"نفرتيتي" الملكة المثيرة للجدل بين الجنسية الكوردية والمصرية وادعاءات الأفروسينتريزم

"نفرتيتي" الملكة المثيرة للجدل بين الجنسية الكوردية والمصرية وادعاءات الأفروسينتريزم
"نفرتيتي" الملكة المثيرة للجدل بين الجنسية الكوردية والمصرية وادعاءات الأفروسينتريزم

برغم مرور ما يزيد على سبعة آلاف سنة، وهي عمر الحضارة المصرية، لا زالت نفرتيتي تمثل حالة جدلية، تباينت الآراء حول جنسيتها: هل هي مصرية أم كوردية أم أنها إفريقية؟

ولأنها واحدة من أهم ملكات التاريخ القديم، ستظل الملكة نفرتيتي، زوجة إخناتون وأحد أبرز وجوه مصر القديمة، أيقونة للجمال والسلطة. وما زاد من الجدل حولها هو تصعيد نبرة جماعات "الأفروسينتريزم" أو "المركزية الإفريقية"، وادعاءاتهم بأنها إفريقية الجذور.

والأفروسينتريزم حركة فكرية ظهرت في الولايات المتحدة خلال سبعينيات القرن العشرين، تسعى لإعادة كتابة التاريخ العالمي من منظور إفريقي. أنصارها يصرّون على أن مصر القديمة كانت حضارة إفريقية "سوداء" بالأساس، وأن شخصياتها الكبرى مثل نفرتيتي وكليوباترا تعود أصولها إلى إفريقيا جنوب الصحراء.

نفرتيتي كوردية

خلال السنوات القليلة الماضية، أظهرت أبحاث عدة – وبخاصة بعد التنقيب في كوردستان عن الآثار – ما يثبت وجود أدلة على نسب إخناتون ونفرتيتي إلى الكورد، وظهرت تماثيل مصغرة لهما. وقد جاء تأكيد الباحث المصري المهتم بالشأن الكوردي محمود زايد ليضع الجميع في دائرة الجدل مرة أخرى، مؤكدًا أن نفرتيتي جذورها كوردية.

انتقلت بالحديث مع الدكتور محمود زايد، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الأزهر والمتخصص في الشؤون الكوردية قال : " الموضوع لا يزال معلقًا، ولم يصل علماء التاريخ القديم والمصريات إلى نتيجة واحدة، بل أكثر من نتيجة. فمصادر المؤرخين الكورد تؤكد أن إحدى شقيقات الملك الميتاني “الكرد” كانت من بين زوجات أمنحتب الثالث، كما أن إحدى بناته المدعوة “نفرتيتي” كانت زوجة أمنحتب الرابع “إخناتون” حسب المصادر نفسها. وفي إحدى رسائل هذا الملك الميتاني التي كتبها لأخته “نفرتيتي” زوج فرعون مصر أمنحتب الرابع “إخناتون” يخاطبه بعبارات ودية، مثل: إلى الملك العظيم، ملك مصر، أخي، صهري الذي يحبني، والذي أحبه. عسى أن تكون في حالة حسنة، وبيتك، وشقيقتي، وسائر نسائك، وأولادك، ومركباتك، وخيولك وجيشك، وبلادك، وجميع ممتلكاتك. ليكثر السلام عليك".

إذن، فحسب المصادر الكوردية، فإن الملكة نفرتيتي ميتانية، أي كوردية الأصل.

وأضاف: أما المصادر المصرية فتفيد أن موضوع أصل نفرتيتي لا يزال موضوع نقاش. يقول الأستاذ الدكتور محمد جمال الدين مختار “رئيس هيئة الآثار المصرية الأسبق”: "إن موضوع أصل نفرتيتي ما زال موضوع نقاش وجدال بين المختصين؛ إذ لم يذكر أيّ نص اسم والدها.

 ويعتقد البعض أنها تنسب إلى إحدى الأسر الأجنبية التي كان يعج بها البلاط الملكي في عهد أمنحتب الثالث، وأنها اتخذت اسمًا مصريًا كما جرت العادة في ذلك الوقت". ويضيف: "إن أصحاب هذا الرأي قد اختلفوا، فمنهم من رأى أنها ميتانية الأصل، ومنهم من رأى غير ذلك".

أيًا كان أصل الملكة نفرتيتي، فهناك تأكيد على أنها أجنبية غير مصرية، والإشارات الوثائقية الأوضح حتى الآن أنها كوردية الأصل، إلى أن تظهر وثائق وحفريات أخرى تثبت غير ذلك. فالأمر يستحق البحث فعلًا؛ لأنه يرتبط بواحدة من أعظم ملكات مصر، زوجة إخناتون العظيم، وسندًا له في رحلة التوحيد.

علاقات مصرية كوردية 

وما يهمنا هو أنه كانت هناك علاقات مصرية كوردية منذ العصور القديمة؛ إذ أكد بعض المؤرخين المصريين والكرد أن البلاط الفرعوني كان يعج بأميرات كورديات كن سيدات القصر الفرعوني خلال عصر الأسرة الثامنة عشرة من الدولة الحديثة في مصر، وشاركن أزواجهن في حكم البلاد. كما أن البلاط المصري كان يستقدم فرقًا موسيقية وخدمًا وغيرهم؛ وذلك لتوطيد العلاقات بين البلدين.

