"غبار ناري" يعيد السينما الكوردية لصدارة المشهد في مهرجان الجونة السينمائي الدولي

عادت السينما الكردية لتتصدر المشهد في واحد من أهم مهرجانات السينما العربية والدولية حاليًا، وهو مهرجان الجونة السينمائي الدولي، حيث عُرض ضمن مسابقاته الفيلم الكردي "غبار ناري" للمخرج الكردي إبراهيم سعيدي،ممثلا لكردستان ومؤكدا بأن الفيلم الكردي برغم قلة الإنتاج له مكانته فى المهرجانات.
شهد الفيلم حضورًا جماهيريًا كبيرًا وإشادات مهمة من سينمائيين ونقاد، وحالة فنية وُصفت – على حد قول الناقدة صفاء الليثي – بأنها "استثنائية". وأكدت الليثي أن موضوع الفيلم حساس جدًا ويهم شريحة كبيرة من الكرد، بل وكل من يعانون من صراعات وحروب المياه في العالم.
وأضافت أن السينما الكردية تتقدم بشكل لافت للنظر، وأنها تتابع أعمالًا لعدد من كبار السينمائيين من مختلف الأماكن، مشيرةً إلى أن فيلم "غبار ناري" وضع قضية المياه في حجمها الطبيعي، لأنه عندما يتضرر منها أهالي القرى والريف، تتحول إلى حرب غذاء، حيث بانقطاع المياه توقفت الحياة في قرية كردية، وماتت أشجار الكروم والحيوانات، وتعرضت البيوت لفقرٍ مقنّع.
إشادات نقدية ومؤسسية
كما أشاد الكاتب الكبير عبد الرحيم كمال، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، بالفيلم، مؤكدًا أنه فوجئ بمستوى سينمائي وتكنيك عالٍ عندما شاهده لأول مرة مع الجمهور، وهو ما يعد مؤشرًا مهمًا على تطور السينما الكردية ودخولها كمنافس قوي في المهرجانات العربية والعالمية.
إدارة مهرجان الجونة ودعمها للسينما الكردية
قال أندرو محسن، المدير الفني لمهرجان الجونة، إنه يسعى دائمًا لمشاركة السينمات الكردية في المهرجان، مشيرًا إلى أن هذه ليست المرة الأولى، إذ سبق أن شارك فيلم "سعادة عابرة" قبل عامين في المهرجان وحقق نجاحًا باهرًا، وهو من إخراج سينا محمد وحصل على جوائز عدة.
وأكد محسن أن عرض "غبار ناري" يؤكد أن المهرجانات تفتح ذراعيها للمخرجين الكرد لتأكيد جدارتهم ومنافستهم في المحافل العربية والعالمية.
وكان للجمهور راي في معاناة قرية ديزاج دول على ضفاف بحيرة أورمية، يبتلع الجفاف بساتين الكروم ويحيلها إلى أرض قاحلة. وبين عواصف الملح والحرائق والأمراض، يقاوم الفلاح الكردي كاك محمد وجاره الآذري مشهدي أصغر للحفاظ على أرض أجدادهما، ويصبح الإيمان آخر ما يستندان إليه.قال بعضهم بأن الفيلم برغم قسوته إلا انه متماسك يطرح قضية تعيد غلى الأذهان الفيلم المصري "الأرض" للمخرج الكبير الراحل يوسف شاهين ، وأن بطل الحكاية الفنان الكردي محمد محمدي يشبه الفنان المصري الراحل محمود المليجي فى تمسكه بالأرض، وكذلك الممثل عسكر جافنمارد.
المخرج إبراهيم سعيدي ومسيرته
المخرج الكردي إبراهيم سعيدي (مواليد 1965 – كردستان) مخرج ومونتير بارع، يتمتع بخبرة تزيد عن أربعة عقود. تخرج من جامعة طهران للفنون، وأخرج خمسة أفلام قصيرة، وثلاثة أفلام وثائقية طويلة، وفيلمين روائيين طويلين.
بمهاراته الفنية الاستثنائية، تشمل مسيرته أكثر من 175 مشروعًا في مختلف الأنواع، بما في ذلك الأفلام الوثائقية الاجتماعية والإثنوغرافية. كما يعمل حكمًا في مهرجانات سينمائية، ويقود ورش عمل احترافية في المونتاج حول العالم.
مضمون الفيلم وواقعه البيئي
القصة، كما يقدمها الفيلم الذي عُرض ضمن الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائي الدولي المنعقدة حاليًا وحتى 24 أكتوبر الجاري، تحكي عن قرية أبها الجفاف.
