العراق في قلب الصراع القادم.. إسرائيل تنفذ وواشنطن تراقب

في عام 2002، منح الكونغرس الأمريكي الرئيس صلاحية استخدام القوة ضد العراق، تمهيدًا لغزو بغداد والإطاحة بصدام حسين. هذا التفويض تحوّل إلى أداة قانونية استخدمها الرؤساء الأمريكيون بلا انقطاع حتى عام 2025، حيث تم إلغاؤه رسميًا. هذا القرار لا يأتي من فراغ، بل يتقاطع مع متغيرات كبرى في البنية الجيوسياسية للشرق الأوسط، أبرزها انسحاب واشنطن التدريجي، وتصاعد دور إسرائيل كلاعب أمني أول، وتحول العراق إلى منطقة رخوة استراتيجيًا.
قرار نقل صلاحية إعلان الحرب من الرئيس إلى الكونغرس لا يُقرأ فقط كتحوّل في النظام السياسي الأمريكي، بل كإشارة لإعادة توزيع أدوار النفوذ في الشرق الأوسط. لم يعد البيت الأبيض راغبًا في المواجهة المباشرة، بل أوكل المهام إلى إسرائيل، التي حصلت على غطاء شرعي غير محدود للتحرك ضد أهداف في العراق وسوريا ولبنان. بهذا المعنى، أصبحت تل أبيب اليد المنفذة لمشروع الردع الغربي الجديد، تحت مظلة من الصمت الدولي المتواطئ. التصريحات الدولية التي تبدأ بإدانة الضربات تنتهي دوماً بجملة: “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها”، وهي الجملة التي تمنح إسرائيل عمليًا الضوء الأخضر للتحرك العسكري دون مساءلة أو قيد حقيقي.
في العراق، أُزيل الغطاء الجوي الأمريكي الذي كان حاسماً خلال الحرب على داعش، ليترك خلفه ساحة مفتوحة أمام ضربات إسرائيلية دقيقة تستهدف مواقع يُزعم ارتباطها بإيران. من جهة، ومن جهة أخرى، ليس من الغريب أو البعيد إعادة سيناريو السيطرة السريعة كما حدث في سوريا، فالمشهد العراقي اليوم هش ومفتوح. بعض السياسيين العراقيين يتفاخرون بقراءاتهم وتنبؤاتهم، لكن الواقع أن البلاد تقف على حافة كارثة محتملة إذا ما تم اجتياحها مجددًا عبر قنوات غير نظامية أو ضربات استباقية. المفارقة أن الرد الإيراني لا يزال ضمن نطاق التصريحات، بينما تُدار المعركة الفعلية بالنيابة، وسط صمت عراقي رسمي وشعبي يُثير القلق بشأن تآكل السيادة الوطنية.
المرحلة المقبلة لن تكون إعادة استقرار، بل اشتباك مفتوح يُدار بالوكالة. من المتوقع أن يتحول العراق إلى ساحة تصفية حسابات بين إسرائيل وإيران، بتواطؤ دولي، وبتراجع حاد في قدرة الدولة العراقية على ضبط ميدانها. القوى السياسية المنقسمة، وتراجع أداء المؤسسات، سيمنح الفاعلين الخارجيين حرية أكبر للتدخل، ما سيُكرّس العراق كمسرح اشتباك لا كدولة ذات قرار.
أما إقليم كوردستان، فسيُعاد تموضعه كحلقة وصل حيوية في مشروع الشرق الأوسط الجديد. الاستقرار النسبي في الإقليم، واحتفاظه بعلاقات متوازنة مع واشنطن وأنقرة، قد يؤهله للعب دور متقدم كمنطقة نفوذ مرنة. إذا أحسن الإقليم التحرك ضمن هذا التوازن الحرج، فقد يتحول إلى منصة تفاوض إقليمي، وورقة ضغط استراتيجية على بغداد وطهران في آن واحد.
في هذه اللحظة المفصلية، لم يعد ناقوس الخطر مجرد تحذير، بل إعلان دخول المنطقة حقبة جديدة تُصاغ بلغة النار لا الحوار، وبأدوات الضرب لا البيانات. كل المؤشرات تشير إلى أن الضربة الأولى لن تكون مفاجئة، بل محسوبة بدقة، والعراق سيكون من جديد هو النقطة التي يبدأ منها الزلزال الجيوسياسي الكبير. من يتأخر في الفهم، سيتقدّم في قائمة الخسائر، ومن يتفرج الآن، قد يجد نفسه لاحقًا في قلب الحريق، لا في هامش المشهد هل البعثها الى جريده كل شي جيد في مقالة من حيث املاء و تعبير و ربط الفقرات و تحليل سياسي.