في السباق الانتخابي.. المواقف هي التي تبقى

مبنى مجلس النواب العراقي في بغداد
مبنى مجلس النواب العراقي في بغداد

كلما اقترب موسم الانتخابات، تعج الساحة بالشعارات البراقة والوعود المتناسخة، وتغرق الجدران بصور المرشحين وكلماتهم المنمقة.

غير أن الشعوب، التي خبرت الوجع والتجربة، تدرك جيداً أن ما يُقال في الحملات لا يساوي ما يُفعل في الأزمات، وأن المواقف وحدها هي التي تصمد أمام اختبار الزمن.

العراقيون، ولا سيما العرب السنّة الذين ذاقوا مرارة النزوح والخذلان خلال اجتياح تنظيم داعش لمدنهم، ما زالوا يستذكرون موقفاً لا يُنسى، حين وقفت كوردستان، بقيادة الزعيم مسعود بارزاني، إلى جانبهم في أحلك الأيام.

لم تنتظر أربيل آنذاك إشارة دولية أو توافقاً سياسياً، بل فتحت أبوابها لأكثر من مليوني نازح، استقبلتهم كأبناء، لا كغرباء.

وفرت لهم الأمن، وفرص العمل، والتعليم، والعلاج، والأهم من ذلك: كرامة الإنسان التي ضاعت في كثير من الأماكن الأخرى.

ذلك الموقف لم يكن وليد لحظة عاطفية أو رد فعل مؤقت، بل امتداداً لنهجٍ رسّخته كوردستان منذ عقود، حين كانت ملاذاً لكل من ضاقت به بغداد في زمن القمع والدكتاتورية.

احتضنت زعماء وساسة وناشطين، كان مصيرهم السجن أو المقصلة، فوجدوا فيها الحماية والمساحة ليعيشوا بكرامة، ويواصلوا مسيرتهم.

والمؤسف أن بعض من آوتهم كوردستان يوماً ما، عادوا اليوم لينكروا فضلها، ويصطفّوا في جبهات تحاول محاصرتها سياسياً واقتصادياً.

وهنا تتجلى قيمة الوفاء، لا كشعورٍ شخصي، بل كمعيار أخلاقي في السياسة، يُظهر معدن الرجال وقت الشدائد لا وقت المكاسب.

ولعل ما قاله الشيخ خميس الخنجر مؤخراً، حين دعا جمهوره إلى تذكّر ما قدّمته كوردستان وما فعله الزعيم مسعود بارزاني في أحلك الظروف، لم يكن مجرد إشادة، بل صفعة على وجه النسيان، وتذكيراً بأن المروءة لا تموت، وأن الأصلاء لا ينسون من وقف معهم في ساعة المحنة.

اليوم، ونحن على أعتاب سباق انتخابي جديد، تغمره الشعارات وتطغى عليه الشعبوية، يجب أن نستعيد ذاكرة المواقف لا ذاكرة الصور.

فمن وقف معنا حين انهار كل شيء، ومن حفظ إنسانيتنا حين غابت الدولة، هو الأحقّ بالعرفان والاحترام.

في النهاية، حين تتساوى البرامج والوعود، لا يبقى في ميزان الاختيار سوى الموقف.

والمواقف، وحدها، هي التي تصنع الثقة وتخلّد الأسماء في ذاكرة الشعوب… لأنها تُكتب لا بالحبر، بل بالدم، وبالكرامة، وبالصدق الذي لا يُشترى.