"الملا مصطفى البارزاني".. رمز كوردي للنضال فى معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026

"الملا مصطفى البارزاني".. رمز كوردي للنضال فى معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026
"الملا مصطفى البارزاني".. رمز كوردي للنضال فى معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026

قبل أسابيع من افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب فى 21 يناير 2026، تتجه الأنظار إلى جناحٍ مختلف في مضمونه، حيث تتصدر القضايا الكوردية ومؤلفات تتناول مسيرة الزعيم التاريخي الملا مصطفى البارزاني المشهد الثقافي، لتؤكد أن المعرض الأكبر في العالم العربي لم يعد مجرد احتفاء بالكتاب المصري والعربي، بل أصبح فضاءً للتنوع والوعي بقضايا الشعوب وثقافاتها المتعددة.

 

الاهتمام يتزايد بالقضية الكوردية

تقول ولاء أبو ستيت، صاحبة دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع، إن الاهتمام بالقضية الكوردية في مصر آخذ في الاتساع، مشيرة إلى أن جمهور الدار من القراء المصريين والعرب بات أكثر شغفًا بالتعرف على التاريخ الكوردي، وعلى الشخصيات التي لعبت أدوارًا بارزة في النضال من أجل الهوية والحقوق، وفي مقدمتهم الملا مصطفى البارزاني الذي تصفه بأنه "رمز الكفاح الوطني" و"صوت أمة تبحث عن العدالة".

وتضيف أبو ستيت أن القضايا الكوردية لم تعد شأنًا سياسيًا فحسب، بل تحولت إلى مجال معرفي وثقافي يثير اهتمام الباحثين والقراء على السواء، لأن ما يجري في كوردستان هو جزء من المشهد الأشمل في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن الاهتمام العربي يمتد اليوم إلى الهويات الطرفية في المنطقة — من الكورد في كوردستان العراق، إلى الأمازيغ في الغرب، وإلى الامتداد النوبي والسوداني في الجنوب — في إطار رؤية ثقافية جديدة ترى في التنوع قوة وليست تهديدًا.

 

حضور كوردي لافت في معرض القاهرة

وأكد مصدر في الهيئة العامة للكتاب أن دورة هذا العام ستشهد تنوعًا كبيرًا في الإصدارات، مشيرًا إلى أن من أبرز ما يميز المعرض هذا العام هو الحضور الواسع للكتب التي تتناول القضية الكوردية بمقاربات تاريخية وسياسية وثقافية.
ويقول المصدر إن شخصية الملا مصطفى البارزاني ستكون من أبرز محاور هذا الاهتمام، عبر مجموعة من الكتب الجديدة التي توثق سيرته ومسيرته النضالية في إطار يربط بين التاريخ الكوردي والعلاقات العربية الكوردية، ولا سيما تلك التي جمعت البارزاني بمصر خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

 

كتب البارزاني تتصدر الإصدارات الجديدة

من بين هذه الإصدارات يبرز كتاب (ملا مصطفى البارزاني.. رمز أمة وعنوان نهضتها)، للكاتب والصحفي الكوردي شيركو حبيب، الصادر عن دار أم الدنيا عام 2025.
الكتاب يقدم قراءة شاملة في السيرة الإنسانية والسياسية للبارزاني، ويرصد محطات حياته منذ النشأة في قرية بارزان بكوردستان العراق، مرورًا بمراحل الكفاح المسلح والمنفى، وصولًا إلى علاقاته الإقليمية والدولية التي شكّلت ملامح الحركة القومية الكوردية الحديثة.

ويولي المؤلف اهتمامًا خاصًا بصلات البارزاني بمصر، خاصة خلال الخمسينيات والستينيات، حين سعى إلى مدّ جسور التفاهم بين القيادة المصرية والقضية الكوردية، إدراكًا منه لدور القاهرة المحوري في دعم حركات التحرر الوطني في المنطقة آنذاك.
ويرى شيركو أن البارزاني لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان رجل دولةٍ صاحب رؤيةٍ إنسانية، جمع بين الحلم القومي والإيمان بالحوار والتقارب بين الشعوب.

 

وثائق بريطانية وأمريكية تكشف فصولًا جديدة

ويُطرح في المعرض أيضًا كتاب آخر للمؤلف نفسه بعنوان (الكورد في وثائق الأرشيف الوطني البريطاني: الحملة العسكرية العراقية – البريطانية على منطقة بارزان 1931–1932)، في طبعة جديدة مزيدة بالوثائق والصور النادرة.
الكتاب يعتمد على مصادر أرشيفية بريطانية غير منشورة من قبل، تكشف عن تفاصيل العلاقة المعقدة بين سلطات الاحتلال البريطاني والحركة الكوردية في بدايات القرن العشرين، كما تعيد قراءة مرحلة مبكرة من تشكل الزعامة البارزانية وبدايات المواجهة بين بارزان والدولة العراقية الناشئة.