ويؤكد الدكتور زايد أنه من خلال مصادر ورسائل تل العمارنة، كان النفوذ المصري ممتدًا إلى مناطق حكم الميتانيين، ثم قامت قوات "خيتا" في عهد ملكها "شوبيوليوما" بالهجوم على تلك المناطق والاستيلاء عليها في عهد أمنحتب الثالث. وعندما تولى أمنحتب الرابع "إخناتون"، أرسل شوبيوليوما رسالة ودية دبلوماسية لتهنئته بجلوسه على عرش مصر خلفًا لأبيه.

كما تدل رسائل تل العمارنة على استنجاد الحكام المحليين لمناطق النفوذ المصري في كل من أعالي سوريا وبلاد الشام، طالبين الحماية والعون من مصر لمواجهة أطماع الحيثيين وتوسعاتهم المحتملة، إذ ظهرت دولة الحيثيين في ذلك الوقت كدولة فتية متنامية.

وأضاف "زايد" أيضًا: إن وثائق تل العمارنة تعد من أهم المصادر التي تشتمل على معلومات مهمة عن الميتانيين منذ أواسط القرن الخامس عشر ق.م. فمن خلالها تتضح أولى بوادر العلاقات الدبلوماسية بين هؤلاء وبين الفرعون تحتمس الثالث الذي دخل آسيا عنوة، وقاد حملة على مملكة قادش عام 147ق.م. كما تبدو مظاهر العلاقات المصرية الكردية في الرسائل المتبادلة بين ملوك ميتاني وفراعنة مصر الآخرين من الأسرة الثامنة عشرة، وخاصة بعد أن أقيمت مصاهرة بينهم لثلاثة أجيال على الأقل وحتى انهيار الإمبراطورية الميتانية بيد شوبيوليوما الحيثي. وتأكدت هذه القرابة من خلال وثائق تل العمارنة، والتي جرت الحفريات الأولى فيها عام 1887م، وساعدت المؤرخين في تصحيح جوانب مهمة من الأحداث المتعلقة بتاريخ العالم القديم.

"توت عنخ آمون" في كوردستان

وكشفت أبحاث كوردية فى عام 2009 إنه تم اكتشاف تمثال صغير للفرعون المصري "توت عنخ آمون" أحد فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، والتي تبدأ من عام “1324-1233 ق.م”، وذلك بالقرب من قلعة فرعون في وادي دهوك".

وأشارت إلى أن "المعلومات التاريخية تشير إلى وجود علاقات سياسية وعائلية بين الدولة الميتانية وفراعنة مصر؛ حيث انتقلت عن طريق تلك العلاقات المعتقدات الدينية من كردستان إلى مصر، ما أدى إلى أن يثور الفرعون إخناتون، زوج الأميرة نفرتيتي كريمة ملك الميتانيين، من أجل نشر تلك المعتقدات". 

اكتشاف هذا التمثال يوضح لنا أن اسم قلعة فرعون في دهوك لم يأت من فراغ، بل يستند إلى حقيقة تاريخية، ويؤشر إلى حقبة منيرة في التاريخ الكردي؛ الأمر الذي يدعو إلى بناء علاقات في مجال البحث الأثري بين إقليم كردستان وجمهورية مصر العربية".

 عالم مصري ينفي 

وفي تصريح لموقع "كوردستان 24" قال الأثري الكبير وعالم المصريات الدكتور وسيم السيسي: "لا جدال على أنها مصرية الجذور، فكل ما يقال عن أنها إفريقية غير صحيح". وأوضح أن الأبحاث التي أجريت من قبل علماء أجانب – مثل عالم المصريات الأمريكي فرانك يوركو “Frank J. Yurco” – أثبتت أن المصريين القدماء لم يكونوا "سودًا" أو "بيضًا" بالمعنى الحديث، بل كانوا شعبًا متنوعًا ينتمي جغرافيًا وثقافيًا إلى وادي النيل وشمال إفريقيا. وفي هذا السياق، تأتي نفرتيتي بوصفها ابنة لهذه الأرض المصرية، لا تنفصل عن بيئتها المحلية.

ونفى وسيم السيسي أن تكون نفرتيتي من غير المصريين، مؤكدًا أن الدراسات تشير إلى أن جيناتها 86.6% مصرية، بعد تحليلات للجين المصري الذي أظهر أنها تحمل نفس صفات المصريين.

في حين يرى الدكتور زاهي حواس، وزير الدولة للآثار المصرية الأسبق، أن اكتشاف تمثال توت عنخ آمون في كردستان قد يكون مؤشرًا على تزاوج الحضارتين الكردية والمصرية، موضحًا أن الإمبراطورية المصرية كانت مسيطرة على مناطق سوريا وفلسطين والعراق بالكامل قبل 3000 عام.