنائية التي صارت علامات في الغناء العربي، من بينها: مضناك جفاه مرقده"، و"يا جارة الوادي"، و"كليوباترا"، و"جفنه علم الغزل".

"وأبدع عبد الوهاب فى تلحينها وغناءها ، حتى إنه قال:" شوقي كان يقرأ عليّ أشعاره بنفسه، ويطلب مني أن ألحنها وأغنيها. كان يصحح نطقي، ويراقب أدائي، وكأنه يرى القصيدة تنبض وتتحول إلى موسيقى ، وكان يسمع الشعر بأذنه الموسيقية قبل أن يسمعه الناس."

وعندما توفي شوقي في عام 1932، خرج عبد الوهاب من جنازته باكيًا، وقال عبارته الشهيرة، "مات أبويا... أنا يتيم تاني."

سيظل أحمد شوقي صاحب " الشوقيات" التى لا يمكن أن يعترف بشاعر أو يحمل لقب شاعر إلا إذا قرأها ، او قرأ بعضها ، أو عرف الكثير عن حياة شوقى ..فشعراء العالم العربي الكبار هم من منحوه لقب "أمير الشعراء"  خلال احتفال كبير أُقيم في دار الأوبرا المصرية عام 1927، بحضور نخبة من المثقفين والشعراء العرب من مختلف أنحاء العالم العربي.

إرث ثقافى وعائلي 

 شوقي الذى كثيرا ما عبر عن امتلاكه ارثا ثقافيا وعائليا كبيرا ..دفع العالم العربي لأن يمنحه لعشرات الألقاب 

هذا الإرث  الشعري، الذى زينه بقصائد عن اصوله الكردية كقصيدته عن كردستان، والتي كتبها في أعقاب ثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925، حين أراد الكرد إعلان استقلالهم عن تركيا. رأى شوقي في هذا الحراك نداءً للحرية يوازي نداءات العرب والشرق كله، فكتب قصيدته المؤثرة التي نُشرت في صحيفة الأهرام بعنوان "إلى كردستان":

سلامٌ على كردستانَ شعبًا وجبلاً ففيها من المجد العريقِ أطولهُوفي شعبِها روحُ البطولة إن سرتْتشقُّ الدُجى والعزمُ لا يستسلمُ لهُرجالٌ إذا ضاقت ديارٌ بعزّهمُتفتّح فيهم فجرُ الحريةِ الأوّلُكأنَّ الجبالَ الشمَّ أنجبتَ نخوةًومن صخرها قُدَّت عزائمُ أمثلُفيا قلعةً في قلبِ شرقٍ تألمتْأراكِ على عهدِ الكرامِ تُكمّلو

القصيدة تكشف عن مشاعر حقيقية تنبع من انتماء وجداني، لا سياسي فقط. فهو يخاطب كردستان بوصفها "قلعة في قلب الشرق"، ويقارن شعبها بالجبال الشمّ، مشيدًا ببطولاتهم ونضالهم من أجل الحرية.

 وقصيدته الشهيرة :

قصيدة أحمد شوقي عن الكردي الشريف

يَحكونَ أنَّ رَجُلاً كُرديّاً أتى المأمونَ
مُبَلّغاً في أمرِ جُندٍ شاكٍ مَظلومِ

فلمّا أتَـى القصرَ وحَفّت بِـهِ الحَـرَسُ
وأبصرَ البهوَ والستورَ والعَلَمَ المُخدومِ

وقفَ الكُرديُّ حائراً، يُقَلّبُ طرفَهُ
ثمّ قالَ قولَ مَن لا يُبالي بالمُلوكِ والعُظَماءِ

قال: السلامُ على مَنِ العَدلُ في يمينِهِ
والسّيفُ في يسارِهِ لمن جارَ أو ظلمَ

أمّا بعدُ يا مأمونُ، إنّا قومٌ كُردٌ
جِبلنا على صبرٍ كصبرِ الجبالِ والعَنَمِ

وإنا نُؤثِرُ الموتَ على الذلِّ، والظلمَ عندَنا
مَوتٌ، ولو على قطعةِ خُبزٍ أو شَربةِ قَسَمِ

فاحذرْ مقامَنا، إن جارَ وليُّكمُ
فلن نَسكتَ عن جورٍ، وإن طالَ الألمُ

لم يكن شوقي شاعر سلطة رغم قربه من الخديوي، بل كان شاعر وجدان الشعوب. تماهى مع قضية كل من طلب حرية أو دافع عن وطن. في قصائد الدروز والكرد، لم يكن مجرد مديحٍ عابر، بل تأكيد على أن الهوية الإنسانية الشاملة أوسع من الانتماء القطري أو المذهبي. وفي زمنٍ تمزّقت فيه خرائط الشرق بعد الحرب العالمية الأولى، كان شوقي يعيد رسمها على طريقته: بالخيط الذهبي للقصيدة.