كانت هذه القرية المزدهرة على ضفاف بحيرة أورمية تعتمد في السابق على آبار المياه والحدائق الخصبة وخيرات البحيرة، لكنها تواجه اليوم عواقب وخيمة للتغير البيئي، حيث تحولت إلى مسطحات ملحية قاحلة بعد جفاف البحيرة.
لم يقتصر تأثير الجفاف على البيئة الطبيعية فحسب، بل أثّر أيضًا على حياة سكانها وسبل عيشهم. فالقرية موطن للأكراد والأذريين الذين تعايشوا بسلام طويلًا. من بينهم كاك محمد، صاحب كرم العنب الكردي، ومشهدي أصغر، المزارع الأذري الذي جفّ كرم أجداده.
يكافح أصغر بشدة لإنقاذ أشجاره المحتضرة، فينقل المياه بالصهاريج والدلاء لتغذية ما تبقى من أشجار الكرز، بينما يُكافح محمد للحفاظ على محصوله من العنب، لكن العواصف الملحية الشديدة، وارتفاع درجات الحرارة، والرياح الصحراوية العاتية تُدمّر محاصيله.
تخيم الكارثة البيئية على كل تفاصيل الحياة في القرية؛ الزراعة تنهار، البطالة ترتفع، الأمراض تنتشر، وتندلع حرائق ناجمة عن الجفاف، وتهلك الماشية بسبب المرض والجوع. وفي مواجهة هذا اليأس، يلجأ القرويون إلى الإيمان، طالبين العون الإلهي بطرق مختلفة؛ فبينما يُقيم الأذريون طقوس الحداد ومراسم الذبح قرب البحيرة الجافة طلبًا للمطر، يجتمع الأكراد في المساجد يصلّون ويقرعون الطبول داعين بالرحمة والغفران.
يُقدّم الفيلم قرية "ديزاج دول" كتأملٍ مؤثر في قدرة الإنسان على الصمود في مواجهة الكارثة البيئية، ومن خلال النضالات المتوازية لرجلين ومجتمعهما، يكشف عن الهشاشة المشتركة والأمل الراسخ الذي يربط الناس عندما تصبح الطبيعة نفسها عدوًا للحياة.
سينما من أجل الإنسانية
يتوافق موضوع فيلم "غبار ناري" مع شعار الدورة الثامنة لمهرجان الجونة، الذي يركز هذا العام على ما يمسّ المشاعر الإنسانية.
وقد انطلقت فعاليات الدورة الحالية بحفل افتتاح مميز حضره نخبة من نجوم وصُنّاع السينما من مختلف أنحاء العالم، من بينهم: المهندس نجيب ساويرس مؤسس المهرجان ورئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم للاستثمار القابضة، والمهندس سميح ساويرس مؤسس مدينة الجونة ورئيس مجلس إدارة المهرجان، واللواء عمرو حنفي محافظ البحر الأحمر، والفنانة القديرة يسرا عضو المجلس الاستشاري الدولي للمهرجان، ومحمد عامر المدير التنفيذي لمدينة الجونة، وعمرو منسي المؤسس المشارك والمدير التنفيذي للمهرجان، وماريان خوري المديرة الفنية للمهرجان، والناقد العراقي انتشال التميمي المدير السابق للمهرجان وعضو اللجنة الاستشارية العليا.
الجونة.. مدينة الفن والثقافة
يعكس هذا الحدث السينمائي الكبير روح مدينة الجونة التي تُثبت، من خلال مهرجانها السنوي، أنها ليست مجرد وجهة سياحية، بل مدينة رائدة في الفن والثقافة في مصر والمنطقة.وانها منفتحة على كل الثقافات وكل اللغات واللهجات وتفتح زراعيها لسينما العالم.
فمنذ انطلاقه، تبنّى مهرجان الجونة دورًا محوريًا في ترسيخ مكانة المدينة كحاضنة للإبداع ومنصة تحتضن الأصوات المتنوعة وتدعم الحوار الفني، مُجسّدًا رؤيتها كمدينة تنبض بالحياة وتحتفي بالإنسانية عبر الفن. وبفضل طبيعتها وتنوع مجتمعها، تظل الجونة مدينة شاملة تُرحّب بالجميع، وتستقطب المبدعين ومحبي الفن من مختلف أنحاء العالم، مما يعكس طابعها الدولي وروحها المتسامحة.




