الدعاية أغلى من الماء: قراءة في مفارقة الإنفاق الانتخابي في العراق

الدعاية أغلى من الماء: قراءة في مفارقة الإنفاق الانتخابي في العراق
الدعاية أغلى من الماء: قراءة في مفارقة الإنفاق الانتخابي في العراق

في وقت تتزايد فيه التحديات البيئية وتتصاعد المخاوف من موجات الجفاف في العراق، تظهر مفارقة لافتة بين ما يُنفق على المشاريع الحيوية التي تمس حياة المواطنين، وما يُهدر على الحملات الانتخابية التي لا يتجاوز أثرها حدود الأسابيع التي تسبق صناديق الاقتراع.

فبحسب بيانات حكومة إقليم كوردستان، بلغت كلفة إنشاء تسعة سدود مائية نحو 266 مليار دينار عراقي، أي ما يعادل تقريبا  189 مليون دولار بسعر السوق المحلي البالغ نحو 1410 دينار للدولار الواحد.

تؤمّن هذه السدود مجتمعةً أكثر من 253 مليون متر مكعب من المياه، وتُعد جزءا من استراتيجية الإقليم لمواجهة أزمة المياه وتحسين إدارة الموارد الطبيعية.

في المقابل، تُقدَّر كلفة الحملات الانتخابية في العراق وفق تقارير اقتصادية وإعلامية مستقلة بما يتراوح بين 3 إلى 4 تريليون دينار عراقي، أي ما يعادل تقريبا 2.1 إلى 2.8 مليار دولار وفق سعر الصرف نفسه.

وبمعادلة بسيطة، يتبيّن أن ما يُنفق على الدعاية الانتخابية يزيد بنحو 11 إلى 15 ضعفا عن كلفة بناء تسعة سدود، قادرة على تأمين احتياجات مائية لمدنٍ وقرى بأكملها.

هذه المقارنة ليست ترفا رقميا، بل مؤشر على اختلال أولويات الإنفاق العام والسياسي.

فبينما تتكدّس الملصقات والصور في الشوارع قبل كل اقتراع، ما تزال البنى التحتية المائية والزراعية بحاجة ماسّة إلى استثمارات مستدامة.

الإنفاق الانتخابي في حد ذاته ليس مشكلة، إذ تمثل الدعاية جزءا من العملية الديمقراطية، لكن غياب التوازن بين الدعاية والخدمة يجعل الفارق صارخا : موارد ضخمة تُستهلك في موسم قصير، في حين تُترك المشاريع الخدمية لعقود من الانتظار.

إن التجارب التنموية الناجحة حول العالم تُظهر أن الاستثمار في الماء والزراعة والطاقة هو الضمانة الحقيقية للاستقرار السياسي والاجتماعي.

أما الاستثمار المفرط في الدعاية، فهو لا يقدّم سوى صورة مؤقتة سرعان ما تُمحى بعد الانتخابات، تاركا خلفه واقعا لم يتغير.

لذلك، يبدو من الضروري إعادة النظر في ثقافة الإنفاق السياسي، وتوجيه جزءٍ يسيرٍ من تلك الموارد إلى مشاريع حقيقية تبقى بعد أن تُطوى صناديق الاقتراع.

فالمياه التي تخزنها السدود أكثر نفعا  للوطن من أي صورة تُعلّق على جدار، والمواطن الذي يجد الماء في أرضه لن يحتاج إلى من يعده به في خطاب انتخابي.