رقية أبو الكرم
كاتبة صحفية
المرأة أبرز قضايا الرأي العام
منذ أيام، وبينما أنا أتصفح منصة (يوتيوب)، وقعتْ عينيَّ على تقرير حول قضية رأي عام، وما شد انتباهي للمتابعة بوستر التقرير، إذ تحولت قضية الإعلامية المصرية (شيماء جمال) التي هزت الشارع المصري منذ سنوات إلى قضية رأي عام؛ تحت عنوان (إعلامية تلقى حتفها على يد زوجها القاضي).
عادت القضية إلى المشهد من جديد، بعد أن تحولت إلى مسلسل تلفزيوني حصل على أكبر نسبة مشاهدة وتعاطف، مع نهاية شيماء جمال على يد (رجل القانون). وعندما تتحول قضايا العنف ضد النساء إلى قضية رأي عام فإنها تتجاوز كل الحدود؛ حتى حدود القضاء، فينتفض لها الشارع وتؤسر بها قلوب الناس، بسبب بشاعة الحدث وتكتيك خطة الجريمة ومكانة الفاعل، في أحداث لم نكن نراها إلا على شاشات السينما ونقرؤها في قصص الرعب؛ لتداعب خيالنا ليس إلا.
تجرّنا قصة شيماء إلى أحداث دموية مشابهة، وقد تكون أقسى من ملابسات الجريمة التي كانت ضحيتها الإعلامية المصرية؛ تلك هي قضية عراقية هزت الرأي العام العالمي، ليصل صوتها إلى مجلس الأمم المتحدة، في محاولة لكشف ملابسات الجريمة الكاملة التي مورستْ ضد امرأة لا تملك سوى صوتها، واجهت أشد انواع العنف النفسي والجسدي اللا أخلاقي حد الموت. هي الدكتورة (بان) ابنه البصرة، التي انتهت حياتها بأبشع صورة في ظروف غامضة بعيدة عن أغوار الحقيقة، حتى دُفنتْ في مكان مجهول بقبر رمزي. وإذا كان الجاني في قضية شيماء قاضيًا، ففي قضية بان تلطخت أيادي مسؤولين كبار في الدولة، دون أن يستدعيهم القضاء لمجرد التحقيق، بل قُيّدت الجريمة على أنها (انتحار) بسبب ضغوطات نفسية، ويا لسخرية القدر فالدكتورة بان طبيبة نفسية تعالج المرضى، فكيف تصاب بعللهم؟!
لا يزال سبب الاعتداء العنيف على الدكتورة بان مبهمًا، لم يظهر إلى النور ليعلل قضيتها، حالها حال الكثير من قضايا النساء المعنفات نفسيًا وجسديًا، لم يأخذ الحق مجراه في ظل القوانين غير العادلة.
ليست بان ولا شيماء وحدهما من دُبّر أمرهما بليل، بل ثَمَّ الكثيرات ممن انتهت حياتهن في الظل وفقًا لقانون (العشيرة) و(السلطة)، ولن تنتهي سلسلة القمع ضد النساء مهما وضِعتْ قوانين، ما دامت المرأة تعيش تحت سلطة الذكورة والجهل.
تتعرض النساء في مجتمعنا إلى القمع والتكميم بنسبة أكبر من المجتمعات الأخرى، من دون محاسبة ولا حكم ولا دليل قاطع، فتخضع لأحكام عرفية، ونسبة التشهير بالمرأة أعلى من الرجل بأضعاف مضاعفة، ويعود السبب إلى وضع المرأة وتحجيمها في المجتمع.
من الصواب أن نختار - نحن الشرقيات - يومًا مختلف لتأبين قضايا العنف ضد المرأة، فما تتعرض له نساؤنا أشد بطشًا ووحشية مما تتعرض له بقية نساء العالم.
سيبقى يوم (٢٥ تشرين الثاني/ نوفمبر) رمزًا لمناهضة العنف ضد المرأة، تروّج فيه شعارات وألوان وقصص وحكايات، ولكن هل ستتوقف حكايات النساء المعنّفات؟ هل سيكون القانون فيصلًا بين الجاني والمجني عليه؟ هل ستكون هناك نهاية لسلسلة القتل البشع بلا رحمة؟
إن الأسباب التي تؤدي إلى اغتيال المرأة قد تكون سخيفة لا يعيها العقل، فقد رَصدتُ قضية لضحية جديدة (مقتل زوجة من قبل زوجها بسبب طبخة سمك!)، و(أم لأربعة أطفال تنتهي حياتها من أجل طبخة!)، كيف يستوعب العقل البشري حدود الفهم والأدراك بإنهاء حياة إنسان من أجل سمكة؟ شتان ما بين الأسباب، قضية قتل من أجل انتقام، وأخرى لتكميم الأفواه، وثالثة من أجل طبخة؛ منطق الجريمة والعنف مرتبط بالضحية (المرأة)، سواء أ كانت إعلامية أو طبيبة أو ربة بيت، النتيجة واحدة مع الضحية.
أما قضايا التعنيف النفسي والجسدي والجنسي، فما زالت محصورة داخل البيوت والغرف المغلقة، لا تفرق بين ضحاياها، فالدموع والرجاء هو الأمل من أجل الخلاص.