في اليوم السنوي للعَلَم الكوردستاني رؤية الإسلام لمفهوم العَلَم ودلالاته

في اليوم السنوي للعَلَم الكوردستاني رؤية الإسلام لمفهوم العَلَم ودلالاته
في اليوم السنوي للعَلَم الكوردستاني رؤية الإسلام لمفهوم العَلَم ودلالاته

يُعدّ العَلَم أحد أبرز الرموز الدالّة على الهوية القومية والوطنية، فهو تجسيدٌ مرئيٌّ لوجود أمةٍ لها أرضٌ وجغرافيا، ولغةٌ وثقافة، وتاريخٌ وكيان. ومنذ أقدم العصور، حرصت الشعوب—على اختلاف أعراقها وأديانها ولغاتها—على امتلاك أعلامٍ خاصة بهم تميّزهم وتعكس خصوصيتهم، ومع تطور مفهوم الدولة والأمة، تعاظمت مكانة العَلَم، وأضحى رمزًا جامعًا للأرض والشعب والسيادة، ودلالةً على الخصائص التاريخية والحضارية لكل وطن.

وقد ارتبط اسم كل دولة بعَلَمها، فأصبح العَلَم عنوانًا لها، يحمل في ألوانه ورموزه ملامح هويتها وسمات شعبها، ويجسّد تاريخها وتطلعاتها.

رُفع علم كوردستان لأول مرة في السابع عشر من كانون الأول عام 1945، في جمهورية مهاباد، ليكون منذ ذلك الحين رمزًا للمقاومة والنهضة والتضحية، وتجسيدًا لكرامة أمةٍ تعرّضت للظلم والتقسيم، وقد ترسّخت دلالاته التاريخية والوطنية في وجدان ملايين الكورد، ومن هذا المنطلق أقرّ برلمان كوردستان في 19 حزيران 2009 يوم 17 كانون الأول يومًا رسميًا للعلم من كل سنة.

وللشعب الكوردي—كغيره من شعوب العالم—الحق المشروع في امتلاك عَلَمِه الخاص، ولا سيما عَلَمًا يحمل ألوانًا ودلالاتٍ تعبّر عن مسيرة نضاله، فاللون الأحمر يرمز إلى الثورة والشجاعة والتضحية ودماء الشهداء، والأبيض يعبّر عن السلام والمحبة والإنسانية، وأما اللون الأخضر فيدل على الأمل والطبيعة والحياة والطمأنينة، فضلًا عن ارتباطه الديني في ثقافاتٍ عديدة، لذا نجده حاضرًا في أعلام كثير من الدول الإسلامية، في حين أن الشمس ذات الواحد والعشرين شعاعًا فترمز إلى عيد نوروز وبداية السنة القومية الكوردية.

لقد أدركت الشعوب عبر التاريخ أهمية العَلَم، فكان وسيلةً لإثبات الوجود وإظهار الإرادة الوطنية في السلم والحرب، وفي المناسبات الوطنية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية. ومن خلاله تعبّر الأمم عن قوتها ووحدتها، وعن ثقافتها وتاريخها وبنيتها الحضارية.

تعامل الإسلام مع هذه القضية بواقعية واتزان، فلم يرفض الرموز القومية أو مظاهر التعبير عن الهوية الوطنية، بل أقرّ مشروعية وجود العَلَم بوصفه وسيلةً للتعريف والتمييز والتنظيم، ورمزًا للسيادة والوحد، وقد ثبت أن النبي ﷺ كان له عَلَمٌ خاص به، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن راية النبي ﷺ كانت سوداء وبيضاء.

وكان العَلَم في العهد النبوي رمزًا للقيادة والتنظيم العسكري، يُسلَّم إلى من يتحمل مسؤولية القيادة، ولا سيما في أوقات القتال، لما له من دورٍ في توحيد الصفوف ورفع المعنويات. وفي معركة مؤتة، تناقل الراية بين عددٍ من القادة العظام—زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة، ثم خالد بن الوليد رضي الله عنهم—حرصًا منهم على ألا تسقط الراية، وفي ذلك دلالةٍ واضحة على مكانتها الرمزية في الثقافة الإسلامية.

وهذا يؤكد أن العَلَم في الإسلام رمزٌ للعزة والقوة والثبات، وليس مجرد قطعة قماش. كما أن سماح النبي ﷺ لكل قومٍ أن يكون لهم علمهم الخاص يدلُ على اعتراف الإسلام بحق الشعوب في الحفاظ على خصوصيتها وهويتها، ضمن إطارٍ إنساني يقوم على الاحترام والتعايش.

وبعد عصر النبوة، استمر وجود الأعلام في عهد الخلافة الراشدة، ثم في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية، بوصفها رموزًا للقوة والسيادة.

وتكمن عناية الإسلام بالعَلَم في كونه عاملًا موحِّدًا لإرادة الأمة، ووسيلةً لربط الفرد بوطنه، ودافعًا للبناء والتقدم والدفاع. وقد ورد عن النبي ﷺ أنه كان يحبّ أن يقاتل الإنسان تحت راية قومه، لما في ذلك من تعزيزٍ للانتماء والالتزام.

وعليه، فإنّ الدفاع عن الوطن ورموزه—وعلى رأسها العَلَم—يُعدّ واجبًا شرعيًا وأخلاقيًا، لا سيما إذا تعرّض الكيان الوطني للخطر؛ لأنّ المساس بالأمن الوطني يهدد مصالح المجتمع كله، وحين يتعرض الوطن لعدوانٍ خارجي، يصبح الدفاع عنه واجبًا، ويُنظر إليه بوصفه جزءًا من المسؤولية الدينية.

إنّ الحفاظ على العَلَم يعكس وعيًا وطنيًا وقوميًا حيًا، ويعبّر عن رفض الهزيمة والانكسار، وعن الاستعداد للتضحية في سبيل الكرامة والحرية. وبالنسبة للشعب الكوردي، الذي لم ينل بعد دولته المستقلة، تزداد أهمية العَلَم بوصفه رمزًا جامعًا للهوية، ورايةً للأمل والسلام، وتجسيدًا للانتماء القومي.

ومن ثمّ، فإن صون العَلَم واحترامه—بألوانه ورموزه ومعانيه—واجبٌ ديني وقومي في آنٍ واحد، لما يمثّله من رمزٍ للوطن والتاريخ ودماء الشهداء، وحق تقرير المصير، والحفاظ على الكرامة والعزة الوطنية…