ويوازي هذا الاهتمام التوثيقي كتابٌ ثالث بعنوان (الملا مصطفى البارزاني في ضوء الوثائق السرية الأمريكية والعراقية (1969))، للباحث الدكتور أحمد مريح المنصراوي الركابي، الذي صدر في طبعة أكاديمية حديثة عام 2021.
يعتمد الركابي على وثائق رفعت عنها السرية حديثًا من الأرشيف الأمريكي والعراقي، ليكشف من خلالها عن مداولات السياسة الدولية حول النشاط الكوردي في كوردستان العراق، والمواقف المتباينة داخل الإدارة الأمريكية من دعم الكفاح الكوردي، إلى جانب وجهة نظر الحكومة العراقية في مطالب الحكم الذاتي.
ويُعد هذا الكتاب من المراجع المهمة لفهم موقع القضية الكوردية في توازنات الحرب الباردة.

بين الأسطورة والواقعية السياسية

أما الكتاب الكلاسيكي (مصطفى البارزاني: الحقيقة والأسطورة)، للباحث فاضل البراك، فيعود إلى أواخر الثمانينيات ويُعاد طرحه ضمن جناح (كنوز التراث السياسي العربي).
ويُعتبر من أوائل الأعمال العربية التي تناولت شخصية البارزاني بقراءة نقدية تجمع بين التاريخ والسياسة، حيث يحلل الكاتب شخصية الزعيم الكوردي بوصفه ظاهرة جمعت بين (الأسطورة الثورية) و(الواقعية السياسية)، مبرزًا أثر تحالفاته الإقليمية والدولية في مسار القضية الكوردية.

كما سيُعرض أيضًا كتاب (بارزان في المصادر التاريخية) للدكتور فرست مرعي، الصادر عام 2018، الذي يقدم دراسة موسعة حول منطقة بارزان نفسها باعتبارها مهد الحركة القومية الكوردية ومركز القيادة الدينية والسياسية لعائلة البارزاني.
ويتناول الكتاب تطور المجتمع في كوردستان العراق ودور الزعامة الروحية في بناء الهوية الكردية، مما يجعله إضافة مهمة للمكتبة التاريخية الكوردية والعربية.

البارزاني في الأدب والخيال

ولا يقتصر الحضور الكوردي في معرض القاهرة على الدراسات السياسية والتاريخية، بل يمتد إلى الأدب أيضًا، كما في الرواية (أحلام مصطفى البارزاني) التي صدرت بطبعة جديدة العام الماضي، وتجسّد شخصية الزعيم الكوردي في بعد رمزي وإنساني، حيث يتحول في الرواية إلى حلمٍ جمعي في الذاكرة الكوردية، وإلى رمز يتجاوز حدود السياسة ليصبح جزءًا من الوجدان الثقافي العربي أيضًا.

 

رواق (الأكراد) في الأزهر.. ذاكرة ثقافية مشتركة.

وفي سياق آخر من الذاكرة التاريخية المشتركة بين مصر والعالم الكوردي، يبرز كتاب (رواق الأكراد في الأزهر الشريف) للكاتب شيركو حبيب، الذي يتناول فيه تاريخ الرواقات الأزهرية المخصصة لطلاب العلم من مختلف الأقاليم، ومنها رواق (الأكراد) الذي كان يضم طلابًا من العراق وإيران وتركيا وسوريا.
ويُبرز الكتاب كيف أسهم هؤلاء الطلاب في بناء جسور ثقافية وروحية بين الأزهر وكردستان، بل وكان بعضهم من رواد الإذاعة الكوردية في مصر، ومن أوائل الإعلاميين الذين نقلوا رسالة الأزهر إلى العالم الكوردي.

 

القاهرة تحتفي بالتنوع

إن هذا الحضور المكثف للكتب الكوردية داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026 يعكس انفتاح الثقافة المصرية على تنوع الهويات في المشرق العربي، وعلى الرغبة في بناء جسرٍ معرفي جديد بين القاهرة وأربيل والسليمانية ودهوك.
ويرى نقاد وباحثون أن الاهتمام بسيرة الملا مصطفى البارزاني لا يعبّر فقط عن احتفاء بشخصية ناضلت من أجل العدالة والكرامة، بل عن وعيٍ جديدٍ بأهمية استعادة التجارب التحررية في المنطقة وتوثيقها من زوايا إنسانية.

فمن الوثائق البريطانية إلى الأرشيف الأمريكي، ومن الميدان السياسي إلى الأدب الرمزي، تتعدد زوايا النظر إلى البارزاني، لكنها تلتقي جميعًا عند حقيقة واحدة: أنه كان قائدًا استثنائيًا تجاوز حدود الزمان والمكان، ليصبح رمزًا لأمةٍ بأكملها، وجزءًا من سردية الشرق الأوسط الحديث.

وفي قلب القاهرة، وبين أجنحة معرضها الدولي للكتاب، يجد هذا الرمز الكوردي الكبير مكانه المستحق بين رموز التحرر في التاريخ الإنساني، في مشهدٍ يجمع بين الذاكرة والمعرفة، وبين النضال والثقافة

 يذكر أن اللجنة الاستشارية العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السابعة والخمسين، المقرر إقامتها في يناير المقبل بمركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس، برئاسة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، والدكتور أحمد مجاهد المدير التنفيذي للمعرض،اختارت اسم الأديب العالمي الكبير نجيب محفوظ ليكون شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026، وذلك بمناسبة مرور عشرين عامًا على رحيله، تقديرًا لإسهاماته الفريدة في إثراء الأدب العربي والعالمي، وإعلاء قيم الإنسان والحرية والهوية المصرية في أعماله التي ترجمت إلى عشرات اللغات.