د. سامان سوراني
أكاديمي كوردي
السياسة الأمريكية وتوازنات الحكم في عراق ما بعد 2025
مع نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق التي جرت في 11 نوفمبر 2025، يجد العراق نفسه في مرحلة جديدة من التحولات السياسية المعقدة. فقد تجلى المشهد السياسي في تزايد التوترات بين الفصائل الشيعية، وتعقيدات تشكيل الحكومة الجديدة، بالإضافة إلى صراع داخلي على النفوذ بين القوى السياسية العراقية. في هذا السياق، تبرز الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في معادلة العراق المستقبلية، حيث تركز على تقليص نفوذ القوى الإقليمية، وفي مقدمتها إيران، مع ضمان استقرار النظام السياسي في بغداد.
الانتخابات الأخيرة في العراق كانت نقطة فاصلة، حيث تعكس هذه المرحلة تطوراࣰ في السياسة الأمريكية تجاه العراق، خاصة في ظل سياسة الرئيس دونالد ترامب المعروفة بمنهج الاستبدادیة الهجومیة و عقيدة دبلوماسیة القوة وتعيين مارك سافايا كمبعوث خاص لترامب إلى العراق.
إذن العراق نقطة ارتكاز رئيسية في الاستراتيجية الجيوسياسية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، حيث يسعى البيت الأبيض إلى ضمان استقرار العراق وتعزيز سيادته الوطنية في مواجهة التحديات الإيرانية ومخاطر السلاح غير المنظم و تركز على الضغط على الفصائل الموالية لإيران، بما في ذلك فرض العقوبات وإدراج قادة هذه الفصائل على قوائم الإرهاب.
هذه السياسة تأتي في وقت حساس، حيث يعاني العراق من أزمة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات بسبب الصراعات العميقة داخل القوى السياسية الشيعية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.
الهدف الأمريكي الرئيسي من هذه السياسة هو تحديد شكل الحكومة العراقية القادمة بطريقة تضمن بقاء العراق كدولة ذات سيادة، بعيداࣰ عن السيطرة الإيرانية.
لكن هذا الضغط، رغم قوته، لا يخلو من تحديات كبيرة، أهمها مسألة العلاقة مع إيران والفصائل المسلحة المدعومة منها، التي لا تزال تتمتع بنفوذ واسع في العديد من المؤسسات العراقية.
فبعد الانتخابات، ظهرت أزمة حادة داخل الإطار التنسيقي الشيعي في تحديد من سيكون مرشحاࣰ لرئاسة الحكومة.
هذا الصراع الداخلي يعكس ضعف النظام السياسي في العراق، الذي يعاني من الفساد الداخلي، وصعوبة التوصل إلى توافقات سياسية بين الكتل المختلفة.
وقد أضافت هذه التوترات السياسية إلى حالة الانقسام الداخلي، مما یمکن أن یؤدي إلى تأخير تشكيل الحكومة، وبالتالي إبقاء العراق في حالة من الفراغ السياسي.
إدارة ترامب تتبنى مبدأ الضغط القصوى، وهو نهج يعتمد على توظيف العقوبات، الضغوط الدبلوماسية، و العزل الدولي للكيانات السياسية المرتبطة بطهران، بهدف تحجيم دورها في الشأن العراقي الداخلي. ومع ذلك، تدرك واشنطن أن هذه السياسة لا تخل من التحديات الهيكلية، سواء في التفاعل مع القوى السياسية العراقية المختلفة أو في الحفاظ على الاستقرار السياسي داخل العراق ذاته. بل إن سياسات الولايات المتحدة في هذه المرحلة تركز أكثر على إضعاف النفوذ الإيراني، خصوصاࣰ في مجال الأمن، حيث لا تزال الميليشيات المدعومة من الدول الإقلیمية تشكل تهديداࣰ للأمن الداخلي.
ومن المعلوم بأن إقليم كوردستان بقیادة الرئیس مسعود بارزاني یلعب دوراࣰ محورياࣰ في هذا السياق. فمنذ انتخابات 2025 و حصول الحزب الدیمقراطي الكوردستاني علی أكثر من ملیون و مائة الف صوت أصبح للبارتي ثقلاࣰ مؤثراࣰ في تشكيل الحكومة العراقية، إذ يظل هذا الحزب ورقة رابحة في المفاوضات السياسية بين مختلف القوى العراقية. فبينما يعاني الشيعة والسنة من صراعات داخلية، رغم إدعائهم بتشکیل مجلس شیعي و سني جامع لهم، يسعى الحزب الدیمقراطي الکوردستاني، الحزب الحاصل علی أكثر الأصوات علی مستوی العراق، لتعزيز موقفه السياسي في المعادلة الجديدة.
من المهم أن نلاحظ أن العلاقة بين بغداد وأربيل شهدت في السنوات الأخيرة تحولاࣰ، حيث سعت حکومة الاقلیم من خلال الحوار المباشر مع بغداد لتثبیت حقوقها الدستورية في مجالات النفط والموارد الطبيعية، بالإضافة إلى القضايا الاقتصادية والمالية. في ظل هذه الأوضاع سيظل إقليم كوردستان في موقف قوي في المفاوضات على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، خاصة إذا كانت الإدارة الأمريكية تدعمه كجزء من استراتيجيتها للحد من نفوذ إيران في العراق.
تبقى ظاهرة السلاح المنفلت إحدى أبرز التحديات التي تواجه الحكومة العراقية المقبلة. فوجود ميليشيات مسلحة خارج سيطرة الدولة مدعومة من قبل جهات خارجية يمثل تهديداࣰ مستمراࣰ لاستقرار العراق.
من الناحية الأمريكية، فإن التعامل مع هذا الوضع يكون عبر ضغط سياسي واقتصادي على هذه الميليشيات، وتحفيز الحكومة العراقية، التي نأمل أن تتشکل في 2026، على تبني سياسات أكثر فاعلية في نزع السلاح أو على الأقل تحجيم تأثير هذه الفصائل.
من خلال هذه السياسات، تسعى الولايات المتحدة إلى أن تكون العراق دولة ذات سيادة، لا تخضع لسلطة الميليشيات أو الفصائل المسلحة التي قد تهدد استقرار المنطقة ككل.
وختاماࣰ، إن السياسة الأمريكية في العراق بعد انتخابات 2025 تمثل تحولاࣰ في الاستراتيجية الجيوسياسية تجاه المنطقة، حيث يسعى البيت الأبيض إلى تقليص النفوذ الإيراني، وتعزيز استقلالية العراق واستقراره. في هذا السياق، يبقى إقليم كوردستان لاعباࣰ محورياࣰ في المعادلة السياسية، إلى جانب إصلاح الأجهزة الأمنية وتحقيق التوافقات السياسية بين الأطراف المختلفة. لكن التحديات العميقة المتعلقة بالسلاح المنفلت و التدخلات الإقليمية تظل من أكبر العوائق أمام أي محاولة حقيقية لتحقيق الاستقرار السياسي في العراق.